دمشق - نور خوّام
ظهرت صور جديدة لأفراد تنظيم "داعش" المتطرف، مستخدمين "الجرافة"؛ لهدم دير مسيحي، يعود تاريخه إلى ألف وخمسمائة عام في سورية، حيث استخدم التنظيم الوحشي، معدات البناء الثقيلة في هدم دير "مار إليان" أحد الكنوز السورية الوطنية المشيدة في مدينة القريتين منذ عام 432.
ونشر مؤيدو تنظيم "داعش" المتطرف، الصور على الانترنت، وأثنوا على من هدمه؛ لأن "الله لم يعبد في هذا المكان"؛ بل واعتقل المتطرفون أكثر من مائتي شخص عند استيلائهم على القريتين وأخذوهم إلى عاصمة "داعش" الرقة.
ويستمد الدير الآشوري المدمر، اسمه من القديس إليان الذي استشهد لرفضه استنكار المسيحية على يد أبيه، الذي كان مسؤولًا رومانيًا، ونسبت عدد من المعجزات إلى القس إليان الذي كان طبيبًا، وشيدت الكنيسة في المنطقة التي توفي فيها ورفاته موجودة في تابوت حجري صغير داخل كنيسة صغيرة، قرب سردابها الرئيس.
وعندما أدخلت تجديدات على الدير في عام 1969، تم التخلص من الجبس الذي كان يغطي الجدران ليكشف عن رسومات مذهلة لعيسى والسيدة ماري والأنبياء يعود تاريخها إلى القرن السادس، وعمل كاهن يسوعي إيطالي الأب باولو دال أوغليو، على تجديد الكنيسة مرة ثانية، منذ قرابة عشرة أعوام الذي اختطفه مقاتلي "داعش" المتطرف في تموز/يوليو 2013 على الرغم من عدم معرفة مصيره، وجاءت أنباء من وكالة أخبار الآشوريين الدولية، أنّه قتل على يد أحد المقاتلين، سعودي الجنسية عند اعتقاله.
وجاء عن المرصد السوري لحقوق الإنسان، أنّ من بين 230 شخصًا اختطفهم التنظيم المتطرف في القريتين، مختطفين من الكنيسة، وأبرز رئيس المرصد رامي عبدالرحمن، أنّ أكثر من 100 شخص منهم –وقد يكون من بينهم مسيحيين – نقلوا إلى عاصمة التنظيم في الرقة التي دمرتها الحروب.
وجاءت هذه الأعمال البربرية الأخيرة بعد أيام، من ذبح التنظيم، لأحد أكثر علماء الآثار السوريين احترامًا لرفضه الكشف عن التحف الذهبية والنفيسة في مدينة تدمر، فيما اعتقل "داعش" خالد الأسد، 82 يومًا كرهينة لما يزيد عن شهر قبل ذبحه.
ولفتت مجموعة مسيحية إلى أنّ عمليات الاختطاف كانت آخر الأحداث التي تعرض لها المجتمع المسيحي، وهم من أقدم السكان المسيحيين في الشرق الأوسط، مضيفين أنّ "داعش" دمر أيضًا العشرات من الكنائس والمواقع الأثرية القديمة في العام الماضي، وأثارت المجموعة الغضب العالمي عندما صور مقاتليها تدمير مجموعة من التماثيل والهياكل التي لا تقدر بثمن داخل متحف الموصل، وتبين فيما بعد أنّ معظم التماثيل يبلغ عمرها 3000 وكانت لا قيمة لها لأنها نسخ طبق الأصل من التحف الحقيقية التي تقع بأمان في العاصمة بغداد.
وبعد أن نشرت اللقطات في شباط/فبراير، أكد محافظ الموصل المنفي، أنّ الغالبية العظمى من هذه التماثيل مزيفة؛ ولكن اثنان منها على الأقل أصيلة، وذكر أثيل نوافي في تصريح صحافي، أنّ أحدها مجنح بول والآخر إلاله روزهان، ويعتقد بأن مجنح بول الذي حطمته المطرقة الثقيلة، التمثال نفسه الموجود على أبواب نينوى في القرن السبع قبل الميلاد، وكان ينظر إليه على أنّه ذو أهمية بالغة محليًا؛ لأنه كان واحدًا من الأشياء القديمة القليلة التي لم تغادر البلاد أو تنقل إلى بغداد.
وفي نيسان/ابريل، أظهرت لقطات "داعش" مستخدمة المطارق الثقيلة والبراميل المتفجرة لهدم مدينة نمرود عراقية - قرب الموصل - التي يعود تاريخها إلى القرن 13 قبل الميلاد، إذ حطم مقاتلون المنحوتات البالغ عمرها 3000 وألواح حجرية منحوتة قبل تجريف وتنفجر الانقاض.
وقال أحد المتعصبين في الفيديو: "لقد كرمنا الله في الدولة الإسلامية بإزالة كل هذه الأصنام والتماثيل التي تُعبد من دون الله في الايام الماضية" وتعهد آخر بأنه "كلما استولينا على قطعة أرض، سنطهرها من دنسات الوثنية ونشر التوحيد"، وقبل أسابيع، دمر، التنظيم المتطرف، مدينة الحضر العراقية التاريخية بواسطة بنادق AK-47 والمطارق، وأظهر فيديو آخر المتطرفين أثناء تحطيمهم الأضرحة والتماثيل في مدينة عمرها 2000 عام، التي منحتها "اليونسكو" مركز التراث العالمي في عام 1985.
ومرة ثانية، يحدق أحد المتطرفين في عدسة الكاميرا، وأعلن أنهم دمروا المدينة لأنها "تُعبد من دول الله"، وفي حزيران، فجر التنظيم، ضريحين في مدينة تدمر السورية التي احتلتها في الشهر السابق، كما فجروا اثنين من مقابر أحفاد النبي محمد، التي يرون أنها هي "الهاء"، بحسب ما أكده مدير الاثار السورية.
وأفاد مأمون عبد الكريم، أنّه في الوقت الذي دمرت فيه "داعش" أكثر من 50 ضريحًا تتراوح أعمارها ما بين 100 و200 عام، في مناطق الشمال الشرقي التي تسيطر عليها، فإنهم اعتبروا هذه الأضرحة الإسلامية ضد معتقداتهم، ومنعوا جميع الزيارات إلى هذه المواقع.