دمشق صوت الامارات
شكلت ظروف الأزمة تحديا كبيرا أمام العمل التطوعي في سورية لجهة محدودة الإمكانيات وتغير نمط الاحتياجات وتضاعفها فتعاملت معه الجمعيات والمبادرات عبر تغيير مجالات عملها أو الانطلاق بمشاريع تلائم طبيعة الحاجات الجديدة التي أفرزتها الحرب.
ومن هذا الواقع انطلق فريق “إيد بإيد سورية أقوى” التطوعي عام 2012 في طرطوس معتمدا فيما يقدمه لجرحى الجيش على التبرعات الأهلية والطلابية خصوصا ليتوج مبادراته بتصنيع ما يسمى طبيا بـ “طاولات الوقوف” لمصابي الشلل بالاعتماد على كفاءات محلية وامكانيات بسيطة وفقا لما تبينه مؤسسة الفريق حمامة محمد لنشرة سانا الصحية والتي تحول منزلها منذ العام الماضي الى ما يشبه ورشة صغيرة لصناعة هذه الطاولات.
تقول حمامة إن العلاج الفيزيائي يكاد يكون الحاجة الأولى لجرحى الجيش لا سيما مصابي الشلل الرباعي وفي ظل “نقص” أعداد المختصين في هذا المجال وصعوبة وصولهم الى جميع محتاجي الخدمة كان لا بد من جهد أهلي مواكب على هذا الصعيد حيث التحق العديد من اعضاء الفريق عام 2014 بدورات للعلاج الفيزيائي في مركز “أنا وطفلي” ببانياس ليتمكنوا بأنفسهم من الوصول إلى الجرحى في بيوتهم وتقديم هذه الخدمة التي تعد شرطا أساسيا لتحسين الصحة الجسدية وبالتالي النفسية للجريح ومساعدته قدر الامكان على العودة لحياته الطبيعية.
وبعد متابعة مستمرة لحالات الجرحى ومعايشة معاناتهم يوميا أدرك أعضاء الفريق مدى الحاجة إلى طاولات الوقوف فنجحوا بتصنيع واحدة استنادا إلى تصميم طاولة الوقوف الوحيدة الموجودة في مشفى الباسل بطرطوس إلى جانب الاطلاع على افضل المواصفات العالمية بهذا الشأن واستطاعوا تسليم أول طاولة في بداية عام 2015 ليبدأ الجرحى وذووهم بعد ذلك بالتواصل مع الفريق عبر شبكات التواصل الاجتماعي لطلب الطاولات وليبلغ عدد المستفيدين حتى اليوم 22 مصابا بالشلل الرباعي في عدة مناطق.
وتبدو طاولة الوقوف أشبه بسرير مزود برافعة يدوية لوضع السرير في وضعية الوقوف بعد تثبيت الجريح فوقه بأربطة مريحة حيث تتلخص فوائدها وفقا لمختصين في المعالجة الفيزيائية ومتعاونين مع الفريق في التقليل من اختلاطات الاصابة وهبوط الضغط الانتصابي والترقق العظمي والامساك وحالة المثانة العصبية الى جانب تحسين التنفس واعطاء المفاصل الاشارات للدماغ عند الوقوف لتثبيت الكلس في العظم وتفريغ السوائل من الجسم بفعل الجاذبية.
وتوضح حمامة أن العمل تطلب خبرات في مجال الحدادة والتنجيد اضافة إلى تأمين الاسفنج والجلد والاكسسوارات من طرطوس ودمشق وحتى الاستفادة من قطع اجهزة لم تعد تعمل موضحة ان الفريق يطمح حاليا الى توفير ميزة رفع الطاولة عن طريق الكهرباء بدلا من الرافعة اليدوية التي يصعب على ذوي الجرحى تحريكها في بعض الأحيان.
وتشير إلى أن ميزة الرفع الكهربائي تحتاج تكاليف عالية تضاف إلى الأعباء المادية المترتبة على اعضاء الفريق وخصوصا جراء تصنيع طاولات الوقوف التي وصلت تكلفة الواحدة منها الى 50 الف ليرة بعد تخفيض أسعار بعض المواد من قبل البائعين رغبة منهم بالإسهام في هذه الخدمة.
وعلى مدى أربع سنوات ركز الفريق في خدماته على توفير الكراسي الطبية والعكازات وتأمين التنقلات الضرورية للجرحى بين عيادات الأطباء ومراكز الاستشارات العصبية وصولا الى تقديم العون عن طريق اطباء متعاونين مع الفريق في اجراء العمليات الجراحية الباردة للجرحى الذين ينهون علاجهم في المشفى العسكري دون ان يتماثلوا تماما للشفاء.
وتؤكد حمامة أن إنجاز أكبر عدد من طاولات الوقوف مشروع وطني بامتياز يحتاج لتجميع جهود القادرين على الدعم للوفاء بأهم حاجات هؤلاء الشباب الذين بذلوا أغلى ما لديهم وفقدوا القدرة على الحياة الطبيعية ليعيش أهلهم بأمان وكرامة.
وازداد عدد الطلبات على طاولات الوقوف ليتجاوز المئة الأمر الذي يرجعه الجريح ريان غانم إلى الأثر الإيجابي الكبير الذي لمسه بعد نحو عام من استخدام الطاولة حيث أدى ذلك الى تخلصه من كسل الأمعاء الذي رافقه منذ إصابته بالشلل فضلا عن تحسن الدورة الدموية بشكل كبير وصولا إلى تحسن حالته النفسية من خلال نظرته الى الحياة من أعلى بدلا من الرقود الدائم الذي يخلق احساسا دائما بالعجز.