نيويورك ـ سناء المر
كشفت وثيقة سرية من وكالة الاستخبارات الأميركية "CIA" عن مبادئ وتعليمات واضحة باستخدام أساليب الطب النفسي وطرق وحشية في تعذيب المعتقلين من المتطرفين لاسيما بعد أحداث 11 سبتمبر، الأمر الذي أثار ضجة كبيرة في أوساط الأطباء ومنظمات حقوق الإنسان.
وتثير هذه المبادئ تساؤلات جديدة حول القيود المفروضة على الوكالة بشأن عمليات التعذيب التي تجري تحت غطائها، حيث مكّنت مدير الوكالة الذي لم يسبق له أبدًا في تاريخها أن عمل طبيبًا من إجراء "الموافقة و التعديل أو الرفض للمقترحات المتعلقة بالبحث في موضوع الإنسان، كما أن له تأثير كبير على القيود التي تحددها الحكومة الأميركية للحفاظ على إجراءات آمنة وإنسانية وأخلاقية تطبق على المعتقلين.
وأكدت الوثيقة أنَّ مدير وكالة الاستخبارات المركزية "CIA" جورج تينت، وافق على تطبيق أساليب الاستجواب المهينة بما في ذلك الإيهام بالغرق الذي إبتدعه علماء النفس المتعاقدين مع الوكالة، كما أصدر تعليماته للعاملين في مجال الصحة داخل الوكالة كي يشرفوا على عمليات الاستجواب الوحشية، ما يعني بداية سنوات من الجدل الذي ما زال مستمرًا حول التعذيب باعتباره انتهاكا لآداب مهنة الطب.
الأمر الذي دفع إلى التساؤل عن كيفية تطبيق وكالة الاستخبارات المركزية ما تسميه "أساليب الاستجواب المعززة" والتي تتعارض مع التعليمات الصادرة فيما يتعلق بالتجارب البشرية.
ويؤكد الأطباء العاملين في مجال حقوق الإنسان الخبراء لدى جهة الاستخبارات، أنَّ قواعد التجارب البشرية لدى الوكالة كانت تتفق مع الممارسات الطبية المسؤولة، إلا أنه على الرغم من ذلك فقد حجبت وكالة الاستخبارات المركزية واحدة من أربعة فصول فرعية وردت بالوثيقة خاصة بالتجارب البشرية.
وأوضحت الـ"CIA" بأن الوثيقة كان ساري العمل بها خلال فترة تطبيق برنامج الترحيل السري والاحتجاز والاستجواب المثير للجدل، وبعد الإطلاع علي الوثيقة من جانب إحدى المنظمات الحقوقية فقد قالت إنَّ الجدول الزمني أشار إلى أن وكالة الاستخبارات المركزية تلاعبت في المفاهيم الأساسية للتجارب البشرية للتأكد من أن برنامج التعذيب قد جاء وفقاً للقواعد الموضوعة في ذلك الشأن.
وصرَّح المحقق السابق في جرائم الحرب والباحث حاليا لدى جامعة "هارفارد" في المبادرة الإنسانية ناثانيال راموند، بأنَّ الجريمة الأولى التي ارتكبتها الـ"CIA" كانت التعذيب، أما الجريمة الثانية فكانت البحث دون الحصول على موافقة من أجل القول بأن ما قامت به لم يكن تعذيبًا.
فالوثيقة التي تتضمن المبادئ التوجيهية والمؤرخة بتاريخ يرجع إلى عام 1987 والتي تم إجراء التحديثات عليها على مدار الأعوام السابقة ما زال يتم العمل بها داخل وكالة الاستخبارات المركزية "CIA"، وقد تم السماح بالإطلاع عليها بموجب قانون حرية المعلومات من قبل إتحاد الحريات المدنية.
وفي الفصل الذي يتحدث عن "القانون والسياسة التي تحكم السلوك" بوثيقة وكالة الاستخبارات المركزية فقد كشف عن أن الوكالة لا تراعي الإرشادات فيما يخص الممارسات الطبية المسؤولة والإنسانية التي حددتها الحكومة الأميركية من خلال وزارة الصحة والخدمات الإنسانية.
كما أن الوثيقة في عهد ريغان التي كانت توضح الصلاحيات والقيود المفروضة على وكالة الاستخبارات لم تكن تتضمن ما تأتي به الوثيقة الحالية من وجود سلطة تقديرية يتم منحها لمدير وكالة المخابرات بشأن الموافقة، تعديل أو رفض المقترحات المتعلقة بالأبحاث في موضوع الإنسان.
وأفاد خبراء تقييم الوثيقة، بأنَّ الإرشادات الخاصة بالتجارب البشرية من الصعب التوصل فيها لفهم رؤية وكالة الاستخبارات المركزية "CIA" فيما يتعلق بحدود الأبحاث الطبية، وهي الحدود التي قال الخبراء إن الوكالة وطاقمها الطبي قد انتهكوها خلال برنامج الاستجواب، الاعتقال والترحيل السري بعد أحداث الحادي عشر من أيلول/ سبتمبر بحق المعتقلين مثل "أبو زبيدة" الذي كان أول من يطبق عليه أسلوب التعذيب الوحشي الذي يقوم على الإيهام بالغرق.
وبيَّن الخبير من إتحاد العلماء الأميركيين ستيفن افترجود، أنَّ هناك تناقضًا ما بين متطلبات هذه القواعد وبين إجراءات برنامج التعذيب، مشيرا إلى أنَّ وكالة الاستخبارات المركزية "CIA" التي لم تصدر تأكيدًا رسميًا بوجود تعذيب لمعتقلين أصرت على أن وجود الطواقم الطبية كان لضمان تطبيق أساليب التعذيب وفقًا للقواعد الطبية الصارمة.
ونوَّه افترجود بأنَّ العديد من حالات التعذيب الواردة في تقرير مجلس الشيوخ الذي رفعت عنه السرية منذ ستة أشهر سجلت القلق بين طاقم عمل "OMS" ودوره في عمليات الاستجواب، فهناك انفصال بين متطلبات هذه اللائحة من إتحاد العلماء الأميركيين وبين إجراء برنامج الاستجواب، إلا أنَّ أطباء آخرين وخبراء من حقوق الإنسان الذين انتقدوا لفترة طويلة دور الفريق الطبي في التعذيب أشاروا إلى أنَّ طاقم عمل OMS ساعد كثيرًا على تقديم المساعدات الطبية للمعتقلين وإبقاؤهم قادرين على تحمل المزيد من الاستجوابات المسيئة.
وأشار ستيفن أفترجود، إلى أنَّ وكالة الاستخبارات المركزية "CIA" قد تكون أيضًا بحاجة إلى دراسة آثار جهاز كشف الكذب على وكلائها وتقييم أدائها تحت ظروف من الضغط أو دراسة المؤثرات الفسيولوجية للخداع.