أبوظبي - سعيد المهيري
من المعروف أن المياه من المصادر المتجددة، ولكن الواقع يقول إن كميات المياه تتناقص في ظل تزايد الطلب عليها، وأصبح تحقيق الأمن المائي تحدياً كبيراً بالنسبة إلى دول العالم ومنها منطقة شبه الجزيرة العربية، ما يستوجب التفكير في إعادة وضع استراتيجيات جديدة لإدارة المياه في المنطقة، خصوصاً أن العديد من اقتصاديات العالم ستتأثر مستقبلاً بمدى جودة إدارتها لمخزونها المائي، لاسيما أن ديمومة المياه وإدارتها بشكل صحيح وضمان توفرها للأجيال القادمة، تتطلب التنبه إليها وأخذها على عاتق الفرد والمجتمع، والعمل على زيادة مواردها على مستوى العالم .
يتحدث مدير المركز الوطني للمياه التابع لجامعة الإمارات الدكتور بيتر فيرنر،عن تحديات إدارة المياه في المدن سريعة النمو، قائلاً: "أفاد تقرير الأمم المتحدة عن آفاق التحضر لسنة ،2014 بأن عدداً متزايداً من السكان أصبحوا يقطنون المدن، ففي الوقت الذي كان نحو 30%من سكان العالم يعيشون في المناطق الحضارية في سنة ،1960 أصبح نصف سكان العالم تقريباً يقيمون في المدن، التي أصبحت تنمو بسرعة، وتعتبر كل من أبوظبي ودبي خير مثال على ذلك، فقد كان سكان كل من المدينتين ألفي شخص في ،1960 وأصبح يتراوح حالياً مابين المليون مقيم في كلتا المدينتين، ويتجلى النمو السريع للمدن بشكل أكبر في جنوب شرق آسيا" .
ويضيف "عادة ما تعجز البنية التحتية لهذه المدن عن مواكبة نمو السكان، حيث يعد تحسين البنية التحتية لتتماشى مع احتياجات السكان من التحديات التي تتم مواجهتها، وتمثل الإدارة المتكاملة للموارد المائية مطلباً أساسياً فيما يخص القطاع المائي، ويجب أن تشمل جميع الموارد المائية بما فيها المياه الجوفية والسطحية ومياه البحار، ولا يجب معالجة مسألة مياه الشرب ومياه الصرف الصحي كل على حدة، كما يجب أخذ إدارة النفايات بعين الاعتبار، وتعتبر الإدارة المتكاملة للموارد المائية عملية تعزز التنمية المنسقة وإدارة المياه والأراضي والموارد المرتبطة بها، كما ترفع من مستوى الرخاء الاقتصادي والاجتماعي بشكل متكافئ من دون المس باستدامة الأنظمة الإيكولوجية الحيوية" .
يقول أستاذ مشارك في جيولوجيا المياه ووكيل كلية العلوم في جامعة الإمارات الدكتور أحمد علي مراد، عن استمرارية الحياة عبر موارد مياه متنوعة في منطقة جافة: "تعتبر موارد المياه في إمارة أبوظبي الواقعة جنوب شبه الجزيرة العربية نادرة جداً، حيث تتميز المنطقة بقلة التساقطات المطرية ونسب تبخر وحرارة ذات معدلات مرتفعة، وكانت المياه الجوفية هي المصدر الرئيسي الصالح للمياه لاستعمالات البشرية، لكن مع مرور الزمن أصبحت المياه المحلاة هي المصدر الأساس للحياة في الإمارة، وتظل المياه الجوفية في إمارة أبوظبي مورداً محدوداً، نظراً لكونها تعتمد بالأساس على التغذية الناتجة عن التساقطات المطرية، وبلغ معدل سحب المياه الجوفية سنة 2011 نحو 9 .217 .2 مليون متر مكعب، مقارنة بمعدل يصل إلى 1 .862 .2 متر مكعب في سنة ،2005 ولوحظ أن المعدل السنوي لسحب المياه الجوفية يتقلص باستمرار، حيث انخفض بنسبة 5 .22% خلال الفترة ما بين 2005- ،2011 ونتيجة لتراجع معدل المياه الجوفية، فقد تقلص احتياطي إمارة أبوظبي من المياه الجوفية بنسبة 7 .1 خلال الفترة 2005-،2011 حيث انخفض من 750 .646 مليون متر مكعب في 2005إلى 620 .635 مليون متر مكعب .
وأظهرت البيانات المتوفرة أن نحو نسبة 79% من احتياطي المياه الجوفية مالح، وأن نسبة المياه العذبة منه لا تتجاوز 3%، ولمواجهة العجز في موارد المياه الجوفية، وللحفاظ على أسلوب المعيشة في أبوظبي، شهدت إمارة أبوظبي ارتفاعاً في إنتاج المياه المحلاة، ومعالجة مياه الصرف الصحي منذ ،2012 حيث يشكل هذان الموردان أهم مصادر المياه في الإمارة حالياً، وبذلت حكومة أبوظبي جهوداً مهمة للحفاظ على موارد المياه عبر تنويع المصادر، وتساعد مثل هذه التدابير صناع القرار في أبوظبي على تأمين موارد المياه للأجيال المقبلة .
يؤكد أستاذ مشارك في كلية الأغذية والزراعة في جامعة الإمارات الدكتور فرانز لينارتز،على أهمية اتباع استراتيجيات في الري للحفاظ على الماء من أجل تحسين الأمن الغذائي في شبه الجزيرة العربية، قائلاً: يشكل تدهور التربة واستنزاف الموارد المائية في يومنا هذا، تهديداً حقيقياً للإنتاج الغذائي في العالم، في وقت تتوقع فيه الأمم المتحدة أن يصل عدد سكان الأرض إلى 13 مليار نسمة مع مطلع سنة ،2100 وبالتالي باتت مسألة الأمن الغذائي على قدر كبير من الأهمية، خصوصاً في المناطق التي تفتقر إلى الموارد كدول شبه الجزيرة العربية الجافة، ففي البلدان التي يتوجب فيها اللجوء إلى الري، يجب أن يعتمد الإنتاج الغذائي على استراتيجيات ري توفر المياه من أجل الحفاظ على الموارد المائية الثمينة قدر المستطاع، فضلاً عن اللجوء إلى المحاصيل ذات الاحتياجات المائية الأقل، كما أن استراتيجية تقليل الري ستسمح باستغلال أنجح للموارد المائية، ويتطلب هذا الأسلوب الحصول على بيانات تخص حركة التربة والنباتات، وسيترتب على ذلك ما يعرف بوظائف إنتاج المحاصيل والمياه التي تربط الإنتاج النباتي بحجم المياه الضرورية لتحقيقه، وبالتالي سيسمح استخدام هذه الوظائف في إطار عملية تطوير شاملة، بالوصول إلى أنجح طرق استغلال المياه لكل محصول بعينه، فمقارنة بممارسات الري الاعتيادية، يسمح هذا الأسلوب بتوفير نحو 50% من المياه، والرفع من الإنتاج بنسبة 30% في الوقت ذاته، ما يبرز الإمكانات التي يتيحها هذا الأسلوب .