وراسو ـ لينا عاصي
يعمل الشاب ميشال سزكالا "21 عامًا" في تقطيع الأشجار مما يجعله يبقى في الهواء الطلق طوال اليوم إلا أن قرر أخذ أسبوع عطلة من العمل بعد أن سماع أخبار ارتفاع الضباب الداخني إلى مستويات قياسية في البلاد، ويقول سزكالا بينما يخرج مع صديقه من مسرح في Targowek أحد المناطق الأكثر تضررًا من ارتفاع مستويات التلوث في وارسو " لا أعرف ما يمكن أن يحدث لي في هذا الضباب"، حيث ينتشر الضباب الرمادي مع رائحة الأبخرة في وارسو وعشرات المدن البولندية الأخرى ما أدى إلى مشكلة عالمين مرتبطة ببكين ونيودلهي في قلب أوروبا، واستغرق الأمر في 8 يناير/ كانون الثاني نحو نصف يوم لتخطى الضباب الدخاني جميع السجلات المتعارف عليها خلال 10 سنوات منذ التزام بولندا بتوجيه الاتحاد الأوروبي ووضع نظام لرصد تلوث الهواء.
واستجاب مسؤولوا مدينة وارسو بجعل كل المواصلات العامة مجانا يوم الإثنين الماضي لإبعاد السيارات عن الطرق كما حثوا السكان على البقاء في منازلهم إلا للضرورة، وانخفضت مستويات التلوث في نهاية الأسبوع، وجاءت الزيادة في التلوث بعد وقت قصير من تقرير صادر عن منظمة الصحة العالمية موضحًا أن هناك 33 مدينة من إجمالى 50 مدينة أكثر تلوثا في الاتحاد الأوروبي هم في بولندا، التي تعتمد بشكل كبير على صناعة الفحم الوطني، وترفض الاستثمار في مصادر الطاقة المتجددة التي يمكن أن تحل محل الفحم والمعروف باسم الذهبب الأسود، ولا يعد الفحم والسيارات المشكلة الوحيدة في وارسو، حيث ارتفعت مستويات تلوث الهواء بسبب موجة البرد الشديدة التي أجبرت آلاف الأسر الخاصة لاسيما الأشد فقرا علىى الاعتماد على سخانات ذات نوعية رديئة والتي تحرق أشياء مثل الفحم والقمامة لمواجة فصل الشتاء.
وأوضح ميشال أولسزويسكي نائب عمدة وارسو " 80 % من منازل العائلات في وارسو متصلة بشبكة تدفئة مركزية وتكمن المشكلة في 20% متبقية والتي غالبا ما تستخدم تقنيات رديئة للتدفئة"، ويشير مكتب الاحصاء المركزي في بولندا إلى أن هذا هو الحال لدى أكثر من 150 ألف عائلة في مدينة عدد سكانها 1.7 مليون نسمة، وخرج الأمر عن السيطرة في الأسبوع الأول من يناير/ كانون الثاني بعد أثر انفجار سيبريا على المنطقة، حيث انخفضت درجات الحرار إلى ما تحت الصفر، وزاد الناس من طاقة السخانات الخاصة بعدم، وأدى عدم وجود الرياح إلى تراكم الضباب الدخاني في سماء المدينة.
وأشارت البيانات التي جمعتها المنظمة الإقليمية لحماية البيئة إلى أن نوعية الهواء في وارسو إما سيئة أو سيئة جدا، ما يعني احتمالية تأثر كافة السكان وأن بعض الناس ربما يعانون من آثار صحية خطيرة، وتجاوزت قراءات الجسيمات الدقيقة في الهواء المعايير البيئية البولندية بأربع أضعاف ووصلت في بعض المراحهل إلى 1000% من المعايير، وأوضحت إليونا جيدرسيك من منظمة ClientEarth غير الربحية أن بعض أجهزة مراقبة الهواء في المنطقة توقفت عم العمل بسبب ارتفاع تركيز الملوثات، وحذرت السلطات في وارسو من أن مستويات الضباب الدخاني العالية يمكن أن تكون خطرة على الأطفال وكبار السن والنساء الحوامل والنساء الذين يعانون من مشاكل صحية.
وترك سزمون ويسنيك الخبير المالي (33 عاما) سيارته في المنزل الإثنين حتى لا يساهم في مزيد من الفوضى لهذا الوضع، مضيفا " استيقظت أنا والكثيرم ن أصدقائي على رائخة الدخان في منازلنا، في البداية كنت أعتقد أن هناك حريق لكني نظرت من النافذة ووجدت هذا اللون الرمادي الكئيب المخيف"، وهناك مناطق أكثر سوء في بولندا، ففي جنب مدينة ريبنيك دعت مستويات تلوث الهواء المسؤولين إلى جعل المواصلات العامة مجانية مع إغلاق المدارس ودور رياض الأطفال.
ويمكن أن تترتب آثار صحية خطيرة نتيجة المستوى العالي من ملوثات الهواء بما في ذلك فشل الجهاز التنفسي والدورة الدموية والنوبات القلبية والسكتات الدماغية، وقدرت وكالة البيئة الأوروبية العام الماضي أن الهواء الفساد كان مسؤلا عن يقرب من 45 ألف حالة وفاة مبكرة سنويا في بولندا، وأفادت ماغدالينا أوربان (25 عاما) أخصائية التسويق في وارسو الإثنين أنها كانت تعاني من صداع من الأحد الماضي، مضيفة " إنه أمرمؤلم وأشعر بالغثيان باستمرار وذهبت للتسوق في Zabki ولا أعرف ماذا يمكنني أن أفعل غير ذلك ، وحدث كل شئ بشكل مفاجئ".
وبينت بياتا سيزدلو رئيس الوزراء الإثنين أن حكومتها ستعمل على إيجاد سبيل للحد من المشكلة التي تمثل عبئا على المواطنين البولنديين لكنها لم تقدم أي تفاصيل، وأفاد السيدة أوسلزويكي أن مكتب رئيس البلدي يفعل الكثير لمعالجة المشكلة لكن الأمر يحتاج إلى أدوات تقدمها فقط الحكومة المركزية، مضيفا " يحتاج الاقتصاد البولندي إلى إزالة الكربون لكن الحكومة تفعل العكس كما يزيلون الكفاءات البيئية لدينا ورفعوا القيود المفروضة في الأونة الأخيرة على قطع الأشجار في وارسو ولا يمكننا الاعتراض على ذلك".
وأوضحت السيدة جدرسيك أن هناك حاجة أولا إلى وضع اللوائح اللازمة فيما يتعلق بنوعية الوقود والسخانات التي يستخدمها الناس في منازلهم فضلا عن عزل المبنى، واثار كونستانتلي رادزويل وزير الصحة البولندي الجدل عندما اعتبر الضباب الدخاني مشكلة نظرية قائلا "لا يوجد اسباب للذعر وأسلوب حياتنا أكثر ضررا بكثير"، وقال رادزويل لمحطة راديو خاصة "الأشخاص الذين يتنفسون من هواء السيجارة مع أبخرتها المتصاعدة يشكون حاليا من نوعية الهواء، إنه أمر غير موثوق به على الإطلاق".
وأشارت الجماعة البيئية "وارسو دون ضباب" إلى أن سكان العاصمة يستنشقون ما يعادل ألف سيجارة سنويا، ويعد الأمر أكثر سوء في ضواحي وارسو حيث يتنفس الناس ما يعادل 2400 سيجارة سنويا أو 6.5 في اليوم، وأضافت الناشطة البيئية "أنيسكا دروزد": " لا أحد مستثنى من هذا الضرر، فكر في أطفالك الذي يدخنون نحو سيجارتين يوميا، إنه أمر سئ".