"عالمْ الخيلْ" قصيدة رائعة للشيخ محمد بن راشد

ارتبط العرب بالخيل، ومع العُشرة والتجربة في السلم والحرب، وجدوا فيها وفاء نادراً، وذكاء ظاهراً وصبراً جميلاً، وهي كلها سمات تتوافق مع سجاياهم من وفاء وكرم وصبر ومثابرة. فاقتربوا من الخيل أكثر، حتى أصبح للحصان العربي شهرة واسعة في أنحاء الأرض، وصار رمزاً للفروسية والجمال والوفاء والشجاعة والشهامة، فالحصان العربي يقف مع صاحبه في أعتى المواقف وأعنف المعارك، ويفديه بنفسه حتى ينقذه. أيضاً الفارس العربي يبادل حصانه الوفي بمثل تلك الخصال النبيلة، فهو يكرمه ويراعيه ويعتني به ويتفقده ليل نهار. فنشأت بينهما صداقة وارتباط وفهم، لذلك عشق العرب الخيل.. وأكثروا فيها الوصف ومجَّدوها، وأحبوها، واعتبرها عزاً وعزوة، وفخراً وقوة، وكنزاً وثروة، قالوا فيها روائع الأشعار في القديم والحديث، وبالشعبي والفصيح، وهي أشعار نابعة من صميم الوجدان، والوجدان العربي لا يمنح مشاعره إلا لمن يستحقها، فالعربي شامخ الشعور، أصيل الحس، فشعرهم فيه مزيج من الفخار والإعجاب قد يصل لحد الغزل.
وفي هذه الحوارية الجميلة، نتعجب هنا مع الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، وهو يرسم لنا صورة بارعة للخيل الأصيلة، هذه الخيل التي رافقته دائماً في قصائده التي هي أشبه ما تكون بالخيل، بل هي الخيل ذاتها، كيف لا، وهو العارف بطبائع هذه الأصايل المعتقة بالخير والفرادة والمجد، يستهل بسؤال يدعونا معه لمشاركته الإعجاب والتعجب خلال هذه التي تعرفه وتطمئن له بل وتعرف اسمه، فهو بذلك يضمن قصيدته في مستهلها بأنه الفارس الذي لا تنكره الخيل، ليسير في لوحة إبداعية مدهشة وهو يتوحد مع أجود صفات الخيل التي إنْ غاب عنها اشتاقت إليه وذكرته وحنت إلى أيامه، فهي تحييه، ويملأ البشر صفحتها وهي تراه مقبلاً من بعد. إنها العلاقة الحميمة بينه وبينها، لدرجة أنه يشبهها في عدوها بالذئب، وهو تشبيه بليغ لا يحتاج شرحاً لجمالياته وإدهاشه، فهي الخيل التي (تنصب في السير صب الما بتعييني)، وهي الشلال المنحدر بسرعة هائلة (شلال من راس ضلع ايصب عجلاني)، بل إنها تشبه (هدة) الشياهين على الصيد، ولعمري إن في ذلك تشبيهاً وتمثيلاً ما بعده تشبيه أو تمثيل، فهي التي خلقها الله (مشدودة الجلد محسوبة بتمكيني)... هذه بعض صفات تدل على قربه منها، كيف لا، وهو الفارس الذي أخذت طبائعها منه، والدليل وصفه الدقيق جداً لها، فيا لها من رائعة من روائع الفارس المحب الإنسان البليغ صاحب الفراسة، فهنيئاً لمن حظي بوصفه البليغ الدقيق الذي تعجز عنه الأقلام والأذهان في سرعة البديهة والتمثيل الحاضر الذي ينم عنه كل هذا الإبداع والألق والجمال.

عالم الخيل

مِـــنْ عَــلَّـمْ الخيلْ أنْ بإسـمي تـنـاديـني **** وأنِّــــي إذا جــيــتْ مِ الــبِـعـدْ إتِّـلَـقَّـاني

تــفـرَحْ بـقـربـي وتـمـازحـني وتـحَـيِّيني **** وَإنْ غــبـتْ عـنـهـا عــلـىَ نــارْ إتِّـرَيَّـاني

تَــــدْركْ وجـــودي وتَـعْـرفـني وتَـغـلـيني **** وتـبِـشْ لــي وبَــسْ قـاصـرْها إتِّـحـفَّاني
وتـحـسْ بــي وبـشعورْ تـشَمَّمْ إيـديني **** يـاكنَّها فـي الـمشاعرْ نـفسْ الأنساني

إنْ جـيـتـها بــعـدْ غـيـبِـهْ لـــي تـحَـيِّيني **** ويــضـجْ الإسـطـبـلْ بـالـتَّرحيبْ حـيَّـاني

يـاكـنَّـها تــقـولْ لــي يــا مـنـوَةْ الـعـيني **** طـوَّلـتْ غـيـبتكْ والـلِّـي يـحـبْ ولـهاني

ولـلـخـيلْ أنــسـابْ وأوطـــانْ وبـلاديـني **** وفـي الـخيلْ أسـرارْ محفوظهْ بكتماني

إمـضـمَّرْ الـظـبي فـيـها وصـفَهْ إمـحيني **** وعـدوَةْ الـذيبْ في غفلَهْ علىَ الضاني

مـشـدودَةْ الـجـلدْ مـحـسوبَهْ بـتمكيني **** صـلـيبةْ الـقينْ لـي فـي الـشَّدْ مـالاني

سـلسةْ عـنانٍ وحِـيَّةْ سيرْ في حيني **** عقبْ التَّعَبْ ترجعْ أنشَطْ م الذي كاني

تـنصبْ فـي الـسِّيرْ صَـبْ الـما بتعييني **** شـلاَّلْ مِـنْ راسْ ضـلعْ إيـصبْ عجلاني

يـاكِّـنـكْ تــشـوفْ هـــدَّاتْ الـشِّـواهيني **** هـدَّنْ عـلىَ الـصِّيدْ لـكنْ دونْ جـنحاني

فـيها مِـنْ الـزِّينْ زيـنْ أزيَـنْ مِـنْ الـزِّيني **** جـمـالـهـا فـــي عـيـونـي مـالـهـا ثــانـي