دبي - صوت الامارات
عاشت مُسنّة خليجية حياة كريمة طوال سنوات عمرها الثمانين، إذ فرضت خلالها حضورها في العائلة، وبسطت سيطرتها على أبنائها الستة، وكان لها شأن واحترام، لكن هذه السطوة بدأت تتآكل وتذوب شيئا فشيئا بعد أن أقعدها المرض، وصار ضيفا مقيما في حياتها، و"ثقيلا" على صحتها، وها هي اليوم ترقد في المستشفى منذ نحو 7 أعوام بسبب التهاب مزمن أدى إلى بتر رجليها وأفقدها القدرة على الحركة، وهو ما جعل أبناءها يتخذون قرارا موقعا بموافقة الجميع على إيداعها هناك، علها تشفى، وتتحسن حالتها الصحية، وتعود إلى البيت، لكنها إلى الآن لم تعد، ليس بسبب المرض وحده، ولكن لأن أبناءها نسوها هناك، وتركوها تواجه مصيرها دون أن يقفوا إلى جانبها أو يساندوها في محنتها، أو حتى يطمئنوا على صحتها ولو بالهاتف، ولكن هل نسيتهم الأم، أو قست عليهم أو عاتبتهم؟ لا.. لم تنسهم، فكما روت إحدى الممرضات التي كانت تشرف على حالتها الصحية منذ إحضارها للعلاج للنيابة العامة، فإن الأم المقهورة كانت تسأل عنهم باستمرار، ليس عنهم وحدهم، بل عن أولادهم أيضا، وعندما كان يشتد عليها الألم، ويحكم قبضته عليها، فإنها كانت تهذي بأسمائهم وهي تنادي عليهم، ولكن لا سامع ولا مجيب.
وبالرغم من أن هذه الممرضة تواصلت مع أحد الأبناء، وأخبرته بحال أمه العجوز، وحاجتها واشتياقها له ولبقية إخوانه، علها تحرك مشاعره وتزيل الصدأ عن قلبه الذي أصبح متحجرا مثل قلوب إخوانه فإنه لم يتجاوب معها، ولم يستيقظ ضميره الغائب المستتر، إلى أن فوجئت بعد مدة من الزمن بحضور الابن الأصغر إلى المستشفى، وسؤاله الممرضات المناوبات في ذاك اليوم عن أمه، وحالتها الصحية، فعمت الفرحة المكان، وسالت دموع الممرضات على عودة أحد الأبناء للبحث عن أمه بعد كل هذا الغياب، فما أقسى أن يتخلى الابن عن أمه أو أبيه، ثم تكررت هذه الزيارة للابن الأصغر، وصار يزورها بشكل دائم حتى ظن الحاضرون بأنه حاكم نفسه، وعاقبها على هذا الإهمال والنكران لفضلها عليه، وعاد ليكسب رضاها قبل موتها، وليته لم يعد، ولم يتذكرها، لأن زياراته المتكررة لها لم تكن من باب الشوق لها، أو الشعور بالذنب والخوف من الله تجاه عقوقها و"رميها في المستشفى"، لكن من أجل أن يسرقها، ويوقّعها على أوراق لسرقتها.
نعم هذا ما كان بالفعل، فقد بينت تحقيقات النيابة العامة في هذه القضية أن الابن الأصغر ظل يزور أمه، ويتظاهر بطاعته وحبه لها، وتقبيل يديها، حتى تمكن في إحدى المرات، من إلصاق إصبعها الذي كانت تمسح به دموعه عندما كان طفلا، على ورقة استولى بموجبها على ممتلكاتها، وأموالها، مثلما تبين كذلك أن هذا الابن مدمن مخدرات، وسلوكه أعوج لا يعرف للانضباط والاستقامة طريقا.
"كانت صدمة كبيرة لي عندما عرفت أن الابن هو السارق، وأن المسروق عجوز مهملة منذ سبعة أعوام في مستشفى تنتظر فيها رحمة الله ليشفيها، ويمطر قلوب أبنائها بالمغفرة وصلاح الحال"، تقول الممرضة التي أخذت النيابة أقوالها في جريمة السرقة هذه، كونها شاهدا حيا على تفاصيل هذه القصة التي لم تنته الصدمات والمفاجآت فيها بعد.