بيروت _صوت الامارات
يدفع رئيس الحكومة المكلف مصطفى أديب باتجاه المداورة بين الحقائب الوزارية، خلافاً لممارسات سادت في السنوات الماضية جعلت طوائف وأحزاباً تتمسك بوزارات معينة، وصولاً لاعتبارها أخيراً أشبه بحقوق مكتسبة، ورغم ما يحكى عن حلحلة في مجال قبول القوى السياسية بمبدأ المداورة بين الحقائب هذه المرة انسجاماً مع المبادرة الفرنسية، تفيد المعلومات بتمسك «الثنائي الشيعي» المتمثل في «حزب الله» وحركة «أمل» بوزارة المال، في إطار تمسكه بما بات يعرف بالتوقيع الشيعي على المراسيم التي يوقعها عادة رئيس الجمهورية المسيحي، ورئيس الحكومة السني، والوزير الثالث المختص الذي عادة ما يكون وزير المال.
اقرأ أيضا:
الرئيس الفرنسي يوبخ صحافيًا كشف تفاصيل لقاء جمعه مع ممثل "حزب الله"
ويشير الوزير السابق والخبير القانوني زياد بارود إلى وجود نوعين من المراسيم: المراسيم التي تصدر عن مجلس الوزراء بعد مداولات يتبعها إما توافق وإما تصويت بالنصف زائداً واحداً، أو بالثلثين، على قضايا محددة. أما النوع الثاني، فالمراسيم العادية التي لا تحتاج لقرار مجلس وزراء، إنما لتوقيع رئيسي الجمهورية والحكومة، إضافة لتوقيع الوزير المختص، فإذا كان هناك شق مالي يوقع وزير المال كوزير مختص.
ويضيف بارود: «لا شيء في الدستور يطوب وزارة معينة لطائفة أو مذهب أو حزب معين، فكل ما ينص عليه المناصفة بين المسيحيين والمسلمين، إلا أن العرف درج على توزيع الحقائب مذهبياً وبحسب النسب المعتمدة في مجلس النواب».
ويوضح بارود أنه «حتى بعد التعديلات الدستورية التي تمت عام 1990 لم يتم تخصيص حقائب محددة لطوائف معينة، فالمالية مثلاً تنقلت بين السُّنة والموارنة والأرثوذكس والشيعة، أما تمسك مكون طائفي معين بها اليوم فيتم بإطار نوع من التفاهم السياسي غير المرتبط بتاتاً بالدستور».وكما يتمسك الشيعة منذ سنوات بوزارة المالية، يتمسك الموارنة بوزارة الخارجية، والسُّنة بالداخلية. ولا يقتصر الإصرار على وزارات معينة على الطوائف، إذ يصر «التيار الوطني الحر» عند تشكيل أي حكومة على الحصول على وزارة «الطاقة»؛ مبرراً ذلك بأنه أعد مشروعاً لتأمين الكهرباء، علماً بأنه رغم كل الوعود فلا تزال التغذية الكهربائية بأسوأ أحوالها. ويحمِّل «التيار» خصومه المسؤولية متهماً إياهم بالعمل على إفشال مشروعاته. كذلك يتمسك تيار «المستقبل» بوزارة الاتصالات، ويصر رؤساء الجمهورية على الحصول على وزارة الدفاع.
ويشير الباحث في «الشركة الدولية للمعلومات» محمد شمس الدين، إلى أنه لم تكن هناك وزارات حكراً على أي طائفة قبل اتفاق الطائف، وكانت هناك مداورة عادية وطبيعية؛ لكن بعد «الطائف» شاع الحديث عن أن وزارة المالية أصبحت من حصة الشيعة من دون تكريس ذلك دستورياً، لافتاً إلى أن «أول وزير للمالية بعد الطائف كان شيعياً، كما في الحكومة الثانية والثالثة. وبعد ذلك تولى المالية الرئيس الراحل رفيق الحريري، وهذا الأمر كان يعتمده الرئيس رشيد كرامي، إذ غالباً ما جمع رئاسة الحكومة إلى وزارة المالية».
العقوبات وخلط الأوراق:
وفي سياق متصل عاد المدير العام للأمن العام اللواء عباس إبراهيم من باريس حاملاً في جعبته الخبر اليقين حول الموقف الفرنسي من العقوبات الأميركية المفروضة على المعاون السياسي لرئيس المجلس النيابي نبيه بري، الوزير السابق علي حسن خليل، والوزير السابق يوسف فنيانوس المنتمي إلى تيار «المردة»، بزعامة الوزير السابق سليمان فرنجية، وما إذا كانت مبادرة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون لإنقاذ لبنان بتشكيل حكومة مستقلة لوقف الانهيار المالي والاقتصادي ما زالت على قيد الحياة، أم أن العقوبات أدَّت إلى وأدها في مهدها، وحالت دون ولادة الحكومة في نهاية هذا الأسبوع.
وأطلع اللواء إبراهيم رئيس الجمهورية فور عودته من باريس على نتائج مباحثاته مع السفير برنار ايمييه والفريق المكلف متابعة المبادرة الفرنسية، لا سيما ما وصل إليه مسار تشكيل الحكومة. ونقل إبراهيم إلى الرئيس عون اهتمام فرنسا بمتابعة ما اتفق عليه خلال زيارة ماكرون، خصوصاً لجهة الإسراع في تشكيل الحكومة التي يجب أن تضم اختصاصيين في مجالاتهم لا يلقون معارضة من ممثلي الأحزاب.
فالعقوبات الأميركية أحدثت إرباكاً قد يدفع باتجاه إعادة خلط الأوراق على خلفية اضطرار الثنائي الشيعي إلى التصلُّب والتعامل معها على أنها رسالة أميركية تتجاوزه إلى إحباط الجهود الرامية إلى تهيئة الظروف لتأمين ولادة طبيعية لحكومة الرئيس مصطفى أديب.
وفي المقابل، هناك مَن يعتقد أن العقوبات الأميركية يمكن أن تكون بمثابة كاسحة ألغام يراد منها تنعيم مواقف الأطراف المعنية بولادتها، وتحديداً الثنائي الشيعي، إضافة إلى تمرير رسالة للرئيس ماكرون مفادها أنه لا مجال للانفتاح على «حزب الله» إلا من خلال الاستراتيجية التي تعتمدها واشنطن لتضييق الخناق عليه لإجباره على الانكفاء إلى الداخل اللبناني ووقف تدخّله في الشؤون الداخلية العربية لزعزعة استقرارها.
وبكلام آخر، فإن الصدمة التي أحدثتها العقوبات الأميركية قد تؤدي (بحسب المصادر) إلى تجميد المشاورات الجارية لتشكيل الحكومة، مع أنها بدأت تحقق تقدماً ملموساً ما لم يبادر «حزب الله» إلى تغيير سلوكه في الداخل، وامتداداً في الخارج، لأنه بذلك ينقذ المبادرة الفرنسية ويعيد إليها الروح، لأن سَحْبها من التداول يقطع الطريق على إيجاد البدائل لإنقاذ لبنان وانتشاله من الهاوية، باعتبار أنها تشكل الفرصة الأخيرة التي قد لا تتكرر بالتزامن مع عودة الاهتمام الدولي بلبنان.
وتلفت المصادر نفسها إلى أن هناك ضرورة للخروج من الصدمة التي أحدثتها العقوبات الأميركية لمصلحة الانفتاح على المبادرة الفرنسية، في حال أن الموفد الرئاسي اللواء إبراهيم عاد من باريس بمعطيات تؤكد أنها ما زالت قائمة، وتؤكد أن «الثنائي الشيعي»، وإن كان تعامل مع العقوبات على أنها رسالة موجّهة ضده، فإن لديه القدرة على تجاوزها رغبة منه في الحفاظ على علاقته بفرنسا.
وتقول إن اعتقاد البعض بأن العقوبات تتجاوز الثنائي الشيعي إلى ضرب المبادرة الفرنسية يتطلب منه الالتفاف على العقوبات لمصلحة الانفتاح على مبادرة ماكرون، وألا يكون قد أوقع نفسه في المأزق الذي لن يتسبب بإزعاج واشنطن إذا صح ما يقال بأنها ليست في وارد أن تبلع هذه المبادرة، وتنظر إليها بإيجابية.
أما في حال اعتقاد هذا البعض بأن التوقيت الأميركي الذي اختارته واشنطن لفرض العقوبات تلازم مع وجود ماكرون في بيروت، في الوقت ذاته الذي أعلن فيه مساعد وزير الخارجية الأميركية لشؤون الشرق الأوسط، ديفيد شينكر، بأن رزمة من العقوبات ستصدر هذا الأسبوع، كما حصل بالفعل، وبالتالي لضرب المبادرة الفرنسية، فإن الذين يشاركون في المشاورات لتأليف الحكومة كانوا على علم بصدورها كدفعة أولى تليها دفعة ثانية من العقوبات تصدر قريباً.
لذلك، فإن مشاورات التأليف بدأت بالتزامن مع صدور العقوبات، وهذا يعني بأنها لم تشكل مفاجأة، وأن المعنيين بها استمروا في مشاوراتهم، قبل أن تتوقف مع رد فعل الثنائي الشيعي عليها، رغم أنها أدت إلى وجود استعداد لرفع عدد الوزراء من 14 إلى 18 أو 20 وزيراً اقترن بانفتاح شيعي على مبدأ المداورة قبل أن ينقلب الثنائي الشيعي على موقفه بإصراره على التمسك بوزارة المالية كرد فعل منه على العقوبات.
وعليه، فإن الغموض المفاجئ الذي بات يتحكّم بمصير الخطوات اللاحقة لاستكمال المشاورات الخاصة بالتأليف لن يطول ولا بد من أن يتوضّح في ضوء الموقف الفرنسي الذي يحمله معه اللواء إبراهيم ليكون في وسع الأطراف المعنية بالتأليف أن يكونوا على بيّنة من الخطوات التالية التي سيقوم بها ماكرون.
ومع وضوح الموقف الفرنسي، فإن مصير تأليف الحكومة يقترب حالياً من مرحلة الحسم، وربما قبل انتهاء المهلة التي حددها ماكرون لولادتها، فهل سترى النور أم أن لبنان سيدخل في نفق لا يستطيع هذا الطرف أو ذاك التكهُّن إلى أين سيأخذ البلد الغارق، في نكباته، في ظل غياب مَن يمدّ له يد العون بعد إهدار فرصة لإنقاذه، التي كان لرؤساء الحكومات السابقين دور في فتح كوّة في حائط الأزمة، أحيت الأمل بوقف انهياره، لكنها سرعان ما أعادته إلى نقطة الصفر؟
قد يهمك أيضا:
مصطفى أديب يحصل على دعم غالبية النوّاب اللبنانيين لتولّي رئاسة الحكومة
وزير الخارجية الأميركي يدعو المجتمع الدولي إلى محاسبة النظام الإيراني على جرائمه