خورفكان - جمال أبو سمرا
مر التعليم قديماً بأطوار ومحطات عدة، منها المطاوعة، وكانت وسيلة التعليم لعهود طويلة، وتعد مصدر التعليم الأولي، والذي كان يقوم على حفظ بعض السور القصيرة من القرآن الكريم، ولاسيما الفاتحة للصلاة، وإجادة التلاوة والقراءة للمصحف الشريف، ثم مر التعليم بمراحل منها المطاوعة، ثم التعليم شبه النظامي، فالتعليم الحديث أو النظامي الذي نعهده اليوم .
يؤكد صالح أحمد بن بشير النقبي ابن أحد المطاوعة الذين اشتهروا في منطقة الزبارة بخورفكان: "نشأ والدي أحمد بن بشير النقبي في بيئة علمية، فأول ما تعلم كتاب الله، كان يعلم القرآن في مسجد الزبارة القديم الواقع بجانب شجرة الصبارة، المعروفة عند الأهالي، وكان من أهم صفات المحفظ للقرآن، أن يكون ملماً بأحكام الشرع، ومتقناً وحافظاً للقرآن، وحين يخالط الناس يكون موزون الكلام ذا منطق، ويتصف بشيء من الحكمة، ولا ينزل إلى مستوى يشان فيه، بجانب الهيبة من دون كبر ولا ازدراء للآخرين، والوقار والخشية من الله، وابتغاء وجهه الكريم في ذلك العمل، وكان والدي أحمد بن بشير النقبي كذلك، تنطبق عليه رحمه الله كل هذه الصفات، ومنها أيضاً، مشاركة الآخرين في أفراحهم وأتراحهم .
أحمد عبدالله بن ناصر النعيمي أحد أبناء المعلمين ومشايخ الدين، يقول إن التعليم النظامي كان فاتحة خير على المجتمع في الإمارات، مما شجع التحاق كثير من الناس به وفتح الأبواب أمام الصغير والكبير والذكور والإناث للتعلم، ما جعله معتمداً، فيما بعد، وكذلك نجد أن التعليم النظامي وبدء المدارس النظامية في بداية الستينات، لم يعق نظام المطاوعة بل استمر مدة طويلة بعد ذلك .
يقول المستشار التراثي في متحف عجمان علي محمد المطروشي إن التعليم قديماً كان يعتمد بداية على تهجئة الحروف، ويقوم عليه المطاوعة والمطاوعات في بيوتهم، وكان أغلبها، مبنياً من جريد النخل ويبنى في فناء "حوش" عليه سياج من سعف النخل، وبه "عريش" و"منامة" وكانت المطوعة تقوم بتعليم الأولاد تحت مظلة أو تحت شجرة سدر بجانب الفناء الذي تسكن به، وأحياناً في أيام الشتاء، يكون التعليم داخل الخيمة المبنية من الجريد، وليست خيمة الشعر التي يبنيها البدوي .
ويضيف المطروشي: "كان هناك نظام آخر قاصراً على تعليم الذكور واليافعين، ويكتفي بتعلم القراءة والكتابة وتلاوة القرآن والحساب وبعض علوم الدين، من غير تبحر، وهذه المدارس شبه نظامية، وغالباً تكتفي الأغلبية العظمى من الناس بتعلم أولادهم القرآن الكريم، من أجل العبادة، ولاسيما الفاتحة، فلا صلاة بدونها" .
ويضيف المطروشي "في عام 1953 بدأ دخول التعليم النظامي إلى الإمارات، وأول إمارة يدخلها التعليم الشارقة، بمساعدة من دولة الكويت، وتبعتها بقية الإمارات في أوائل الخمسينات، حتى أواخر الستينات، ولم يتم افتتاح مدرسة للإناث، في كل إمارة، حيث تأخر ذلك لفترة معينة، لحاجة الناس إلى تعليم الأولاد أكثر في هذه الفترة من تعليم البنات .
أكد المطروشي: "كانت مدارس الكتاتيب أهلية، ولم تكن حكومية، وكان المطوع أو المطوعة، يتقاضى أجراً بسيطاً كل يوم خميس، وربما تكون نصف روبية أو أكثر، وتسمى الخميسية، إضافة إلى رسوم أخرى يأخذها من أولياء أمور الطالب، عندما يصل بتلاوته إلى رأس أجزاء من المصحف، وهي مواد عينية، منها كمية مناسبة من الأرز أو التمر، وبعض الأغنياء يعطون المطوع مالاً، بدلاً منها، وكان المطوع فقيراً، ولا يجد فرصة للكسب، لأنه مخصص وقته لهذا العمل الجليل، والقليل من المطاوعة كانوا يعملون خطباء مساجد" .
ويضيف المطروشي: "الحكومة تكتفي بالمراقبة، إلا في حال التجاوزات من بعض الأطراف أو لاستتباب الأمن، خاصة أنه لم تكن هناك جهة حكومية أو مؤسسة بعينها تشرف على هذه الكتاتيب، كان التعليم بسيطاً آنذاك .
ويؤكد المطروشي أن دخول التعليم الحديث، كان سبباً في اضمحلال التعليم شبة النظامي، لكن تعليم الكتاتيب، ظل كما كان، ولاسيما أنه لا يتعارض مع التعليم النظامي لفترة طويلة، وكان لدينا في عجمان عدد كبير من المطاوعة .
وأضاف المطروشي: "الاستعداد للدراسة بشراء أجزاء من القرآن الكريم، كانت تطبع الهند، هذا الجزء أول مظاهر الاستعداد من قبل الأسرة، لإلحاق ولدها بالكتاب لتعلم القرآن الكريم، وبدء مراحله التعليمية، مثل أقرانه والالتحاق بالكتاب، وتقوم الأم بخياطة حفيظة من القماش، ليحفظ بها الابن أو البنت المصحف خوفاً عليه من التلف، وهذا الظرف من القماش به خيط طويل يعلقه الطالب بكتفه في قفوله وذهابه إلى الكتاب، بعد الانتهاء من الحفظ .