تونس ـ أزهار الجربوعي
أعلنت وزارة الداخلية التونسية أنها قررت فتح تحقيق داخلي بأمر من الوزير لطفي بن جدو، في شأن اتهام بعض قياداتها بالتواطؤ في اغتيال المعارض محمد البراهمي، على خلفية ادعاءات بتقصير الوزارة في حمايته، رغم ورود تحذير من وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية "سي أي إيه"، يشير إلى استهدافه بالقتل من قبل جهة "سلفية". يأتي ذلك فيما
توجه السفير الأميركي لدى تونس برسالة إلى الشعب التونسي، لمناسبة مرور عام على ذكرى اقتحام السفارة الأميركية لدى تونس، من قبل عناصر متشدّدة، مؤكدًا أن "بلاده ستواصل دعم الانتقال الديمقراطي في تونس، ومساندتها في مكافحة الإرهاب، وأن المتطرفين فشلوا في تدمير العلاقات بين الدولتين، التي تعود إلى 200 عام".
وتفيد الوثيقة، التي حصل "العرب اليوم" على نسخة منها، أن "إدارة الأمن الخارجي التونسي تلقّت مراسلة من رئيس وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية، تشير إلى إمكان استهداف عضو المجلس الوطني التأسيسي، الأمين العام السابق لحركة الشعب ومؤسس حزب التيار الشعبي محمد البراهمي، من قبل عناصر سلفية، دون إيضاحات أخرى"، وفق نص الوثيقة.
وأعلن وزير الداخلية التونسي لطفي بن جدو أنه "أمر بفتح تحقيق إداري وعدلي، بشأن وثيقة تثبت أن جهة أجنبية (وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية) أعلمت الوزارة بأن البراهمي مهدد بالاغتيال، قبل مقتله بـ11 يومًا"، نافيًا علمه بالوثيقة، مؤكدًا أنه سيتم التثبت من المعلومات التي جاءت في الوثيقة، ومحاسبة كل من اضطلع بالتقصير في التعاطي معها بجدية"، دون أن يستثني نفسه من التحقيق.
من جانبه أكّد مدير عام الأمن العمومي مصطفى الطيب بن عمر، المسؤول الأول عن الوثيقة، أن "وزارة الداخلية تلقت الوثيقة، التي تُفيد بأن هناك إمكان لاغتيال النائب في المجلس التأسيسي محمد البراهمي".
ووفق مصطفى الطيب بن عمر فأن "هذه الوثيقة أرسلتها جهة استخباراتية أجنبية، في إطار منظومة التعاون الدولي لمكافحة الإرهاب"، نافيًا أي "تهاون في التعاطي مع الوثيقة، حيث تمّ على مستوى الاستخبارات الداخلية التعامل مع هذا التهديد بكل جدية، واتخاذ جميع التحريات، غير أن أجهزة الأمن لم تجد ميدانيًا ما يثبت وجود أي تهديد قد يطال شخص الفقيد محمد البراهمي، سواءًا رسائل مشفرة، أو مكالمات هاتفية، أو بلاغ في هذا الإطار"، معتبرًا اتهام كوادر الداخلية بالتواطؤ في اغتيال البراهمي "مجرد توظيف سياسي لظرف أمني دقيق".
وفيما يتعلق بفتح التحقيق، الذي أعلن عنه وزير الداخلية لطفي بن جدّو،أشار مدير عام الأمن العمومي إلى أن "هذا الإجراء طبيعي، وعادي، ومعمول فيه، في كل ما يتعلق بالمجريات الهامة، في الوزارة".
من جهتها، أعلنت وزارة الداخلية التونسية أنه "على إثر ما راج من معلومات في وسائل الإعلام، مفادها اتهام أطراف أمنية بالتورط في جريمة اغتيال الشهيد محمد البراهمي، عبر التقصير في اتخاذ الاحتياطات الأمنية الواجبة لحمايته، رغم ورود معلومات في الإعداد لاغتياله، وذلك اعتمادًا على وثيقة إدارية داخلية مسربة، أن الهدف من تكليف وزير الداخلية التفقدية بفتح تحقيق داخلي في هذه المسألة، وتقييم أي تقصير محتمل أو خطأ في التقدير، هو الرفع من أداء المؤسسة الأمنية، وحماية الوطن والمواطنين".
وأعربت الوزارة عن استعدادها الكامل وغير المشروط لوضع كلّ المعطيات على ذمة القضاء، متى طلب منها ذلك، بناءًا على اعتقادها الراسخ باستقلالية ونزاهة الجهات القضائية المتعهّدة، وذلك دون تحفّظ، مؤكدة أنّها "أفشلت العديد من المخططات الإرهابية، والاغتيالات السياسية، وأنّه ليس من مصلحتها وقوع أي عمل إجرامي أو إرهابيّ تتحمل تبعاته ونتائجه".
وطالبت وزارة الداخلية بـ"النأي بالمؤسسة الأمنية وجهودها عن التجاذبات السياسية والحزبية، ومراعاة طبيعة العمل الأمني، ومقتضياته، واحترام استقلالية القضاء، وما تعهد به من قضايا، ومساعدته على إقامة العدل والإنصاف"، ملوحة بـ"التتبع العدلي ضد كل من يتعمد الإساءة إليها، وإلى رجالها".
وكانت هيئة الدفاع في قضية اغتيال المنسق العام لحزب "التيار الشعبي" المعارض محمد البراهمي، قد سربت وثيقة سرية قالت أن جهة استخباراتية أجنبية بعثت بها إلى وزارة الداخلية، تحذرها من أن البراهمي مستهدف بالقتل، من قبل مجموعة "سلفية متشددة", مطالبة بالتحقيق مع القيادات الأمنية للوزارة، لتهمة التواطئ والتقصير في حماية البراهمي، وعدم التعامل بجدية مع الإشعار الأجنبي.
على صعيد آخر، وجّه السفير الأميركي في تونس جاكوب والس رسالة إلى الشعب التونسي، قال فيها "إن المتطرفين فشلوا في زعزعة وتدمير العلاقات المتينة بين تونس والولايات المتحدة، التي تعود إلى أكثر من 200 عامًا"، مضيفًا أنه "لا يمثل أولئك المتطرفون، الهمجيون، الذين هاجمونا قبل عام، قيم التسامح والاحترام المتبادل، التي تميز المجتمع التونسي، إذ لم يسعوا فقط لتدمير مباني السفارة، والمدرسة الأميركية، بل والعلاقة الضاربة في عمق التاريخ بين شعبينا، لكن يتجلى بوضوح الفشل الذريع الذي منوا به، في كلتا الواجهتين".
وتأتي رسالة والس في الذكرى الأولى لمحاولة اقتحام السفارة الأميركية، من قبل مجموعات محسوبة على التيارات "السلفية"، احتجاجًا على فلم أميركي مسيء للإسلام، في 14 أيلول/سبتمبر الماضي، حيث تم حرق أجزاء خارجية من السفارة، كما خلّف الاعتداء، الذي طال المدرسة الأميركية، مقتل عدد من الشباب التونسي، المحسوب على التيار "السلفي"، في مواجهات مع الأمن، واخرين قضوا جوعًا في السجون، إثر دخولهم في إضرابات وحشية عن الطعام، احتجاجًا على حملة الاعتقالات الواسعة، التي طالت أنصار التيارات "الدينية المتشددة".
وقال السفير الأميركي في رسالته إلى الشعب التونسي، السبت، "لو نجح المتطرفون في هجومهم، لكانوا قد دمروا هذه الفرص القيمة في التعليم، والعمل، المتاحة للتونسيين في الولايات المتحدة، فمن حسن الحظ أنهم فشلوا، وبالتالي لا تزال علاقة التعاون المتبادل بين البلدين مستمرة، حتى أنها شهدت تطورًا خلال العام الماضي".
وأضاف والس "لم تؤثر تحديات العام الماضي على تواصل العمل القيم على صعيد الديبلوماسية، والتعليم، والأعمال، والتبادل بين بلدينا، على غرار ما شهدته الأعوام المئتين الماضية، كما تواصل الدول الصديقة لتونس، بما في ذلك الولايات المتحدة، دعم تحول تونس إلى الديمقراطية".
وتابع "يكتسي تواصل التعاون التاريخي بين الشعب التونسي والولايات المتحدة الأميركية، اليوم ومستقبلاً، أهمية جد بالغة، أكثر من أي وقت مضى، لا سيما في هذه الفترة الحرجة من تاريخ تونس".
وأكد السفير الأميركي أن "التونسيين عانوا من أحداث عنيفة طوال العام الماضي"، مجددًا "إدانة بلاده لاغتيال القادة السياسيين شكري بلعيد و محمد البراهمي"، ومنددًا بـ"ذبح 8 جنود تونسيين، في كمين إرهابي في جبل الشعانبي، الشهر الماضي".
ولفت جاكوب والس إلى أنه "لا مكان للعنف في خضم التحول إلى الديمقراطية، الذي تشهده تونس، وأنه يجب البعث برسالة رفض تام لأولئك الذين يعتمدون العنف والإرهاب مطية لتحقيق أهدافهم"، داعيًا إلى تقديم "المتطرفين والمسؤولين عن جرائم الاغتيال إلى العدالة".