لندن - ماريا طبراني
كشفت مجموعة "غارديان ميديا" الإعلامية، الأسبوع الماضي، أن صحيفة "غارديان" البريطانية الرصينة وشقيقتها "الأوبزرفر" التي تصدر يوم الأحد ستتحولان إلى صحف بحجم أصغر "تابلويد". قرار اتخذته المجموعة لخفض التكاليف، في إطار خطة تستمر ثلاث سنوات ترمي لتحقيق تكافؤ بين المصاريف والأرباح لدى الصحيفتين. وابتداء من مطلع عام 2018 المقبل، ستطل المطبوعتان على القراء بحجم "تابلويد" عوضا عن حلتهما القديمة "برلينر".
ووقعت الشركة تعاقدًا مع مؤسسة "ترينيتي ميرور" الناشرة لكل من "ديلي ميرور" و"صنداي ميرور" و"صنداي بيبول"، لطباعة الأعداد بدءًا من مطلع العام المقبل. وعليه، فإن المطابع الثلاثة التابعة لـ"غارديان ميديا غروب" داخل لندن ومانشستر وتبلغ قيمتهن 80 مليون جنيه إسترليني، سيجري بيعها أو التخلي عنها، في خطوة تؤثر على قرابة 50 وظيفة.
ومع أن نسق "برلينر" من أهم الخاصيات التي تميز "الغارديان"، إلا أن الصحيفة رأت أن في تغير حلتها - بعيدا عن خفض النفقات - محاولة لمواكبة تطور الصناعة المطبوعة وتحد جديد للتميز بتصميم حديث. وفي هذا الصدد، قال ديفيد بيمسيل، الرئيس التنفيذي لـ”غارديان ميديا غروب”: “هذه خطوة مهمة في إطار خطة التحول التي أقررناها وتستمر ثلاثة سنوات. يقبل المزيد من الأفراد على القراءة ويدعمون صحافتنا عن أي وقت مضى، لكن الصناعة المطبوعة ماضية في تطورها، ويجب علينا التطور معها. ونحن ننوي الاستمرار في تاريخ (الغارديان) في إنتاج صحافة جريئة وذات تصميم جذاب وقادر على حصد الجوائز”.ومن جهتها، قالت كاثرين فاينر، رئيسة تحرير “الغارديان” في بيان تلقت “الشرق الأوسط” نسخة منه: “يعتبر “برلينر” نسقاً رائعاً خدم قراءنا ببراعة على مدار 12 عاماً، لكننا نعي في الوقت ذاته أن أعمالنا الصحافية المستقلة ورفيعة المستوى والحاصدة للجوائز، وليس شكل أو حجم صحفنا، هي أكثر ما يقيمه قراؤنا. الآن، سنتحول إلى (الغارديان) و(أوبزرفر) في شكل تابلويد جديد يتميز بالجرأة والإبهار والجمال، ولا تزال تحمل بين جنباتها مجهوداً صحافياً مميزاً لطالما اشتهرنا به”.
مصاريف وأرباحويقف وراء هذه الخطوة عدد من العوامل، بينهما التراجع المستمر والحاد في سوق الإعلانات المطبوعة وارتفاع تكاليف نشر الصحف مع تحول العملاء نحو وسائل الإعلام الرقمية. وقد تفاقم ذلك مع تباطؤ جني عائدات وسائل الإعلام الرقمية مع استحواذ “غوغل” و”فيسبوك” على نصيب الأسد من سوق الإعلانات عبر الإنترنت. وكانت “غارديان ميديا غروب” سددت بالفعل قروضًا ضخمة تتعلق بدور الطباعة المملوكة لها. ومن المتوقع أن تنجح خطوة التعهيد التي تقدم عليها “غارديان ميديا غروب” الآن في تحقيق ملايين الجنيهات في صورة مدخرات سنوية.
نجحت “الغارديان” في تقليص خسائر التشغيل من 57 مليون جنيه إسترليني خلال عام 2015 / 2016 إلى 38 مليون جنيه إسترليني لعام 2016 / 2017، في الوقت الذي عززت الأموال النقدية لديها لأكثر من مليار جنيه إسترليني من خلال بيع بقية أسهمها داخل مجموعة “أسنتيال” التجارية والإعلامية. وترمي خطة “غارديان ميديا غروب” إلى جعل المصاريف والأرباح متساوية، أو على الأقل جعل الخسائر عند مستوى مستديم، بحلول أبريل (نيسان) 2019.برلينر.. انفراد وجوائزكانت “الغارديان” و”أوبزرفر” قد شرعتا في الطباعة بحلة “برلينر” أطول وأكثر نحافة على النسق الأوروبي عام 2005، لتصبحا بذلك أول صحيفتين وطنيتين بالمملكة المتحدة كاملتي الألوان. يذكر أن معدل النسخ التي باعتها “الغارديان” في أبريل بلغ 154 ألف مقارنة بـ341 ألف خلال الشهر ذاته عام 2005، عندما بدأت الصحيفة في طباعة أعدادها بتنسيق “برلينر”، ما يعني أنه على امتداد السنوات زادت تكلفة إدارة دور الطبع.
وكانت الفائدة من حجم “برلينر” هو انه سهل للقراءة والمساحة التي يتيحها (أوسع وأطول من تصميم “تابلويد”) يمنح المحررين والمصممين مساحة أكبر.وفي عام 2006، حازت “الغارديان” على جائزة أجمل تصميم للجرائد في العالم من قبل جمعية أميركية تعنى بتصميم الصحف. وتصدرت “الغارديان” على 389 مطبوعة من 44 دولة. حماية المستوىكانت “غارديان ميديا غروب” قد ألمحت إلى أن خطوة الانتقال بـ”الغارديان” و”أوبزرفر” إلى تنسيق “تابلويد” يهدف إلى حماية مستوى جودة المحتوى الصحافي مع العمل في الوقت ذاته على الحد من التكاليف. ومع أن تصميم “تابلويد” ليس مرتبطا بالصحافة الرصينة، وعادة ما تتبع صحف أخبار المشاهير والتحقيقات الجدلية والخفيفة هذا التصميم، إلا أن “الغارديان” أكدت أنها ستستمر بسياستها التحريرية رغم تغيير التصميم.الواضح أنه مثلما الحال مع كثير من الصحف الأخرى التي تناضل لتحقيق أرباح في وقت تعاني عائدات الإعلانات انحساراً بالغاً، ثمة حاجة ملحة لدى المؤسسة لخفض تكاليف التشغيل مع الاستمرار في تقديم منتجات يرغب المستهلكون في شرائها.
ورغم انحسار مبيعات الطبعات الورقية، لا يزال الكثير من الناشرين يبدون أنهم لا يزالون على استعداد للاستثمار في المنتجات الصحافية المطبوعة نظراً للعائدات الإعلانية الأقوى التي يحققونها من ورائها مقارنة بالإعلانات الرقمية. في الوقت ذاته، تواجه النماذج الرقمية صعوبة بالغة في تحقيق عائدات مستدامة.ورغم التحول الملحوظ نحو الإصدارات الرقمية، لا يزال الطلب على الصحف المطبوعة بالغ الأهمية، الأمر الذي دفع المؤسسة الناشرة إلى التشبث بالنسخ المطبوعة لكلتا الصحيفتين، مع السعي لإيجاد سبل جديدة لتعزيز القيمة عبر تعهيد الحلول المطبوعة. ومن شأن ذلك السماح بتركيز الاهتمام على النشاطات المحورية، ومنها العمل على زيادة عائدات الإعلانات الرقمية.
المطبوع ما زال حيّاًجدير بالذكر في هذا الصدد أنه عندما تحولت “إندبندنت” البريطانية إلى النسخة الرقمية فقط في أبريل الماضي، استمرت صحيفتها الشقيقة “آي”، التي اشترتها مؤسسة “جونستون بريس” في الصدور وتحقق أداءً قوياً في صورتها المطبوعة. في الواقع، يبدو قرار “غارديان ميديا غروب” بتعهيد الخدمات المطبوعة إلى “ترينيتي ميرور” منطقياً تماماً، ومن المؤكد أن قرارها بغلق دور الطباعة الخاصة بها في لندن ومانشستر سيقلص التكاليف الثابتة الخاصة بها بدرجة كبيرة. ومع أن الدافع الأساسي للانتقال إلى تصميم “تابلويد” قد يكون خفض النفقات، إلا أنه قرار اضطرت الشركة الناشرة اتخاذه لحماية محتوى أحد أهم صحف بريطانيا حتى ولو كان الثمن التضحية بحلتيهما.