دمشق – خليل حسين
لقي آلاف الأشخاص حتفهم، غالبيتهم من الشباب، وتشرد مئات الآلاف في أوروبا، كنتاج للصراع السوري المتفاقم منذ أكثر من خمس سنوات، والذي ظهرت نتائجه في المجتمع السوري، عبر انهيار النظم الاجتماعية، والسلطات القضائية، في مختلف المناطق، وازداد معدل الجريمة بنسب غير مسبوقة، تصدرتها جرائم الشرف، التي لا يكشف عن العشرات منها، بسبب الفوضى القضائية التي تعيشها البلاد.
وتشير إحصائيات قضائية غير رسمية، حصل عليها "العرب اليوم" إلى أن عدد جرائم الشرف في سورية بلغ 230 جريمة في العام 2015، وتركزت في المناطق الريفية، في شمال وشرق سورية، حيث ينتشر الفكر الديني المتطرف بشكل أكبر من باقي المناطق، بينما بلغت 47 جريمة فقط في العامين 2012 و2013، وهي إحصائية تقتصر على المناطق الخاضعة لسيطرة الدولة، والتي لا تشمل المناطق ذات المعدلات العالية في ارتكاب هذه الجرائم.
ويؤكد المحامي العام في ريف دمشق، ماهر العلبي، أن معدل جرائم الشرف زاد في سورية خلال الصراع الحالي، رغم أن هذه الظاهرة بدأت في الاختفاء في بعض المناطق، لافتًا إلى أنه لا يمكن جمع إحصائيات دقيقة حول الموضوع حاليًا، لأن بعض المناطق لا توجد فيها سلطات قضائية.
ويحتوي قانون العقوبات السوري على مواد تبرر قتل الرجل لزوجته، أو أخته، أو ابنته، أو أمه، في حال ضبطها بعلاقة جنسية مع غير زوجها، لكن الضغط الذي مارسته العديد من المنظمات والهيئات المدنية في سورية، دفع الحكومة إلى تعديل القانون بشكل بسيط عام 2011، بحيث يحكم على القاتل بالسجن لمدة لا تقل عن سنتين.
وتنتشر جرائم القتل بدعوى الشرف في البلدان الإسلامية، وهي غالبًا ما يرتكبها ذكور بحق إناث من عائلة واحدة، بحجة إقامة الأنثى علاقة جنسية أو عاطفية دون موافقة الأسرة، أو خارج إطار القانون المحلي أو الديني. وتبرر غالبية المجتمعات الإسلامية هذه الجرائم تحت مسمى "غسل العار" الذي لحق بالعائلة، بسبب ما فعلته الأنثى، وهو ما انعكس على قوانين العديد من الدول، التي تعطي القاتل أحكامًا مخففة جدًا إذا ما أثبت أن دافعه كان حماية "شرف العائلة".
وأوضح رئيس غرفة الجنايات في محكمة النقض في دمشق، أحمد البكري، أن جرائم الشرف ارتفعت أربعة أضعاف عما كانت عليه قبل بداية الأزمة السورية، وانتشرت بشكل واضح في المناطق الخارجة عن سيطرة الدولة، بسبب غياب القانون، واستبداله بسلطة دينية، يتولى الإشراف عليها شيوخ يحكمون بمقتضى الدين فقط. وأوضح "البكري" أن أي منطقة يغيب عنها القانون تظهر فيها الظواهر المرضية، وجرائم الشرف هي إحداها، وذلك لعدم وجود محاكم وقضاء وشرطة، تفصل في مثل هذه الأمور.
لكن "البكري" رفض إلغاء العقوبة المخففة لهذه الجريمة، معتبرًا أن المشرع السوري حينما وضع هذه العقوبة راعى جمع الظروف الاجتماعية، ومنها الغيرة على الشرف، مبينًا أن الرجل حين يشاهد زوجته مع رجل آخر في وضع جنسي، تتحرك لديه الفطرة الإنسانية، التي قد تدفعه للقتل.
ويرى بعض الباحثين الاجتماعيين أن هجرة الشباب السوري إلى الخارج، هربًا من الحرب، ومقتل عدد كبير منهم، وارتفاع تكاليف الزواج، زاد من نسبة النساء غير المتزوجات، والأرامل، وهو ما فتح الباب لإقامة علاقات غير شرعية، ينتهي قسم كبير منها بجرائم قتل.
وذكر المحامي العام في ريف دمشق، ماهر العلبي، أن هناك ارتفاعًا ملحوظًا في عدد شبكات الدعارة، بسبب الفقر، والكثافة السكانية، في بعض المناطق في دمشق وريفها، لافتًا إلى أن الشرطة ضبطت العديد منها، ولا سيما في الفترة الأخيرة. فيما قال رئيس غرفة الجنايات في محكمة النقض، أحمد البكري، إن جرائم الدعارة ارتفعت بشكل كبير، بسبب تشتت العائلة الواحدة، وارتفاع تكاليف الحياة.
ورغم ظروف الحرب، وانشغال الجميع بها، يصر بعض النشطاء الحقوقيين، والمدافعين عن حقوق المرأة، على حملتهم لإلغاء أي مادة في قانون العقوبات السوري تحرض على قتل النساء، تحت عنوان جرائم الشرف، ولا تنص على معاقبة الرجل، بل وتشجعه على القتل.
وأشار المحامي أيمن عساف إلى أن المشكلة الحقيقية تتمثل في الوعي الاجتماعي والتربية، التي تقوم على أسس دينية "متخلفة"، حسب قوله، داعيًا إلى نشر ثقافة جديدة تعلم الشباب أن جرائم الشرف ليست إلا جرائم بحق الإنسانية. ودعا "عساف" السلطات القضائية السورية إلى مواكبة التطور الفكري لدى المجتمع تجاه هذه القضية، بتعديل قانون العقوبات، وإلغاء اسم هذه الجريمة، واعتبارها كغيرها من جرائم القتل غير المبرر، مؤكدًا أن التعديل الأخير غير كافٍ.
ودعا مرصد "نساء سورية"، وهو مبادرة مدنية تطوعية تعمل على إلغاء كل أشكال العنف والتمييز ضد النساء، إلى إعلان يوم 29 أكتوبر / تشرين الأول من كل عام يومًا للتضامن مع ضحايا جرائم الشرف. وتم اختيار هذا اليوم لأنه شهد جريمة قتل الفتاة السورية زهرة عزو، التي كانت تبلغ من العمر 16 عامًا، قرب العاصمة دمشق، على يد أخيها، الذي لحق بها من الحسكة، أقصى شمال شرق سورية، من أجل ذبحها، ورغم ذلك حكم القضاء عليه بالسجن لمدة سنتين فقط.
وأطلق المرصد، منذ سنوات، الحملة الوطنية لمناهضة جرائم الشرف، وتضمنت جملة من النشاطات، بينها جمع التوقيعات على الوثيقة الوطنية المناهضة جرائم الشرف، والتي لعبت دورًا في الضغط على السلطة القضائية السورية، لتعديل قانون العقوبات، بشكل لم يرضِ نشطاء الحملة.