غزة - محمد حبيب
تظهر للمرة الأولى في قطاع غزة حركة احتجاجية وإن كانت فقط حتى الآن في العالم الافتراضي عبر شبكة "الانترنت" وهي عبارة عن مجموعة من الشبان الفلسطينيين في القطاع الذي تسيطر عليه حركة "حماس"، يعلنون عن تشكيل حركة أطلقوا عليها اسم "تمرّد على الظلم في غزة"، وسرعان ما وصل صدى تلك المجموعة إلى الآلاف الذين بادروا بزيارة الصفحة التي أسستها حركة "تمرّد غزة" على موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك".
وعلى وقع تنامي الحديث عن "حركات التمرد" في قطاع غزة، يتساءل الكثيرون عن دوافع حث القائمين عليها سكان القطاع على المشاركة في مظاهرات يوم 11 نوفمبر/تشرين الثاني المقبل لإسقاط الحكومة التي تديرها حركة المقاومة الإسلامية (حماس).
وتحاول صفحات على مواقع التواصل الاجتماعي تطلق على نفسها مسميات (تمرد على الظلم وتمرد فلسطين وتمرد لإسقاط حكم حماس، وغيرها) محاكاة حركة تمرد المصرية في استخدامها لأساليب الحشد والتعبئة ضد حماس وحكومتها.
الإعلان عن انطلاق تلك الحركة كان قبل أيام معدودة وعبر مقطع فيديو انتشر في مواقع الإنترنت، وظهر فيه أربعة شباب ملثمون بالعلم الفلسطيني ومن خلفهم شعار الحركة التي أعلنت أن أهدافها تكمن في إنهاء حالة الانقسام التي يعيشها الشعب الفلسطيني منذ سبعة أعوام وإسقاط حكم حماس في قطاع غزة.
كما دعا المتحدث باسم الحركة الشعب الفلسطيني إلى النزول في الشوارع والميادين العامة يوم الحادي من نوفمبر/تشرين الثاني المقبل لإسقاط حكم الإخوان المسلمين في قطاع غزة.
وقال المتحدث الإعلامي باسم الحركة الذي رفض الكشف عن اسمه في تصريح صحفي وزع على وسائل الاعلام: "إن الحملة بدأت بعد تطور الأحداث المتسارعة في الدول المجاورة وتحديداً مصر، خاصة مع ازدياد الظلم الذي أصبح لا يطاق في قطاع غزة من قبل حكومة حماس تجاه شعبنا في غزة، فقد عاش أهل غزة على مدار السنوات السبع الماضية في ظلم واعتقال وقهر وتدهور اقتصادي وسياسي واقتصار الامتيازات على قيادة حماس وكل من يدين لها بالولاء فقط، وهذا إن دلّ فيدلّ على احتكار السلطة وعدم المساواة الاجتماعية، فكل ما يحدث الآن على أرض الواقع في غزة من قبل حكومة حماس يستدعي للتمرد ضد هذا الظلم والفساد الواضح".
وأضاف "لسنا ضد حركة حماس ولكننا ضد نهجها السياسي، فهم جزء من النسيج الوطني ومكوناته السياسية"، وأشار الى أن "النهج السلطوي والديكتاتوري الذي تطبقه حماس على أرض الواقع يخدم المشروع الاحتلالي ولن يصبّ في مصلحة الوطن والمواطن، حيث إنها بسياستها الواضحة تجاه ملف المصالحة وتعطيلها له خدمة لأجندات خارجية جعلت الشعب الفلسطيني يفقد الثقة بسياستها، وبالتالي مطلبنا الأساس واضح وهو الاحتكام الى الشعب من خلال صندوق الانتخابات، ورفع الظلم القائم على الشعب الذي عمد هذه الأرض بدمه وخيرة شبابه في سجون الاحتلال، وسنقف بالمرصاد لكل من يحاول سرقة فلسطين كقضية تحرر لصالح أجندات حزب هنا أو هناك أو دولة هنا أو هناك".
وعن حجم الإقبال من الشارع الفلسطيني للمشاركة وتلبية دعوتهم قال: "الأمور لا تقاس بعدد معجبي الصفحة بقدر الكمّ الهائل من رسائل تأييد تصلنا تقدر بعشرات الآلاف، وكل يوم هناك ازدياد ملحوظ من مثقفين وإعلاميين ونقابيين ومحامين ورجال أعمال، وصراحة تفاجأنا بهذا الحشد والمؤازرة من أهلنا في كل مكان وحتى من أشقائنا العرب وأصدقائنا في دول أخرى".
وأكدت حركة تمرد أنها لم تتلقَّ أي دعم سواء مادي أو سياسي من جهة خارجية، نافية التهم التي وجهها اليهم عضو المجلس التشريعي عن حركة حماس يحيى موسى بأنهم تلقوا تدريبات من جهاز المخابرات المصري وأمن الدولة.
تلك التطورات دفعت بأجهزة الأمن في الحكومة المقالة لشنّ حملة اعتقالات واسعة في صفوف عدد من الشبان اتهمتهم بأنهم ينتمون إلى "تمرّد"، فيما أعلنت "الداخلية" أن الشخص الذي قُبض عليه هو المشرف على الحملة في غزة.
وفي ردّها على ذلك قالت حركة تمرد: "كل ما يتم ترويجه من قبل حركة حماس عارٍ عن الصحة ومحض افتراء للتخويف والترهيب، فتارة يقولون اعتقلنا وتارة يتهمون أهلنا بالضفة وتارة المخابرات، نتوقع الاعتقال ومستعدون لذلك وقد قامت حماس بالفعل بحملة اعتقالات ادعت أنها ألقت القبض على شباب تمرّد، وإذ ننكر هنا أنه ولغاية اللحظة لم يتم القبض على فرد من أفراد حملتنا المنضوين تحت إطارنا، ونتوقع الاعتقال والبطش بل أبعد من ذلك ألا وهو القتل، ولكن بدأنا ولن نتراجع لأنه وبصراحة كفى كفى كفى".
المخاوف من جدية هذه الدعوات وانعكاساتها دفعت برئيس الحكومة المقالة إسماعيل هنية للقول: "أنا مع التمرّد ولكن ضد العدو الصهيوني، هذه لغة يجب ألا تستخدم بيننا، وأدعو الشباب لأن لا يذهبوا إلى هذا الطريق أو في هذا الاتجاه لأنه اتجاه خطير، وله نتائج صعبة على شعبنا ووحدتنا، وأدعو الجميع الى الحوار".
وفي ردّها على تلك الدعوة قالت "تمرّد": "هنية يطلق تصريحاً للمشاركة في إدارة الانقلاب ويعظنا بأن لا نذهب للمجهول، وتصريح آخر من يحيى موسى مناقض تماماً يتهمنا بأننا خونة وعملاء، وببساطة لم يعد هناك قوة على وجه الأرض قادرة على الوقوف في وجه إرادة الجماهير، وننصح حماس بالتفكير ملياً في قراراتها تجاهنا، أما من ناحية الحشد الجماهيري فنحن نقوم بدورنا على أكمل وجه مع إدراكنا الكامل بأن الخوف والرهبة من بطش قوات حماس موجود داخل نفوس أهلنا في غزة نتيجة ما مُورس على مدار السبع سنوات الماضية، ولكن - بإذن الله - واثقون من النتيجة، وواثقون من عملنا وجهدنا والأيام ستثبت ذلك".
ويذهب البعض إلى اعتبار أن تلك الدعوات نتاج حراك شبابي طبيعي نابع من تردي أوضاع القطاع بفعل الحصار والانقسام، بينما يذهب آخرون ومعهم حركة حماس إلى أن ذلك التحرك من صنيع جهات أمنية موالية للسلطة الفلسطينية تريد استثمار فرصة إسقاط حكم جماعة الإخوان المسلمين في مصر للتخلص من حكم حركة حماس في غزة.
ويقول الكاتب السياسي بصحيفة الأيام الفلسطينية أكرم عطاالله إنه إذا ما صح وجود حركة تمرد في غزة فإنها نابعة -وفق تقديره- من شباب فلسطينيين يريدون القيام بفعل يقلدون من خلاله ما جرى في دول عربية.
وأكد أن نجاح عمل مثل هذه الحركات في غزة منوط بمستوى التخطيط، ومدى حقيقة وجودها من عدمه، وما إذا كان هناك من يقف خلفها ويمولها؟ مرجحاً ألا تكون مثل هذه الحركات على مستوى كاف من الجدية.
ويرى عطاالله، ، أن هناك فرقا بين حركة تمرد مصر، وحركة تمرد غزة، يتمثل في أن الأولى هدفت إلى إقصاء الإخوان المسلمين في مصر، بينما تمرد غزة تهدف إلى الضغط على الفصائل الفلسطينية، ليس لإقصاء حركة حماس، بل لإعادة صياغة النظام السياسي الفلسطيني وفقا للمشروع الوطني التحرري الذي تعتبر حركة حماس جزءا أصيلا منه.
من جهته قال مصدر أمني رفيع تابع للحكومة الفلسطينية التي تديرها حركة حماس إن دعوات إسقاط ما يسمونه الإسلام السياسي في غزة تأتي في سياق مؤامرة تديرها أجهزة مخابرات دولية، بتخطيط وتوجيه إسرائيلي وبتمويل من الإمارات ودولة خليجية أخرى لم يسمها.
وأضاف أن لدى الجهات الأمنية المختصة في غزة "وثائق عن اجتماعات حضرها رجال في الاستخبارات الإسرائيلية، ورئيس استخبارات دبي ومندوب عن المخابرات المصرية ومعهم النائب المفصول من حركة فتح محمد دحلان، حيث بحثوا آلية إسقاط معقل حكم الإخوان المسلمين الأخير في غزة".
وأوضح المصدر -الذي فضل عدم الكشف عن اسمه- أن دحلان أعطى معلومات مغلوطة وخادعة لأجهزة المخابرات التي حضرت الاجتماع، وأشار إلى أن هذه المعلومات كانت تتويجاً لمعلومات كان يغذيها الرجل على مدار السنوات السبع الماضية للإمارات والأجهزة الأمنية المصرية في مسعى لشيطنة حركة حماس.
أوضح أن الجهات الأمنية في غزة ضبطت مجموعات تابعة لحركة فتح تخطط لتهييج الجماهير والخروج ضد حكم حماس، مشيراً إلى أن هذه المجموعة تلقت تدريبات من قبل رجال أمن مصريين وعناصر تابعين لجهاز الأمن الوقائي التابع للسلطة في مصر.
وذكر أن الأمن ضبط بحوزة المجموعة أختاما وأسطوانات مدمجة تحمل مواد وأفلاما، ومنشورات كانوا يودون توزيعها للتحريض على القيام بثورة في قطاع غزة.
وأشار إلى أن أحد أفراد المجموعة عميل لمخابرات الاحتلال، حيث تلقى اتصالا من رجل مخابرات إسرائيلي يبلغه فيه بأنه سيعتقل من قبل الجهات الأمنية في غزة على خلفية عضويته في مجموعة تمرد ضد حماس.
وشدد على أن الجهات الأمنية في قطاع غزة تملك من الوثائق ما يشير بالتفصيل إلى وجود خطة مفصلة لإنهاء حكم حماس في غزة، لافتاً أن الخطة تتضمن من بين ما تتضمنه فتح صفحات إلكترونية بغية تسخين الشارع الغزي كمنطلق لتنفيذ كامل الخطة.
وذكر المصدر الأمني أن تمويل مخطط الإطاحة بحكم حماس تقوده الإمارات ودولة خليجية أخرى، مشيراً إلى أن الجهات الأمنية ضبطت الأسبوع المنصرم كمية كبيرة من المال مع أحد القائمين على إمداد حركة تمرد في غزة بالمال.
نجاح أو فشل الدعوة التي وجهتها حركة تمرّد على الظلم في غزة أمر لا يمكن التنبؤ بنتائجه إلا في ذات اليوم الذي حددته الحركة للنزول الى الشارع .. فأكثر من شهرين هي المدة التي تفصلنا عن هذا اليوم الذي قد تسبقه تغيرات سياسية على الأرض لا تبقي للدعوة سبباً.. فدعوة إسماعيل هنية، رئيس حماس والحكومة المقالة في قطاع غزة، إلى إشراك الجميع في إدارة شؤون القطاع قد تشكّل مدخلاً أوسع إلى المصالحة.. وفي المقابل خيارات قد تشكّل شرارة التحركات عبر ما طرحته السلطة الفلسطينية من إعلان قطاع غزة إقليماً متمرداً والدعوة الى انتخابات بمنأى عن مشاركة حركة حماس.