أكياس الدم

تواجه منظومة توفير أكياس الدم، على الرغم من أنها أحد أهم جوانب المنظومة الصحية، الكثير من العشوائية التى أدت مع مرور الوقت الى التخبط وتبادل الاتهامات بالتربح والاستغلال، مع عدم توفير الفصائل النادرة التى يحتاجها المرضي.

وعلى الرغم من انتشار سيارات بنوك الدم فى الأماكن العامة وإقبال المواطنين على التبرع، فإن شكوى المستشفيات من نقص اكياس الدم لا تتوقف، وهناك الكثير من المرضى على قوائم الانتظار لحين توافر فصائلهم تعددت الآراء وتباينت حول حجم المشكلة وأسبابها، وفقًا لما ورد بجريدة "الأهرام" المصرية.

وتقول الدكتورة لميس رجب عميد قصر العينى الأسبق "إنه لا توجد أزمة فى توافر الدم وإنما فى الفصائل النادرة، حيث تتوافر كل الفصائل العادية بالمستشفيات ولا يتم منعها عن أحد فى حالة الحاجة إليها، رغم ما تعانيه المستشفيات والأقسام التى تحتاج إلى توافر الدم بشكل دائم مثل أقسام الغسيل الكلوى والطوارئ والعمليات من عدم تعاون بعض المواطنين تجاه تبرعهم بالدم، والمستشفيات لا يمكنها الامتناع عن تقديم الدم للمرضى فى حالة توافره، لأن ذلك يعرض حياة المرضى للخطر وهذه مسئولية المستشفى فى المقام الاول، ولذلك تضطر المستشفيات احيانا لمطالبتهم بتبرع ذويهم وأقاربهم بالدم فى حالة الاحتياج اليه حتى يتم توفيره لعدد اكبر من المرضى الذين يحتاجون لفصائل مختلفة من الدم لاحقا"، وأكدت أنه يجب على المواطنين عدم السكوت حين الامتناع عن تقديم الدم للمرضى والتقدم فورا بشكوى لوزارة الصحة لاتخاذ ما يلزم من اجراءات تجاه ادارة تلك المستشفي.

تجارة

وأكد محمد صبرى طبيب أمراض الدم أن مشكلة توافر الدم فى مصر تكمن فى المقام الأول فى الإتجار فى العملية بكاملها، بداية من تبرع المواطن بالدم لجهات تقوم ببيعه لبنوك الدم أو المستشفيات بمقابل مادى لتبيعه بدورها للمرضى بتكاليف أعلي، مشيرا إلى ان الأمر يحتاج لتدخل حكومى للرقابة على تلك الخطوات لضمان عدم التربح، وأيضا وصول الدم بشكل طبيعى وآمن الى المرضي.

وأكد أن الحل سهل وبسيط ويكمن فى وضع السياسات اللازمة لتنظيم عملية التبرع وضمان وصوله للمريض دون تربح أو استغلال، فالمجتمع يحتاج الى التوعية اللازمة لاستيعاب اهمية توافر اكياس الدم بالمستشفيات والتى لا غنى عنها اطلاقا حفاظا على ارواح الكثير من المرضى الذين يحتاجون للدم بكل فصائله بشكل دائم، مثل حالات الولادة والجراحات العامة والطوارئ والفشل الكلوي.

وتساءل الدكتور محمد عن صفة تلك الجهات التى تحصل على الدم من المواطنين وهل تعمل تحت اشراف حكومي؟ وهل هناك رقابة على عمل تلك الجهات من حيث توافر المعايير الطبية اللازمة والتى تحمى المتبرعين من تعرضهم للعدوى أو التلوث، كما طالب وزارة الصحة والمستشفيات بوضع سياسات وآليات عمل تقدم التوعية اللازمة للمواطنين حول أهمية تبرعهم بالدم وكذلك وضع نظام شفاف وواضح للمستشفيات من اجل عدم استغلال المرضي، بسبب احتياجهم للدم حيث نجد بعض المستشفيات تطالب المريض بتبرع ذويه واقاربه بكيسين من الدم مقابل كل كيس واحد يتم منحه للمريض.

ليست أزمة

وكان الدكتور محمود يونس اخصائى الجراحات العامة يعمل ببنك الدم سابقا، يقول انه يوجد نقص فى أكياس الدم ولكن الأمر لم يصل إلى حد الأزمة، و يتم توجيه الأكياس المتوافرة إلى حالات الحوادث والطوارئ، وهناك عمليات يتم تأجيلها لحين توافر أكياس الدم التى تحتاجها مما يدل على أن هناك نقصا فى توافرها لكن لم نصل لمرحلة وفاة مريض نتيجة لهذا النقص.

ونفى الفكرة السائدة لدى المجتمع بالتربح من وراء عمليات توفير الدم للمرضى، موضحا ان الامر ليس تربحا ولكن تضطر المستشفيات لوضع خطط مستقبلية تضمن لهم توافر فصائل مختلفة من الدم بكميات مناسبة، وتطالب المرضى بتوفير اكياس دم بديلة لما يحتاجونه من خلال ذويهم لان منظومة التبرع بالدم بشكل عام بها بعض الخلل ولا تتم بشكل منظم، وفى حالة عدم توفير الدم من خلال تلك الطرق فلن تجد المستشفيات اى مخرون لفصائل الدم المختلفة ومن ثم ستواجه حينها أزمة حقيقية وستصبح حياة الكثيرين من المرضى عرضة للخطر.

كما أكد ان المستشفيات تقدم بعض الخدمات للمتبرعين بالدم مثل الكشف عن نوعية الفصيلة بشكل دقيق واجراء بعض الفحوصات المهمة لها كما ان أكياس الدم التى يتم التبرع بها لا يتم استخدامها الا بعد فحصها وتنقيتها لضمان استخدامها للمريض بشكل آمن.

قوائم انتظار

وبالاقتراب من أوضاع المرضى في المستشفيات نجد أنه لا يزال هناك من يعانى عدم توافر أكياس الدم له، فيقول سيد عبد الكريم - مريض فشل كلوى – "إنه يواجه ازمة اسبوعيا من عدم وجود فصيلة B، رغم ان المستشفى يستقبل كل أسبوع طلبيات ولكن لا يتم توفير كل الفصائل، فيضطر للانتظار حتى تتوافر فصيلة دمه ويترتب على ذلك تأخير موعد نقل الدم، حيث يتم عمل جلسات غسل كلوى له 3 مرات أسبوعيا ويفقد كميات دم فى أثناء الجلسة، وأيضا يصاب نتيجة فقدان هذا الدم بالأنيميا وانخفاض الهيموجلوبين ويتم تعويض ذلك بأكياس الدم وامبولات الحديد.

وتقول أم محمد التى يعالج ابنها داخل مستشفى أطفال مصر "إنه مصاب بمرض الهيموفيليا وهو مرض وراثى ناتج عن نقص أحد عوامل التجلط فى الدم مما يجعله ينزف لمدة اطول، وإذا أصيب ابنها فى أثناء لعبه أو نومه بنزيف فانها تسرع الى المستشفى لعمل نقل دم لتعويض الدم المفقود..ومن خلال وجودى فى المستشفى فترات طويلة لاحظت انه يوجد ازمة فى الدم الأحمر لمرضى انيميا البحر المتوسط والأنيميا المنجلية ويلجأ المستشفى لمطالبة أهل المريض بتوفير الدم عن طريق تبرع احد أقاربه أو من أى مصادر أخري، ويبدأ المريض وأسرته رحلة المعاناة بالبحث عن متبرع من ذويه أو أصدقائه للحصول على الدم الذى أصبح عملة نادرة، كما أنها تلجأ أحيانا إلى شراء أكياس الدم بنفسها وتحفظها فى الثلاجة لضمان توافره تحسبا لتعرض ابنها للنزيف، وتشير الى أن بعض المستشفيات تقوم برفع قيمة الكيس فى فترات النقص أو الأزمات فتقوم ببيعه بأسعار باهظة لا يمكننا تحملها".

التبرع بالدم مفيد

وأكدت الدكتورة سمية عبد المنعم مدير عام إدارة بنوك الدم بوزارة الصحة أن التبرع بالدم مفيد جدا للمتبرع لأن كرات الدم بطبيعتها تتكسر وتتبدل كل ثلاثة أشهر، لذلك فالتبرع يشجع الجسم على تكوين خلايا دم حمراء جديدة واستعادة الدم لمستوياته المثلي، والمشكلة تكمن فى انخفاض الوعى العام بأهمية التطوع والتبرع بالدم وعدم الثقة فى سيارات وحملات التبرع بالشوارع.

الفصائل النادرة

وقال الدكتور محمود فؤاد المدير التنفيذى للمركز المصرى للحق فى الدواء "إن هناك بالفعل أزمة فى نقص أكياس الدم خاصة فى الفصائل النادرة مثل A- أو B- وهؤلاء يمثلون حوالى 20% من المواطنين ولنا أن نتخيل حجم المأساة التى تحدث لهم عند احتياجهم للدم، كما يوجد لدينا العديد من الفئات التى تعيش على أكياس الدم كمرضى أنيميا البحر المتوسط والأنيميا المنجلية ومرضى سيولة الدم والفشل الكلوي، فهؤلاء يحتاجون للدم بشكل يومى والا يفقد المريض حياته، وأهم الأسباب الرئيسية لنقص الأكياس هو عدم وجود متطوعين حيث إنه لدينا عجز يتراوح بين 150 ألفا و 250 ألف كيس، وهذا رقم كبير جدا لدولة كبيرة مثل مصر ويرجع اهم أسبابه لنتيجة نقص التوعية اللازمة للمواطنين بأهمية التبرع بالدم لانقاذ حياة آلاف المرضي، وكثيرا ما لا تتوافر أكياس الدم لمن يبحث عنها وأحيانا تحدث حالات وفاة بسبب ذلك النقص".

وأشار إلى أن مصر بها حوالى 15 بنكا عاما للدم وفى 2015 كان كيس الدم بـ110 جنيهات والآن يتراوح ثمنه بين 580 و650 جنيها رغم أنه غير موجود، وللأسف لا يوجد مصدر للدم إلا عن طريق التبرع من المواطنين ما يحتاج الى الفلترة والفحص فى المعامل وهذا بالطبع يتكلف الكثير وتصل التكلفة الى 800 جنيه للكيس الواحد.

ويقول "إن أهم الحلول زيادة التوعية للتبرع بالدم، وميكنة منظومة التبرع بهدف القضاء على الفساد وتدخل العنصر البشرى فيها للوقوف على أسباب المشكلة ووضع الحلول العلمية لها بدلا من اتخاذ قرارات تأتى بنتائج عكسية ضد مصلحة المرضي، فللاسف زيادة اسعار اكياس الدم عادت بالسلب على المريض فاصبح مطالبا بدفع مزيد من التكاليف، فعندما يذهب لاجراء عملية يجد مطالبًا باحضار 10 متبرعين بالدم وهذا لا يحدث سوى فى مصر، وما يزيد المشكلة أن المطلوب نحو 3 ملايين كيس بينما يتوافر حوالى 800 ألف كيس سنويا، والأخطر أنه ليس لدينا مخزون لتغطية الاحتياجات ، والموجود بالبنوك لا يكفى لسد العجز، لذلك قامت منظمة الصحة العالمية فى 2015 بتصنيف مصر من الدول غير الآمنة فى أنظمة حفظ الدم ضمن 120 دولة.

وأثبتت الاحصاءات انه يوجد شخص كل 3 ثوان فى حاجة للدم، وهو ما يثبت ان المشكلة دائمة ومتكررة بشكل يومي، لذلك اتمنى ان يقبل المواطنون على التبرع وأن نثق فى عربات التبرع بالدم فى الشوارع فهناك من يخشى انتقال الأمراض وهناك من يشك ان الدم المتبرع به يباع وهناك من يعتقد ان التبرع بالدم يؤثر سلبيا على الصحة العامة للجسم وكل تلك الاعتقادات خاطئة تماما وليس لها اى اساس من الصحة، بل على العكس فإن التبرع بالدم قد يكشف للمواطن بعض الامراض التى كانت تخفى عنه، لذلك فان انشاء منظومة متكاملة تنظم عملية التبرع يعد أهم الخطوات المطلوبة كما يجب العمل على تنظيم عملية حفظ الدم لفترات طويلة والحفاظ على عناصره وعدم تعرضه للتلوث أو الفيروسات لأن ذلك يسهم بشكل كبير فى حل المشكلة، وهناك بعض المرضى يلجأون للمستشفيات الخاصة للحصول على كيس الدم بسعر 1650 جنيها أما التكلفة التى تقررها الحكومة فهى 580 جنيها.

أما مقترحات التبرع بالاموال للمستشفيات الحكومية أو الجامعية لاستبدالها باكياس دم من المتبرعين بمقابل مادى فان ذلك المقترح يمكن تنفيذه عن طريق وضع قانون وضوابط تنظم العملية بأكملها حتى لا تظهر للمجمتع على شكل تجارة او ما شابه ذلك، كما يجب بحث ودراسة الامر بعناية ولا مانع من تنفيذ تلك المقترحات إن كان من الممكن أن تسهم فى حل المشكلة ولو بشكل جزئى فى إطار قانونى ورسمى منظم.