نفايات الأدوية

 

تتلوّث مياه الأنهار حول العالم ببقايا ونفايات الأدوية الموصوفة طبيا والأخرى التي تسوّق في الصيدليات والمتاجر، وهو ما يشكل تهديدا رئيسيا لحياة الإنسان بسبب تدهور جودة مياه الشرب وازدياد سمّيتها، وفقا إلى دراسة علمية جديدة.

وذكرت الدراسة التي أجراها باحثون في معهد ديلفت للتعليم المائي في هولندا وقدمت أمام مؤتمر لاتحاد علم الجيولوجيا الأوروبي في فيينا عاصمة النمسا الأربعاء، أن استمرار هذا التسرب قد يزيد من تركيز المواد الصيدلانية بنحو الثلثين قبل حلول منتصف القرن الحالي.

وقال فرانسيسكو بريغولي الباحث في المعهد الذي أشرف على الدراسة إن "جزءا كبيرا من الأحواض والمنظومات النهرية مهدد بسبب ازدياد تركيز نفايات المواد الصيدلانية"، وطور مع زملائه في فريق دولي طريقة لرصد "المناطق الساخنة للتلوث الدوائي".

كان العلماء عثروا على عدد كبير من الأدوية الملوثة للمياه في الوسط المحيط، من الأدوية المسكنة للألم، المضادات الحيوية، الأدوية المضادة للتخثر، الهرمونات، أدوية الأمراض العقلية، والأدوية المضادة للهستامين. ورصدت مستويات عالية من تركيز بقايا الأدوية في المياه، وهو الأمر الذي يهدد الأحياء والنباتات القريبة. وعلى سبيل المثال فإن بقايا أدوية علاج اختلال الغدد الصماء في المياه أدت إلى تحفيز حدوث تغيرات في جنس السمك والأحياء البرمائية.

ووظف بريغولي "دكلوفيناك" وهو مادة دوائية فعالة تدخل في تركيب العديد من مسكنات الآلام الشائعة، كوسيلة للدراسة، إذ أخذ يقيس تركيزه بهدف وضع تقديرات على وجود وانتشار الأدوية الأخرى في مياه الأنهار. ويعتبر هذا المركب الدوائي عاملا مهددا للبيئة وفق تقارير الوكالات البيئية في الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة.

ووجدت الدراسة أن أكثر من 10 آلاف كيلومتر من مجاري الأنهار حول العالم تحتوي على تركيز من هذا الدواء يزيد على التركيز المسموح به أوروبياً وهو 100 نانوغرام لكل ليتر (النانوغرام هو 1 من المليار من الغرام). وقال الباحثون إن "تسرب دكلوفيناك مماثل لتسرب آلاف الأدوية والمواد الصيدلانية وكذلك المواد الموجهة للعناية الشخصية".

ويصل استهلاك "دكلوفيناك" إلى 2400 طن سنويا في العالم، تطرح منه مئات الأطنان مع فضلات الناس المتناولين لأدويته. ولا تقوم معدات الترشيح والتنقية إلا بإزالة 7 في المائة منه، بينما تمتص المنظومات البيئية الطبيعية نحو 20 في المائة منه، وتتسرب النسبة الكبرى المتبقية نحو المحيطات.

ووضع الباحثون نموذجا رقميا بهدف رسم التوقعات بشأن مستويات التلوث بالمواد الصيدلية اعتماداً على كثافة عدد السكان ومنظومات تنقية مياه الصرف ومبيعات الأدوية، وقارنوا بين النتائج الكومبيوترية وبين البيانات التي استخلصت من قياسات أجريت في 1400 موقع للتلوث بـ"دكلوفيناك" حول العالم.

وقال بريغولي إن المقارنة كانت جيدة رغم محدودية الدراسة بمنظومات الأنهار في أميركا الشمالية وأوروبا. وأضاف أن الوقائع تشير إلى نتائج مماثلة في أفريقيا وآسيا وأميركا اللاتينية التي لا يعالج فيها في المتوسط إلا ربع مياه التصريف ولا تنقى منها أغلب المواد الصيدلانية.

وحذر علماء آخرون في المؤتمر من أن انتشار وتوسع عمليات بناء منشآت تنقية مياه التصريف في المناطق الحضرية، أدى إلى ازدياد تلوث مياه الأنهار، لأن أغلب المواد المتسربة لم تتم معالجتها بشكل مناسب، وقالت مارينا ستوراكال الباحثة في جامعة واغننغن الهولندية إن "مياه التصريف شكلت مصدراً للتلوث في 50 في المائة من الأنهار في العالم عام 2000، وفي عام 2010 أصبحت مياه التصريف مصدراً للتلوث في كل أنهار العالم تقريباً".

ووفقا لأحدث تقرير بيئي صدر نهاية العام الماضي عن منظمة الأمم المتحدة فإن النفايات الصيدلانية مثل بقايا المضادات الحيوية، تشجع على تطور البكتيريا الفائقة المقاومة لها. وتتسرب 70 - 80 في المائة من بقايا هذه المضادات التي يتناولها الإنسان وقطعان الماشية، وهو ما يقابل آلاف الأطنان - إلى الوسط المحيط.​