بغداد – نجلاء الطائي
أصبحت جرائم الاغتصاب والعنف الجنسي من أخطر الظواهر العالمية التي تهدّد الأمن والاستقرار العديد من المجتمعات، حيث باتت بعض الدول تعاني من تفشي وانتشار هذه الجرائم، وتنظيم "داعش" والمعروف أيضًا باسم "داعش"، قام بعمليات اغتصاب واعتداءات جنسية أخرى ممنهجة بحق سيدات وفتيات إيزيديات في شمال العراق، بشكل كبير في الأعوام الأخيرة ولأسباب كثيرة، منها انتشار البطالة والمخدرات والمواقع الإباحية على الإنترنت، وابتعاد المؤسسات التربوية والتعليمية عن واجباتها الأساسية بسبب ضعف القوانين والرقابة والإهمال الحكومي المتعمد لهذه المؤسسات، وهو ما أثار قلق منظمات حقوق وحماية المرأة والطفل التي طالبت بتطبيق قوانين مشدّدة لأجل الحد من تفشي هذه الظاهرة الخطيرة.
وتعرف موسوعة "ويكيبيديا" الاغتصاب بأنه هو "ممارسة الجنس مع شخص دون رضاه بواسطة القوة أو بالترهيب"، ويعتبر الاغتصاب أكثر الجرائم الجنسية شيوعاً في هذا اليوم، لم يحضر أحد لصب الإسمنت، آخر مراحل بناء القبر، فوق الراحة الأبدية لـ"سلوى" الفتاة الايزيدية التي انتحرت بعد أن هُتكت أحلامها على يد تنظيم "داعش"، عند سبيها من قضاء سنجار، شمال العراق، وتعليقها سلعة في سوق النخاسة للبيع كجارية، وتجولت سحر، برفقة أمها وخطيبها وأمه، بين محال الصاغة، وثياب النوم الكبيرة على "عقلها"، الذي ما زال يواجه صعوبة في استيعاب ما يدور حولها من طقوس، ويعجز عن حل معادلة كيميائية أو إيجاد إزاحة كتلة ما، لإتمام تجهيزات العرس، تزامناً بعيد المرأة العالمي الذي يتصادف حلوله اليوم.
ولم تكمل سحر رائد، عامها الـ13 بعد، ترى أمها أن تزويج ابنتها يساعدها في التخلص من مسؤولية الحياة المجهولة التي يواجهونها، في حرب العراق الطاحنة لأرواح غالبية من الشباب، ضد التطرف، وقد أعلنت "هيومن رايتس ووتش" إن مقاتلين من تنظيم "داعش"، يحتجزون نساءً وفتيات عربيات سنيات ضمن المناطق الخاضعة لسيطرتهم في العراق بشكل تعسفي، ويسيئون معاملتهن ويعذبوهن ويتزوجوهن قسرًا.
رغم وجود شهادات عن حالات عنف قائم على الجنس في المناطق الخاضعة لسيطرة داعش، تُعتبر هذه أول حالات ضد نساء من العرب السنة في العراق تتمكن "هيومن رايتس ووتش" من توثيقها، وقابل الباحثون 6 نساء في كركوك كن قد فررن من بلدة الحويجة، 125 كم جنوب الموصل، والتي لا تزال تحت سيطرة داعش. وثّقت "هيومن رايتس ووتش" وغيرها انتهاكات مماثلة واسعة النطاق ارتكبها مقاتلو "داعش" ضد نساء إيزيديات.
قالت نائبة مديرة قسم الشرق الأوسط في "هيومن رايتس ووتش" لمى فقيه، "يُعرف القليل عن الاعتداءات الجنسية ضد النساء العربيات السُنيّات اللاتي يعشن تحت حكم داعش. نأمل بذل السلطات المحلية والمجتمع الدولي كل ما في وسعهم لتقديم الدعم اللازم لهذه الفئة من الضحايا".
قابلت "هيومن رايتس ووتش" في كانون الثاني/يناير 2017، 4 نساء قلن إن "داعش" اعتقلهن في 2016 لفترات تتراوح بين 3 أيام وشهر. قالت امرأة خامسة إن أحد مقاتلي داعش، ابن عمها، أجبرها على الزواج منه، ثم اغتصبها. قالت سادسة إن مقاتلي "داعش" دمروا منزلها كعقاب على هرب زوجها منهم وحاولوا الزواج منها قسرا. قالت 5 من 6 نساء إن مقاتلي "داعش" ضربوهن.
قالت امرأة إنها حاولت الفرار من الحويجة مع أطفالها الثلاثة ومجموعة كبيرة من العائلات الأخرى في نيسان/أبريل 2016. أمسك مقاتلو داعش بالمجموعة واحتجزوا 50 امرأة منهم في منزل مهجور، وإن مقاتلاً اغتصبها بشكل يومي طيلة الشهر التالي أمام أطفالها، وإن نساء أخريات محتجزات تعرضن على الأرجح للاغتصاب.
وأشار خبراء من 4 منظمات دولية، منها منظمتان طبيتان، تعمل مع ضحايا الاعتداءات الجنسي شمال العراق، لـ "هيومن رايتس ووتش" إنه من الصعب تقييم مدى انتشار العنف القائم على الجنس الذي مارسه داعش ضد النساء الفارات من أراضٍ واقعة تحت سيطرته. أضافوا أن الضحايا وأسرهن يُفضلن الصمت لتجنب الوصم وتشويه سمعة المرأة أو الفتاة.
قالت عاملة إغاثة أجنبية إنها شهدت حالات زواج قسري واغتصاب متعددة، لكنها تعتقد أن عددا قليلا جدا من الضحايا النازحات اللاتي عملت معهن تحدثن عن ذلك علنا. أضافت أن بعض النساء يحاولن إخفاء الحادث عن عائلاتهن، خوفًا من التعرض للعار أو للعقاب من الأهل أو المجتمع. قالت إن الأطفال نتاج الاغتصاب أو الزواج القسري قد يواجهون الوصم بدورهم.
وأضافت أن تقديم الدعم النفسي والعلاج الطبي طويل المدى لهن يجب أن يكون مشغلا أساسيًا، وقال عامل إغاثة آخر في منظمة دولية تقدم خدمات في 3 مخيمات للنازحين من المناطق التي يسيطر عليها داعش، إن طاقمهم وثق 50 حالة لنساء وفتيات تعرضن لعنف نفسي وجسدي على يد "داعش"، ويحصلن على دعم من المنظمة حاليًا.
وهناك منظمات محلية ودولية تقدم الدعم لضحايا العنف القائم على الجنس، لكن قال موظفون طبيون ومقدّمو خدمات في كركوك إنه لم تُبذل جهود كافية لمعالجة الوصم الذي يتسبب فيه العنف الجنسي، ولا يوجد وعي بالخدمات المناسبة والدعم الصحي النفسي أو العقلي، وأن الاحتياجات تفوق الخدمات المقدمة.
وأشارت طبيبة نفسية في منظمة دولية تقدم الدعم النفسي والاجتماعي في أحد أكبر مخيمات النازحين في إقليم كردستان العراق إن هناك جهود قليلة جدا لتوعية الرجال بكيفية دعم النساء ضحايا العنف القائم على الجنس، وأضافت أنه غالبًا ما تُمنع المرأة من الحصول على المشورة والتدريب المهني من قبل أقاربها الذكور، حتى لو كانت ترغب في هذه الخدمات.
كل النساء اللاتي قابلناهن يتلقين علاجًا في مركز كركوك، الذي يوجد فيه 12 موظفًا يقدمون المشورة النفسية والسلوكية للنساء والأطفال، وقال مدير المركز الدكتور عبد الكريم الخليفة، في كانون الثاني/يناير إن المركز يعالج وقتها 30 مريضًا، منهم 15 طفلاً، يعانون من صدمات متصلة بتجاربهم التي عاشوها في ظل "داعش".
وأوضح "إن مركزه عالج في عام 2016 حوالي 400 مريض هربوا من أراض خاضعة لسيطرة "داعش"، وأضاف أن مقاتلي داعش اغتصبوا مريضتين على الأقل من مرضاه الحاليين، وإنه يعرف منظمة أخرى في كركوك توفر الخدمات لضحايا الاعتداء الجنسي، وإنه يوجد دعم ضئيل للغاية فيما يتعلق بتقديم الرعاية الصحية العقلية اللازمة للنازحين الذين عاشوا في ظل "داعش".
وقال موظف طبي آخر في كركوك يقدم الدعم الاجتماعي للنساء والأطفال المتعرضين للصدمة بسبب ما خاضوه في ظل "داعش" إن الخدمات التي تقدمها الحكومة الاتحادية تركز على العلاج الدوائي وليس على العلاج النفسي والاجتماعي والمشورة، وأشار مدير برنامج في منظمة دولية تقدم خدمات في واحد من مخيمات النازحين الكبرى شمال العراق إن المجموعة تمكنت من خلق فضاءات آمنة وإطلاق مشاريع مهنية للنساء، إلا أنها لم تتمكن حتى الآن من تقديم دعم نفسي واجتماعي طويل المدى وخدمات أخرى لضحايا العنف القائم على الجنس لأنها لا تجد موظفات يملكن المهارات اللغوية والخبرة والمؤهلات المهنية اللازمة بسهولة.
واجهت حكومة إقليم كردستان ووكالات الأمم المتحدة والمنظمات الإنسانية الدولية الأخرى صعوبات في تقديم رعاية ما بعد الاغتصاب والدعم النفسي والاجتماعي للنساء الإيزيديات ضحايا العنف الفارات من "داعش"، توفير الرعاية الصحة النفسية والدعم النفسي-الاجتماعي الملائمين هو تحد معقد وطويل الأجل. على حكومة إقليم كردستان والهيئات الأممية والأطراف الأخرى وضع نظام للتنسيق بناء على تقييم الاحتياجات وتقدير الأولويات الأكثر إلحاحا. على المنظمات التعرف على المعوقات الرئيسية التي تحول دون تقديم الرعاية والخدمات، وجعلهما متاحين وطوعيين، وتحديد التكاليف المحتملة. جهود التنسيق هذه يجب أن تشمل "منظمة الصحة العالمية" وممثلات عن الناجيات.
قالت منظمة الصحة العالمية إن خدمات الصحة العقلية والدعم النفسي تمثل المكونات الأساسية للرعاية الشاملة لضحايا العنف الجنسي، وذكرت أيضًا أن على المصابين بأمراض نفسية ومجتمعاتهم المحلية المساعدة على تطوير هذه الخدمات، وأن على المسؤولين عن توفيرها تعزيز الموارد المتاحة وتوفيرها للجميع دون تمييز.
قالت فقيه: "تعاني النساء ضحايا العنف القائم على الجنس من عواقب الانتهاكات الجنسية لفترة طويلة بعد فرارهن من داعش. تقديم الرعاية لهن وتأهيلهن يتطلب استجابة متعددة الأوجه، والسلطات مطالبة بتقديم الدعم الطبي والنفسي اللازمين، والعمل على القضاء على الوصم المرتبط بالعنف الجنسي في المجتمع الأوسع".
تمت المقابلات بعد الموافقة الكاملة والواعية بالعربية وبدون ترجمة. قمنا بإجراءات من أجل ضمان خصوصية الضحايا وأجرينا المقابلات في أماكن تؤمن أكبر قدر ممكن من الخصوصية. في جميع الحالات اتخذت هيومن رايتس ووتش اجراءات لعدم إصابة الناجيات بالصدمة مجددًا، وأوقفت المقابلات عندما سببت الضيق، بغية حماية الضحايا والشهود، تم تغيير أو حجب أسماء الأفراد ومعلومات أخرى تكشف هويتهم.
والتقى "العرب اليوم" عدداً من العراقيات المعنفات منهن، والمحاربات ضد العنف وإبادة الحقوق، في يوم المرأة العالمي المحتفى به سنوياً في الثامن من آذار ، بمختلف الطرق والسبل بين المنددة بتعنيف النساء والداعمة لهن، فعندما تعرضت زينة سالم (17 عامًا) للاغتصاب من ابن الجيران، زُوجت عنوة له، بعقد قرانها، في منطقة الكاظمية، بجانب الكرخ من بغداد، لتُطلق منه وتنال، في اليوم الثاني، "صفة مُطلقة"، الأقل ازدراءً في المجتمع من "حال المغتصبة"، التي غالباً ما تنحر، أو تبقر بطنها، بسبب فقدان "بكارتها" مصدر الشرف، بنظر أسرتها، دون معاملتها كـ"ضحية".
وترتعد كثيرات من النساء، خلف الجدران، مغتصبات، مهمشات، ومنتهكات الأمن لا يسمح لفئة منهن الوقوف بجانب زميل في الجامعة، بدافع العرف الاجتماعي، وفئة أخرى غير مسموح لهن ارتداء الحرية حتى في داخل البيت بفرض لباس مُعين عليهن، لاسيما الثوب المُسمى عراقياً بـ"الدشداشة"، وعار إن لبسن منهن الجينز الذي حُرم عليهن حتى في دوائر الدولة.
ومثلما لا يطبق القانون على المتحرشين في الشوارع، ومسدلي سراويلهم في وسائل النقل لإحراج أي فتاة لاسيما الصغيرات، لا يوجد أي رادع لمعنفي العراقيات في مواقع التواصل الاجتماعي، حيث يواجهن إرهاباً من نوع آخر متمثلاً بخداعهن واستدراجهن لعلاقات تخالف قوانين المجتمع العراقي.
وقالت سعاد (21 عامًا) من قرية قرب الحويجة، إن قريبها الذي يكبرها بسنة التحق بـ"داعش" بعدما سيطر مقاتلوه على المدينة في 2014. كانت عائلتاهما تنويان تزويجهما، لكن بعدما صار مقاتلاً مع "داعش" أبلغته سعاد وعائلتُها بأنهم لم يعودوا يريدون عقد القران. لكنه جاء مع أخيه وقريبه إلى منزلهم في صباح أحد أيام كانون الثاني 2016 وطلب تزويجه من سعاد وإلا قتل أهلها. رضخت العائلة للتهديد، وأخذها قريبها إلى منزله حيث أجبرها على الزواج منه واغتصبها، فحملَتْ منه. قالت سعاد إنها فرّت بعد 8 أشهر في منتصف الليل مع أهلها إلى كركوك. أنجبت طفلها بعد شهر ولكنه توفي بعد 4 أيام.
وأفصحت فوزية (45 عامًا) من داقوق، كانت تسكن في الحويجة في بدايات العام 2015، عندما تقرّب مقاتلو "داعش" من زوجها وطلبوا منه التجسس على الحي. رفض فاحتُجزَ 10 أيام ابتداء من 7 فبراير/شباط 2016 في قرية خارج المدينة وفرّ بمجرّد فكّ حجزه.
وقالت فوزية إن 3 من مقاتلي "داعش" احتلوا المنزل 3 أيام خلال هذه الفترة، ووضعوا ولديها تحت الإقامة الجبرية، وأجبروهم على البقاء في غرفة واحدة، وإنها رأت مقاتلي "داعش" يجلبون فتاة جديدة كل يوم إلى الغرفة المجاورة لمدة ساعة تقريبًا، وكانت ترى الفتيات عندما يكون باب الغرفة مفتوحًا، تقدّر أنهنّ كنّ 16 وسمعتهن يبكين من خلال الحائط، وتعتقد أن المقاتلين اعتدوا جنسيًا على الفتيات.
وأشارت أنها طلبت من الجنود التوقف عن جلب الفتيات إلى منزلها، فضربها أحدهم بكفه وبعقب البندقية وقال لها إن قائدهم سيأتي ويتزوجها، هدّدوها بأنها إذا حاولت الفرار إلى كركوك سيجدها أفراد "داعش" العاملين هناك ويقتلونها، في اليوم الرابع وأثناء صلاة الساعة الخامسة صباحًا كان مقاتلو "داعش" جميعًا في الجامع المحلي، فرّت فوزية مع ولديها إلى كركوك، وأجهشت بالبكاء وهي تكمل القصة: "عندما وصلت إلى أول حاجز لـ "البشمركة" كنت خائفة أن يجدني "داعش" فلم أسجل نفسي، أنا خائفة جدًا في كركوك لذا أمضيت العام الماضي داخل منزل أقاربي، ولم أكن أذهب حتى إلى الدكان، وعندما أضطر للخروج كنت ألتفت حولي خائفة، فقد يعرفون أين أعيش ويأتون لقتلي".