الرئيس الفرنسي هولاند والأمير سعود الفيصل وزير الخارجية السعودي

ظهرت السعودية بمظهر الدولة الرئيسية الداعمة للحكام العسكريين في مصر، وذلك عندما أعلنت صراحة تأييدها للحملة العنيفة التي يقودها الجيش المصري على الإسلاميين من أنصار الرئيس المعزول محمد مرسي، بالإضافة إلى استخدامها ثرواتها وعضلاتها الدبلوماسية لمساعدة مصر في تحدي الضغوط المتزايدة من البلدان الغربية الرامية إلى وضع حد لإراقة الدماء ومحاولة الوصول إلى حل سياسي.
ففي الوقت الذي تدرس فيه كل من الولايات المتحدة والبلدان الأوروبية قطع المساعدات النقدية عن مصر، أعلنت السعودية يوم الاثنين أنها وحلفاءها سوف يعوضون مصر عن أي انخفاض في المساعدات الأمر الذي يضعف من تأثير الضغوط والنفوذ الغربي على مصر.
وتقول صحيفة "نيويورك تايمز" أنه "في الوقت الذي يتهاوى فيه الاقتصاد المصري، ما كان للقيادة المصرية الحالية أن تنجو من الغضب الدولي بسبب حملتها القمعية التي أسفرت عن مقتل ما يزيد عن ألف متظاهر وإصابة ما يقرب من أربعة آلاف، لولا الدعم المالي الذي يقدمه لهم حلفائهم من دول الخليج".
وقبل أيام أدان الملك عبدالله ملك السعودية علنا جماعة الإخوان المسلمين في مصر، وقام بإرسال مجموعة من المستشفيات الميدانية إليها وتعهد في تصريحات علنية نادرة بمواصلة دعم النظام في مصر. كما سافر الأمير سعود الفيصل وزير الخارجية السعودية إلى أوروبا للتصدي إلى الجهود الرامية لفرض عقوبات على القيادة المصرية. كما قدمت السعودية شيكا على بياض إلى القاهرة ووعدت بمزيد من الأموال إذا ما احتاج النظام المصري لذلك.
وقال الملك عبدالله يوم الجمعة في حديث تليفزيوني "أن المملكة تقف إلى جانب مصر ضد كل من يحاول أن يتدخل في شؤونها الداخلية".
ولم تكتف السعودية، وهي حليف مقرب من الولايات المتحدة، فقط بإضعاف الضغوط الغربية من أجل الوصول إلى حل وسط للأزمة في مصر، وإنما كشفت أيضا عن تضاؤل تأثير ونفوذ الولايات المتحدة في العالم العربي. ولم تعد الولايات المتحدة والدول الأوروبية قادرة على إقناع الحكومة المصرية أو إقناع الحكومة السعودية للضغط على العسكر في مصر نحو الاعتدال والتهدئة.
ولا يقتصر هذا الموقف على السعودية وحدها، فهناك أيضا اثنتان من الدول الحليفة للولايات المتحدة وهما إسرائيل ودولة الإمارات اللتان أعلنتا تأييدهما للجيش المصري، وسعيا إلى وقف المساعي الرامية إلى تخفيف حدة الحملة ضد الإخوان المسلمين وحكومة الرئيس مرسي المعزول وأنصاره.
وتقول الصحيفة "أن السعودية التي عادة ما تفضل على مدى تاريخها استخدام دبلوماسية الشيكات من وراء الكواليس، قد انتهزت الفرصة للمساعدة في قلب الثورة المصرية التي كانت قد عارضتها من البداية".
وقد احتج السعوديون بشدة عندما تم إرغام الرئيس حسني مبارك الذي كان حليفا لهم منذ أمد بعيد، على الاستقالة والتخلي عن السلطة، كما امتعضوا بمرارة أكثر عندما تصدرت جماعة الإخوان المسلمين المشهد السياسي في مصر. وربما تشعر السعودية بارتياح إلى الفريق أول عبد الفتاح السيسي الذي سبق وأن عمل ملحقا عسكريا للحكومة المصرية في الرياض، كما ورد بسيرته الرسمية على موقع الجيش المصري على شبكة الإنترنت.
ويقول أماندا روجرز المحاضر بجامعة "أتلانتا" والكاتب في شؤون الشرق الأوسط وشمال أفريقيا "أن السعودية تخشى بكل معنى الكلمة من أي حركة ديموقراطية إسلامية".
وتقول الصحيفة "أن المعروف عن السعودية استخدامها البارع لثروتها في القضايا الإقليمية، إلا أن ما فعلته مع مصر كان ملفتا، ففي غضون أسبوعين من استيلاء الجيش المصري على السلطة في 3 يوليو/ تموز أعلنت السعودية عن خطة إنقاذ مالي تقدر بمبلغ 12 مليار دولار وهو مبلغ يتضاءل إلى جواره مبالغ المعونات الأميركية (1.5 مليار دولار) والأوروبية (1.3 مليار دولار)".
وبعد ساعات من خطاب الملك عبد الله توجه وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل إلى باريس، وهناك أعلن أن الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند يدعم خريطة الطريق التي وضعها الجيش المصري، وهو موقف يتناقض مع ما صدر من إدانات من جانب الدول الأوروبية للحكومة المصرية الجديدة بسبب فشلها في احتواء العنف الدائر في مصر حاليا.
ولدى عودته إلى السعودية تباهي الأمير بموقف فرنسا لتأييده لوجهة النظر السعودية وتقول الصحيفة "أنه لم يعرف بعد ما إذا كان هذا هو بالفعل موقف الحكومة الفرنسية".
وقال الأمير فيصل أنه "بالنسبة لهؤلاء الذين أوقفوا أو يهددون بوقف مساعداتهم لمصر، فإن الدول العربية والإسلامية غنية بشعبها وقدراتها وسوف تقدم لمصر العون".
وكانت السعودية كما تقول الصحيفة قد لامت الولايات المتحدة وغيرها من الحلفاء بسبب فشلهم في دعم مبارك عام 2011 عندما خرجت الجماهير تطالب برحيله. غير أن هذه الانتقادات لم تخرج الى العلن. وحتى بعد انتخاب حكومة مرسي قامت السعودية بتقديم مساعدة مالية قدرها 5 مليارات دولار.
وفي العاشر من يوليو تموز أي بعد اسبوع من استيلاء الجيش على السلطة نجح السعوديين في وضع خطة انقاذ مالي قدرها 12 مليار دولار تساهم فيها السعودية بخمسة مليارات والأمارات بمبلغ 3 مليار والكويت بأربعة مليارات.
وعلى عكس المعونة الأميركية فإن أغلب المساعدات السعودية سوف تذهب مباشرة إلى الخزانة المصرية دون شروط أو قيود. إذ أن أغلب هذه المساعدات سوف يتم ضخه مباشرة نقدا إلى البنك المركزي المصري، أما الباقي فهو عبارة عن منح مجانية أو دعم في صورة منتجات نفطية الأمر الذي يوفر على الخزانة المصرية تدبير الأموال اللازمة لتلك المنتجات.
وعلى العكس من ذلك فإن الحكومات الأميركية والأوروبية تصر لأسباب ترجع إلى قوانينها، على مراقبة أوجه صرف تلك المعونات وغالبا ما تأخذ مسارها عبر جماعات الإغاثة غير الحكومية.
وهناك منافسة حامية بين السعودية وغيرها من دول الخليج الحليفة للجيش المصري من جهة، وبين كل من قطر وتركيا اللتين تدعمان جماعة الإخوان المسلمين، وعادة ما تتفوق قطر على السعودية في الإنفاق من أجل تحقيق أهداف سياستها الخارجية، كما أنها تستثمر الكثير من أموالها في قضايا ثورات الربيع العربي مثل محاربة الحكومات في كل من ليبيا وسوريا.
أما السعوديون على الجانب الاخر فهم يميلون إلى دعم الأنظمة القائمة والتي تتمثل في مصر في قيادتها العسكرية. ويقول محللون أن السعودية تشعر بضرورة تكوين كتلة دبلوماسية واقتصادية لدعم مصر وإلا فإنها سوف تنهار.
أما عن المواطن المصري العادي فإن علاقته الطويلة بالسعودية تتراوح ما بين الحب والكراهية، فهناك ما يقرب من مليوني عامل مصري في السعودية، وقد عاد الكثيرون منهم وهم يحملون تجارب مريرة.
وقد اضطرت السفارة السعودية في القاهرة لأن تغلق أبوابها في أعقاب أعمال شغب خارج السفارة أثناء الاحتجاج على حكم بعقوبة المحامي المصري أحمد الجيزاوي بالسجن و300 جلدة بتهمة تهريب المخدرات.
أما اليوم فإن الدعم المالي والموقف السعودي يلاقيان استحسانا لدى الجماهير الضخمة المعادية لجماعة الإخوان، وهناك من يقول في مصر اليوم أنه على استعداد أن يلحس الأرض ولا أن يتلقى معونة من أميركا. جاء ذلك على لسان مصري عائد لتوه من استراليا. وقال أيضا أنه" وعلى الرغم من أنه لا يوافق على اشياء كثيرة بالسعودية إلا أن السعوديين يعرفون بان مصر هي بمثابة الظهير بالنسبة لهم وأنها أكبر جار لها وأن واجبهم دعم مصر متى احتاجت".