أنقرة ـ جلال فواز
اختارت أنقرة وبرلين طريق اللقاءات الدبلوماسية غير الرسمية، في مسعى لإنهاء التوتر القائم في العلاقات بينهما بسبب خلافات في العديد من القضايا، حيث التقى وزيرا الخارجية التركي مولود غاويش أوغلو ونظيره الألماني زيغمار غابرييل في أنطاليا جنوب تركيا، بشكل مفاجئ، لبحث سبل إنهاء الأزمات التي قادت إلى توتر العلاقات بين بلديهما. وقالت الخارجية التركية، في بيان، إن غاويش أوغلو وغابرييل تناولا قضايا ذات اهتمام مشترك وما يأمله البلدان من بعضهما البعض.
وكتب غاويش أوغلو على حسابه على "تويتر": "التقيت زميلي زيغمار غابرييل في أنطاليا بشكل غير رسمي، لمناقشة العلاقات الثنائية، وبما في ذلك القضايا الصعبة والتوقعات المتبادلة". وعقد اللقاء في أنطاليا، إحدى أكبر المدن السياحية في تركيا، حيث يتواجد غاويش أوغلو عادة في نهاية الأسبوع في بلدة آلانيا السياحية التابعة لأنطاليا وهي مسقط رأسه وموطنه الانتخابي.
وسبق أن أجرى غاويش أوغلو اتصالاً هاتفياً مع غابرييل الأسبوع الماضي، بعد أشهر من التوتر والتصريحات الملتهبة والتلاسن بين مسؤولي أنقرة وبرلين. وعانت العلاقات بين تركيا وألمانيا أزمة كبيرة منذ محاولة الانقلاب الفاشلة التي وقعت في تركيا في 15 يوليو (تموز) العام الماضي لاعتراضها على حملة الاعتقالات والإقالات الواسعة، التي تم خلالها توقيف أكثر من 60 ألف شخص احتياطياً، وفصل أو وقف أكثر من 160 ألفا آخر عن العمل، في ظل حالة الطوارئ المعلنة بين البلدين، وشملت هذه الاعتقالات مواطنين ألمانا بينهم صحافيون وناشطون حقوقيون بتهم دعم الإرهاب.
وتتهم تركيا ألمانيا بالتسامح مع حزب العمال الكردستاني المحظور وأنشطته في أراضيها، كما أغضبها منح ألمانيا حق اللجوء السياسي لعدد من الضباط الأتراك كانوا يعملون في حلف الناتو في بروكسل ولجأوا إلى ألمانيا مع أسرهم عقب محاولة الانقلاب الفاشلة. واتهمت ألمانيا في المقابل تركيا باعتقال مواطنين ألمان بتهم لا أساس لها من الصحة بمن فيهم صحافيون وناشطون.
وبلغت الأزمة بين البلدين ذروتها عندما رفضت ألمانيا السماح لوزراء وسياسيين أتراك بعقد لقاءات من تجمعات من الأتراك المقيمين في ألمانيا، قبل الاستفتاء على تعديل الدستور الذي أجري في 16 أبريل/نيسان الماضي، لإقرار النظام الرئاسي بهدف توسيع الصلاحيات التنفيذية لرئيس الجمهورية، وهاجم الرئيس التركي رجب طيب إردوغان ألمانيا والاتحاد الأوروبي قائلا إنهم من بقايا النازية والفاشية.
وردت تركيا بمنع نواب ألمان من زيارة جنود من بلادهم يعملون ضمن قوات التحالف الدولي للحرب على داعش في قاعدة إنجيرليك في أضنة جنوب تركيا، ما حدا بألمانيا إلى نقل طائراتها وجنودها إلى قاعدة الأزرق في الأردن. واعتبرت برلين الإفراج عن الناشط الحقوقي الألماني بيتر شتيودتنر مع 7 ناشطين آخرين، الأسبوع الماضي، بعد أن ألقي القبض عليهم، في يوليو/تموز الماضي خلال اجتماع بجزيرة مقابل إسطنبول، بتهم الانضمام إلى منظمات إرهابية ودعم الإرهاب، بشرط عدم مغادرة البلاد، خطوة إيجابية على طريق إصلاح العلاقات بين البلدين.
وطالب المتحدث باسم وزارة الخارجية الألمانية راينر بريول، بالسماح للناشط الألماني بمغادرة تركيا. وأشار بريول إلى أن 9 مواطنين ألمان آخرين ما زالوا رهن الاعتقال في تركيا "لأسباب سياسية" بينهم الصحافيان دينيز يوجال وميسال تولو. وكانت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل صعدت من ضغوطها على أنقرة، خلال فترة الانتخابات الألمانية، واقترحت إدراج مسألة مفاوضات انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي على جدول أعمال مجلس أوروبا في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، لمناقشة تجميد أو إنهاء مفاوضات انضمام تركيا للاتحاد.
واقترح وزير الخارجية الألماني زيغمار غابرييل، إقامة تعاون استراتيجي مع تركيا كتلك التي ستعقد بين الاتحاد الأوروبي وبريطانيا، عقب إتمام حكومة لندن خروجها من الاتحاد بشكل نهائي، وذلك بدلا عن عضوية الاتحاد. وأعلنت برلين في سبتمبر/أيلول الماضي تعليق كل صادرات السلاح الرئيسية إلى تركيا بسبب "موقف حقوق الإنسان المتدهور"، فيما أبدت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل معارضتها للحظر الكامل لتصدير السلاح لتركيا، العضو في حلف الأطلسي (ناتو)، بسبب الحرب على الإرهاب، ومن جانبها رأت أنقرة أن هذه الخطوة من جانب برلين ستحد من قدرات تركيا في مجال مكافحة الإرهاب.
وأصدرت الحكومة الألمانية منذ مطلع العام الجاري، تصاريح بتصدير أسلحة إلى تركيا بقيمة زادت على 25 مليون يورو، رغم الأزمة السياسية بين البلدين. وتراجعت في الوقت نفسه قيمة صادرات الأسلحة الألمانية لتركيا، مقارنة بالعام الماضي، بحسب رد لوزارة الاقتصاد الألمانية على طلب إحاطة من النائب البرلماني عن حزب "الخضر" أوزجان موتلو (ألماني من أصل تركي)، الذي طالب موتلو بوقف فوري لصادرات الأسلحة الألمانية لتركيا.
وقالت الوزارة إنه تم إصدار 99 تصريحاً بتصدير أسلحة لتركيا منذ بداية العام الجاري حتى نهاية أغسطس (آب) الماضي بقيمة 25.34 مليون يورو. ومن المرجح أن تكون القيمة الفعلية لصادرات الأسلحة الألمانية لتركيا أكبر من ذلك، حيث لم تدل الحكومة ببيانات عن قيمة 3 تصاريح أخرى.
وكانت الحكومة الألمانية أصدرت 158 تصريحاً بتصدير أسلحة لتركيا خلال الفترة من يناير/كانون الثاني، وحتى أغسطس/آب عام 2016، بقيمة 69.32 مليون يورو. وطرحت ميركل قطع المساعدات الاقتصادية عن تركيا، وعدم البدء في مفاوضات تحديث اتفاقية الاتحاد الجمركي مع الاتحاد الأوروبي، إلا أن بروكسل لا تبدو أنها مقتنعة بهذه الخطوات.
في سياق آخر، قررت محكمة تركية توقيف 7 من موظفي وزارة الخارجية في العاصمة أنقرة للاشتباه في صلتهم بحركة الخدمة التابعة للداعية فتح الله غولن. وفي وقت سابق، أصدر مكتب الادعاء العام في أنقرة أمرا باعتقال 30 من موظفي الوزارة، من بينهم 15 تم عرضهم على المحكمة التي قررت مساء أول من أمس استمرار حبس 7 منهم، وأمرت بإطلاق سراح الباقين مع خضوعهم للمراقبة الأمنية. وصدر الأمر باعتقال موظفي الخارجية بتهمة استخدامهم تطبيق "بايلوك" للرسائل المشفرة، الذي تقول الحكومة التركية إنه كان وسيلة التواصل بين المتورطين في محاولة الانقلاب الفاشلة.