الباحث القانوني أحمد عبدالمتجلي

شدد الباحث القانوني أحمد عبدالمتجلي، على أن العدالة الانتقالية المُزمع تطبيقها تستهدف إمكانية تحقيق القصاص العادل ومحاسبة المسؤولين، وفق منظومة قانونية جديدة تسمح للمرة الأولى بالمحاسبة على الجرائم ضد الإنسانية، وتضع تهمة المسؤولية الجنائية لكبار المسؤولين ممن هم غير متورطين بشكل مباشر في أحداث العنف. وأكد عبدالمتجلي، أن "العدالة الانتقالية ستعالج القصور الشديد في منظومة العدالة الجنائية الموجودة في مصر، والتي أدخلتنا في مهرجان البراءات لكبار المسؤولين، ومكّنتهم من الإفلات من العقوبة، وتوريط صغار الضباط والجنود بدلاً منهم ليتم معاقبتهم، في حين يفلت صاحب المصلحة من الوزراء والرئيس المخلوع حسني مبارك رغم كونهم من ورّطوا هؤلاء الضباط في جرائمهم، ولولاهم لما حدثت هذه الجرائم من الأساس".
جاءت تصريحات الباحث القانونيّ، خلال اللقاء المُوسّع الذي نظمه، مساء السبت، مركز إعلام أبوتيج التابع للهيئة العامة للاستعلامات، بحضور 55 طالبة ومدرس من ثلاث مدارس ومعاهد للتمريض والفنية التجارية، في مقر المركز الثقافي لـ"جمعية أصدقاء أحمد بهاء الدين"، في قرية الدوير مركز صدفا في أسيوط.
وأوضح الباحث، خلال اللقاء، أن مسوّدة قانون العدالة الانتقالية والتي يجري مناقشتها حاليًا، ستُقرّ للمرة الأولي تهمة "الجرائم المشتركة"، بمعنى أن الوزير المشارك في الجريمة هو فاعل أصلي كالضابط القائم بالتعذيب أو القتل، وبالتالي يمكّن القانون من محاكمة المسؤولين عن هذه الجرائم، في إرساء جديد لمبدأ المسؤولية الجنائية للمرة الأولى في الحياة المصرية، بما يُمكّن مستقبلاً من تغيير وتنمية أعمال ومسؤوليات هؤلاء الوزراء، وأن نظام العدالة الانتقالية الجاري تطبيقه سيضمن كذلك تعويض الضحايا وجبر الضرر وإزالته معنويًا عبر إطلاق أسماء الشهداء علي الشوارع وتخليد ذكراهم، وماديًا عبر مبالغ لمن تضرروا من التعذيب، فضلاً عن تطهير مؤسسات الدولة للحدّ من النفوذ الساسييّ والاقتصاديّ من رموز النظام السابق، وإقصاء الضالعين في جرائمهم، بالإضافة إلى تحقيق الإصلاح المؤسسيّ بهدف منع تكرار المخالفات التي حدثت، وفي ذلك الأمر إعادة تنظيم جهاز الشرطة، وأن أهم أهداف العدالة الانتقالية المزمع تنفيذها من خلال وزارة العدالة الانتقالية الحالية، المُشكّلة لذلك، فهي المصالحة الوطنية، والتي لا تعني ولا تشمل التسامح مع المتورطين في الجرائم، ولكنها تعني بشكل أساسي المُهمّشين الذين تم إجهاض حقوقهم طوال العهود السابقة كأهالي النوبة وسيناء والصحراء الغربية، وأن العدالة الانتقالية سيتم تطبيقها لمدة عامين فقط في مصر، لكونها قوانين استثنائية، ولا يصلح استمرارها على الدوام.
وأشار عبدالمتجلي، إلى أنه "خلال فترة التطبيق، ووفقًا للمسوّدة الحالية، سيسمح لكل مواطن بالتقدم إلى نيابات حماية الثورة بالبلاغات التي تضمن حالات نهب المال العام وكذلك الاعتداء على الأشخاص، وذلك خلال الفترة من العام 1981 وحتى حزيران/يونيو 2013، مضيفًا  أنه "في حال إقرار القانون قبل الحكم على مبارك، ستتقوم محكمة الجنائيات بإحالة مبارك إلى محاكم حماية الثورة، وفقًا لبنود القانون لذلك فمن المصلحة الوطنية سرعة إقرار القانون، قبل إفلات أي جاني من القانون، وأن القانون تم المُنادة به من قبل خبراء القانون عقب اندلاع ثورة 2011، ولكن لم يُطبّق ولو تم تطبيقه كان سيجنبنا الكثير من الاضطرابات والانقسامات التي شهدتها مصر خلال عامي ما بعد الثورة.
واستعرض الباحث عبدالمتجلي، خلال اللقاء، نماذج دولية عدة وظروفًا مختلفة طبّقت القانون، موضحًا أوجه التشابه والاختلاف وأسباب النجاح والتعثّر في كلاً من الأرجنتين والتي طبقتها على 8600 حالة خلال عامي 2000 وحتى 2002، وكذلك سيراليون التي طبقتها على 8 آلاف قضية خلال عامين، وجنوب أفريقيا والتي نفّذها على 21 ألف قضية خلال الفترة من 1995 - 1998 للجرائم منذ 1960 وحتى 1994، وأيضَا تشاد والتي طبقها على 3800 قضية، والمغرب والتي طبقتها على 42 ألف قضية، لافتًا إلى أن "نظم العدالة الانتقالية، والتي يعكف عليها وزير الدولة للعدالة الانتقالية الحالي ومعاونيه، ستقوم بتشكيل هيئة المحاسبة والعدالة ومحاكم لحماية الثورة، وكذلك نيابات لحماية الثورة، وذلك في المحافظات كافة، وسيتم تشكيلها من خلال مجموعة من القضاة المتميزين في كل محكمة، ليوكل إليهم الحكم وفق هذه القوانين الجديدة وآلياتها غير الموجودة في القوانين العادية، من حيث الجرائم السياسية، وأن القانون لا يزال صوب الإقرار، متمنيًا بأن يتم إدخال الجرائم الاقتصادية ضمن آلياته، مثلما كانت تجربة كوريا الجنوبية، قائلاً "إنه لو حدث ذلك سيضيف الكثير من الآمال المرجوة لهذا الشعب، لأن هنالك جرائم اقتصادية في غير حالات نهب المال العام".
وقد عقدت على هامش اللقاء، جلسات نقاشية وحوارت بين الجمهور والباحث، تناولت نماذج التطبيق وكيفيته، فضلاً عن مجريات العمل الحالي، وما يمكن أن يضيفه إلى منظومة القضاء العادل، بالإضافة إلى الأحكام المتوقعة في ظل هذا القانون الجديد، وذلك في حضور مدير مركز إعلام أبوتيج التابع للهيئة الاستعلامات محمد بكري، ومسؤول الإعلام التنموي لقطاع جنوب أسيوط في هيئة الاستعلامات، وكذلك مدير المركز الثقافي لـ"جمعية أصدقاء أحمد بهاء الدين" الثقافية.