دبى ـ صوت الامارات
«وصلنا إلى عام 2040 ..المزارع تعج بالروبوتات، ولدينا مزارع رأسية من الخضراوات والفاكهة والنباتات الورقية، والماشية محمية بسياج افتراضي، ليس هذا فحسب، بل تغيرت الوجبات الغذائية فشهدت انخفاضاً في استهلاك اللحوم، في حين أن تقنيات الإنتاج بالتكنولوجيا الحيوية الجديدة لن تقتصر على الحفاظ على المحاصيل، بل أيضاً جعلها أكثر فائدة من الناحية الغذائية».. صورة افتراضية تنبأت بها صحيفة الغارديان البريطانية، لما أصدره الاتحاد الوطني للمزارعين ببريطانيا من تقرير استشرافي أخيراً، والذي حاول رسم الشكل الذي سيبدو عليه حال الزراعة والتغذية خلال 20 عاماً من الآن.
«البيان» بدورها رصدت العديد من الجهود الوطنية للمؤسسات التي ترفد صناعة الابتكار بالبحث العلمي لمواكبة السباق التقني الذي ترسم مساره دول العالم أجمع، والتي أصبحت مسألة «استدامة الغذاء» ضرورة حتمية في أجندتها.
وإلى جانب الجهود ثمة استراتيجيات تعد منهجاً قويماً لتحقيق الإنجازات الوطنية، والتي تضع رؤية الدولة الرامية لمواكبة التطور في شتى المجالات نصب عينها، والوقوف على الحلول الجديدة والدراسات المتطورة التي تستشرف مستقبل الزراعة بالدولة، والتي من شأنها حث المساعي والدعوة لتشجيع البحوث العلمية الزراعية في الجامعات وجعلها ركيزة داعمة لصوغ استراتيجيات مستدامة تدعم الخطط الوطنية، وتتجه بوصلتها نحو التوجه الحكومي الرامي إلى استخدام الذكاء الاصطناعي؛ خدمة لأهداف الدولة المستقبلية، وعلى النظرة الحكيمة للقيادة الرشيدة في دعم مسيرة المعرفة المتقدمة، نحو سعي الإمارات لتصبح الأفضل عالمياً مع حلول ذكرى خمسين عاماً على تأسيس اتحادها 2021.
وقالت معالي مريم المهيري، وزيرة دولة المسؤولة عن ملف الأمن الغذائي، لـ «البيان»، إنه لتحقيق المستهدفات الطموحة التي تسعى دولة الإمارات إلى توطيد جذورها، والتي تندرج ضمن رؤية 2051 للأمن الغذائي، وأجندة عمل 2021، جرى اعتماد 38 مبادرة رئيسية قصيرة وطويلة المدى، حيث يندرج منها مبادرات تهدف لتعزيز قدرات البحث والتطوير في مجال الغذاء، وتطوير برنامج يعنى باستزراع الأحياء المائية، وتسهيل إجراءات ممارسة الأعمال ضمن قطاع الإنتاج الزراعي، وتكريس التقنيات الذكية في إنتاج الغذاء، بالإضافة إلى تسهيل إجراءات التعاقد الزراعي، وإنشاء بنية تحتية متطورة وخدمات لوجستية رائدة لواردات الأغذية.
وأكدت المهيري أن هناك مبادرات تعنى بتطوير وتنفيذ بروتوكولات التأهب اللازمة على مستوى الدولة، لخفض نفايات الطعام ضمن سلاسل التوريد، ووضع الأطر التنظيمية للحد من فقدان الأغذية والنفايات، وإيجاد برامج تدريبية تعنى بالسلامة الغذائية الوطنية، وبرامج توعوية للحد من تناول الأغذية غير الصحية، بالإضافة إلى تشجيع الزراعة المنزلية والاستهلاك المحلي.
وأشارت المهيري إلى برنامج «تسريع تبني التكنولوجيا الزراعية الحديثة»، المعني بـ10 مبادرات استراتيجية مبتكرة طورتها فرق «المسرعات الحكومية لتبني التكنولوجيا الزراعية الحديثة»، وأشرف عليها مكتب الأمن الغذائي، بهدف إيجاد حلول فاعلة لرفع كفاءة وتنافسية الإنتاج الوطني من الأغذية، وتوفير قنوات الدعم للمعنيين في هذا القطاع واستقطاب الاستثمارات اللازمة لإنشاء مشاريع زراعية مستدامة تحقق الأمن الغذائي لدولة الإمارات وتدعم النمو الاقتصادي بفاعلية.
وتضمنت المبادرات إطلاق العلامة الوطنية للزراعة المستدامة الأولى من نوعها المتوافقة مع أطر تقييم الزراعة المستدامة لمنظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة، وتطوير حزمة تشريعات تنمية قطاع الاستزراع السمكي بالدولة، ومنها أطلس استزراع الأحياء المائية، وتطوير مشروع إنشاء مصنع علف الأسماك بقدرة إنتاجية تصل إلى 30 ألف طن سنوياً، بهدف رفع تنافسية المنتج المحلي من خلال تقليل تكلفة إنتاج الأسماك ضمن نظم الاستزراع السمكي بنسبة تصل إلى 10%.
نتائج
ويجمع العالم على أن الأبحاث الزراعية خطوة الألف ميل نحو الأمن الغذائي منه ينطلق كل شيء، وإليه تؤول النتائج وعليه تبنى المشاريع والتقنيات، فالبحث العلمي اللبنة الأولى لديمومة الأمن الغذائي، والجذوة الأولى التي تلهب الأفكار المبدعة والتقنيات الحيوية التي تسهم بدورها في دعم تكنولوجيا الغذاء.
وقال مبارك علي المنصوري، المدير التنفيذي للشؤون الزراعية والتطوير في هيئة أبوظبي للزراعة والسلامة الغذائية، إن إدارة الأبحاث والتطوير في الهيئة تعتبر الذراع العلمية المختصة بإجراء الدراسات والتجارب التطبيقية وتقديم الحلول العلمية المناسبة للتحديات التي تواجه قطاع الزراعة في الإمارة، كما تعمل على نقل التقنيات الحديثة في المجالات الزراعية والثروة الحيوانية والسلامة الغذائية وتطويعها بما يتناسب مع الظروف البيئية للإمارة بهدف الارتقاء بالإنتاجية كماً ونوعاً وخفض تكاليف الإنتاج وضمان سلامة الغذاء، وتعتمد الدول المتقدمة على البحث العلمي لارتباطه الوثيق بالتنمية، وذلك من خلال توظيف نتائج البحث العلمي لتطوير التقنيات الزراعية ورفع القدرة الإنتاجية لوحدة المساحة، مما يسهم في تعزيز الأمن الغذائي للدولة.
ولفت المنصوري إلى أن الهيئة تعتمد منهجية بحثية علمية ترتكز على المعايير العالمية المعتمدة والتي تبنى على أسس علمية بدءاً من تحديد الأولويات الخاصة بالمشاريع البحثية، مروراً بتصميم التجارب والإشراف على تنفيذها وجمع القراءات وتحليل النتائج وانتهاء باستخلاص التوصيات وتعميمها على الجهات المعنية، كما تعمل إدارة الأبحاث على تدريب وتطوير الكوادر المواطنة وطلبة الجامعات وبناء قدراتهم العلمية والعملية، وذلك من خلال عقد أيام حقلية وورشات تدريبية عملية والعمل على تنفيذ المشاهدات.
فترات الأمان
المنصوري عرج على موضوع دراسة فترات أمان المتبقيات من المبيدات في المحاصيل الزراعية، ليؤكد أن هيئة أبوظبي للزراعة والسلامة الغذائية، تقوم بدراسة مستويات متبقيات بعض المبيدات في محاصيل التمور والخيار والطماطم والخس والكوسا تحت الظروف الحقلية والبيوت المحمية في إمارة أبوظبي، كما تم متابعة مدى انخفاض متبقيات تلك المبيدات وفترات الأمان المسموح بها قبل الحصاد، حيث تم مراعاة اختيار المبيدات الأكثر استخداماً من قبل المزارعين وتطبيق إجراءات رش المبيدات وفقاً للممارسات الزراعية الجيدة، وذلك لضمان دقة الدراسة وصحة مقارنتها بمعايير الدولية أو ومنها الدستور الغذائي.
وأضاف المنصوري أن الهيئة تولي أهمية خاصة لبحث استراتيجيات القضاء على سوسة النخيل الحمراء، التي تعتبر واحدة من أكثر الآفات تدميراً وتهديداً لأشجار النخيل في جميع أنحاء العالم وتتمثل إدارة هذه الآفة في تبني استراتيجية المكافحة المتكاملة للآفات، كما أنها تعتمد بشكل رئيسي على استخدام المصائد الفرمونية التجميعية للمراقبة والصيد الجماعي لسوسة النخيل الحمراء، وقد تمت هذه الدراسة لمقارنة نوعين من المصائد الفرمونية مع المصيدة التقليدية من حيث الكفاءة في الصيد الجماعي لإناث وذكور سوسة النخيل الحمراء، وذلك بهدف إيجاد بدائل أكثر كفاءة في الحد من انتشار سوسة النخيل الحمراء.
وذكر المنصوري أن توصيات الدراسة تدعو لإدخال بعض التعديلات لزيادة كفاءة جذب الحشرة وتقليل تكاليف الصيانة الدورية، وذلك لتتلاءم مع ظروف دولة الإمارات العربية المتحدة.
وعكفت هيئة أبوظبي للزراعة والسلامة الغذائية بحسب المنصوري على إدخال واعتماد أصناف جديدة عالية الإنتاجية بعد التأكد من نجاحها تحت الظروف البيئية المحلية، وتم إنتاج ما يقارب 27 صنفاً من أصناف الحمضيات وذلك بعد تقييمها واعتمادها، أما فيما يخص عمليات التطعيم فهي تتم باستخدام أحدث الوسائل والتقنيات لتطعيم الأشتال بطعوم ذات جودة وإنتاجية عالية على أصول متحملة لظروف دولة الإمارات، كتطعيم المانجو البذرية على 11 صنفاً مختلفاً، كما يتم تطعيم السدر المحلي على صنفين مختلفين.
الدماس مبيد طبيعي
يسبب نمو الأعشاب الضارة حول أشجار النخيل خسائر اقتصادية هائلة، لذا قام فريق من الباحثين بهيئة أبوظبي للزراعة والسلامة الغذائية، بعمل دراسة تهدف إلى استخدام مخلفات شجرة الدماس في مقاومة نمو وانتشار الأعشاب الضارة وتقليل الأضرار الناجمة عن استخدام المبيدات الصناعية، حيث تم دراسة تأثير مسحوق الأوراق والثمار والجذور لشجرة الدماس على الأعشاب الضارة، حيث أظهرت النتائج الأولية للدراسة أن مسحوق الدماس له تأثيرات واضحة على نمو الأعشاب الضارة من حيث زيادة نسبة جفافها واصفرارها وتقزم أوراقها وضعف نموها الكلي، ويقوم فريق البحث حالياً بإجراء تجربة في الحقول المكشوفة لاستكمال الدراسة على أنواع أخرى من الأعشاب.
كما عملت الهيئة على استنباط الأجيال الأول والثاني والثالث والرابع من السلالة الإماراتية لملكة النحل الإماراتية، وقامت بتوزيع ملكات النحل للسلالة الإماراتية على المربين المحليين، بالإضافة إلى إدخال تقنية التلقيح الاصطناعي لملكات النحل في الدولة، حيث تم إنتاج 1300 إلى 1400 ملكة نحل إماراتية وتم تسويق 500 منها على المزارعين.
ويشكل الاعتماد على العلف المركز عبئاً اقتصادياً على مشاريع تربية الأغنام والماعز وخاصة في دولة الإمارات، والتي تعاني من ضعف الموارد المائية الصالحة للري، مما انعكس سلباً على إنتاج الأعلاف محلياً والاعتماد على الأعلاف المستوردة، والتي تمثل عبئاً على ميزانية الحكومة، لذلك كان لا بد من السعي لإيجاد أعلاف بديلة مستساغة، ذات قيمة غذائية عالية، متحملة للملوحة وتصلح للزراعة في الدولة، وذلك للاستفادة القصوى من الموارد المتاحة ولتقليل كلفة المدخلات في هذه العملية الإنتاجية، مما يحفز فرص الاستثمار بها، ويدفع عجلة الإنتاج القومي.
قد يهمك ايضا
إعصار قوي يُلحق الضرر بالبنايات ويتسبب في وفاة سيدة في كوريا الجنوبية
العاصمة التشيكية براغ تشهد الصيف الأكثر حرًّا منذ عشرات السنين