القاهرة ـ أكرم علي
قامت القيادة المصرية الجديدة برعاية الجيش باتخاذ المزيد من الخطوات الرامية لشلّ قُدرات وحركة جماعة "الإخوان المسلمين"، في أعقاب قيام الجيش بخلع الرئيس "الإخواني" محمد مرسي، وذلك من خلال إصدار أوامر من النيابة العامة بالقبض على عدد من قيادات الجماعة بتهمة التحريض
على العنف، على خلفيّة أحداث مقتل ما لا يقل عن 50 من المتظاهرين، وإصابة المئات أمام نادي ضباط الحرس الجمهوري، فجر الإثنين الماضي.
وأصدر النائب العامّ أوامر بإحضار كلّ من المرشد العامّ للجماعة محمد بديع وعدد من قيادات حزب "الحرية والعدالة"، وغيرهم من القيادات الإسلامية الموالية لهم بتهمة التخطيط والتحريض على أعمال إجرامية خارج دار الحرس الجمهوري، التي يُعتقد بأن الجيش يحتجز الرئيس المعزول داخلها.
وتقول صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية "إن معظم القتلى والجرحى من المتظاهرين غير المسلَّحين الذين كانوا يطالبون بالإفراج عن مرسى وعودته لرئاسة البلاد".
وتصف جماعة "الإخوان المسلمين" وأنصار مرسي قيام الجيش بعزل مرسي بأنه "انقلاب عسكري" أعاد الجهاز الأمني في عصر مبارك إلى القيادة من جديد، كما رفضوا مزاعم الجيش بأنه يسعى إلى إعادة البلاد الحياة المدنية سريعًا.
وأصدر النائب العام المصري، الثلاثاء، أوامره بحبس 200 فرد من المتظاهرين لمدة 15 يومًا على ذمة التحقيق بتهمة التحريض في أحداث الدموية، التي جرت، فجر الإثنين، بينما أُفرج عن 446 آخرين بكفالة.
وعلى صعيد آخر، هناك مؤشّرات تشير إلى أن القيادة المصرية الموقّتة الحالية تكتسب المزيد من المصداقية بعد قيام عدد من دول الخليج الثرية التي أعربت عن سعادتها بسقوط دولة "الإخوان المسلمين" في مصر بتقديم حزمة مساعدات مالية، فقد أعلنت الكويت، الأربعاء، اعتزامها تقديم مساعدات بقيمة 4 مليارات دولار وكانت السعودية والإمارات قد تعهدتا، الثلاثاء، بتقديم ثمانية مليارات دولار.
يُذكر أن الاقتصاد المصريّ الذي يُعاني من أزمة طاحنة في حاجة ماسّة إلى مثل هذه المساعدات، لا سيما وأن الإطاحة بمرسي قد دفعت بالاقتصاد إلى حافّة الانهيار.
وعلى الرغم من وعود القيادة المصرية الموقّتة الجديدة بإجراء انتخابات عاجلة إلا أن الإعلان الدستوري الأخير الذي صدر عن الرئيس الموقّت قد حظي بانتقادات واسعة من العديد من القوى السياسية في البلاد، بما فيها الليبراليون والنشطاء والإسلاميون الذين شاركوا في الدعوة لإسقاط مرسي، والتي وصفته بأنه متعجّل ويتسم بالتشوش، كما أنه يَمنح الرئيس سلطات وصلاحيات ديكتاتورية.
ومع ذلك، وكما تقول صحيفة "نيويورك تايمز"، فقد أوضح الإعلان الدستوري بأنّ الحكومة تستمدّ سلطتها فقط من القائد العسكري عبد الفتاح السيسي الذي قام بعزل مرسي، بدليل قيام الرئيس عدلي منصور باقتباس البيان المختصر الذي أدلى به السيسي ليكون بمثابة الأساس لسلطاته.
ويقول أستاذ العلوم السياسية المتخصص في القانون المصري في جامعة جورج واشنطن ناثان براون "إنه من واقع تقييم نصّ الإعلان الدستوري يمكن القول إن ما حدث في مصر الآن هو انقلاب عسكري رسمي".
وتشهد الفترة الجارية حملة قمعيّة موسّعة على قيادات "الإخوان المسلمين"، ويقول العديد من المسؤولين في الجماعة إنهم فقدوا الاتصال بما يقرب من 250 من قياداتها، بالإضافة إلى عشرات المعتقلين بما فيهم الرئيس المعزول مرسي نفسه.
وأشار وزير الخارجية المصري محمد كامل عمرو في مقابلة أجرتها معه شبكة "سي إن إن" إلى أن محمد مرسي يعامل معاملة طيبة، ولكنه غير مسموح له التجول بحريّة، كما دافع عن ردّ فعل الجيش بقتل المتظاهرين أمام دار الحرس الجمهوري، فجر الإثنين الماضي، وقال إنه لا يعتقد بأنّ الجيش قام بفتح نيرانه على متظاهرين سلميين.
وقام الرئيس عدلي منصور بتكليف الاقتصادي الليبرالي حازم الببلاوي بتشكيل الحكومة الموقّتة، كما قام بتعيين محمد مصطفى البرادعي نائبًا له لشئون العلاقات الخارجية، بما يعني أن الرئيس الموقّت يعتزم طمأنة الحلفاء والدول المانحة الغربية بأن مصر بلد يمكن الاعتماد عليه.
ويُعرَف أن الببلاوي وهو اقتصادي بارز كان قد عمل وزيرًا للمالية في حكومة انتقالية سابقة، وهو أيضًا عضو مؤسس في "الحزب الديموقراطي الاجتماعي"، كما سبق له انتقاد نظامي مبارك ومرسي بسبب فشلهما في تبني اقتصاد انفتاحي بالقدر الكافي، وتقديم برامج من شأنها إعانة الفقراء.، كما أنه الشخص المناسب للتفاوض مع "صندوق النقد الدولي" بشأن الإصلاحات المطلوبة مقابل قرض قيمته 4.8 مليار دولار، وهو مبلغ يُعتقد بأنه حيويّ وضروريّ للاقتصاد المصريّ في الفترة الجارية.
وكان الببلاوي، البالغ من العمر 77 عامًا، ألّف ثلاثة كتب عن الاقتصاد في الشرق الأوسط، كما عمل كمستشار في "الأمم المتحدة"، و"صندوق النقد العربي".
وتقدم الببلاوي باستقالته من منصب وزير المالية في عهد المجلس العسكري بعد سقوط العديد من القتلى المسيحيين أمام ماسبيرو.
ورحّب الببلاوي بسقوط نظام مبارك، وإتاحة الفرصة لـ "الإخوان" وجماعات والإسلام السياسي، الذين عانَوا كثيرًا من الملاحقة في الماضي للمشاركة في العملية السياسية.
وأما البرادعي فقد كان الخيار الأول للرئيس عدلي منصور في منصب رئيس الوزراء، ولكنه تراجع بسبب رفض حزب "النور" السلفي.
ويرسم الإعلان الدستوري ملامح خارطة الطريق تدعو إلى تشكيل لجنة فورية مكوّنة من عشرة أفراد لمراجعة دستور كانون الأول/ ديسمبر الماضي، وسوف تضمّ تلك اللجنة ستة قضاة يقوم باختيارهم المحاكم الرئيسية الثلاث في مصر، وأربعة من أساتذة القانون المصري لم يتضح بعدُ ماهية الجهة التي سوف تقوم باختيارهم.
ويُنتظر أن تستكمل اللجنة تعديلاتها خلال شهر، ثم تقديمها إلى لجنة أخرى أكبر تتكون من 50 شخصية تمثل مختلف المؤسسات الحكومية والنقابات والكيانات الاجتماعية، بالإضافة إلى شخصيات بارزة.
وسوف تقوم تلك المؤسّسات باختيار بعض من هؤلاء بينما يختار الرئيس البعض الآخر، وسوف تقوم كلّ من الشرطة والجيش باختيار ممثليهم.
وفي حالة موافقة اللجنة الأكبر على التعديلات يتم طرحها في استفتاء عامّ بعد ثلاثة أشهر، ثم يُعقّب ذلك بأسبوعين انتخابات برلمانية، كما يدعو الإعلان الدستوري إلى إجراء انتخابات رئاسية بعد ثلاثة أشهر من اعتماد الدستور الجديد.
ويعيب البعض على الإعلان الدستوري الجديد بأنه مكرّر، بل يتضمن الأخطاء نفسها، التي أفسدت محاولة مصر الأولى في بناء مجتمع ديموقراطي، كما أن البرنامج المضغوط الذي يطرحه لا يسمح بالوقت الكافي اللازمة للتفاوض والنقاش قبل التوصل إلى الإجماع بين الفصائل السياسية، التي تعيش حاليًا حالة من الاستقطاب.
وأكّد المحلّل في المعهد الدولي للديمقراطية والمعونات الانتخابية زياد العلي أن الإعلان الدستوري الجديد يدعو الخبراء إلى الانتهاء من صياغة الدستور قبل أن تبدأ المناقشات بشأنه، كما أن الإعلان الدستوري يمنح الرئيس خلال الفترة الانتقالية صلاحيات وسلطات من دون رقابة، حيث يمكنه إصدار تشريعات وإعلانات دستورية وحالة الطوارئ، ولا يضمن الحماية الكاملة للحقوق الأساسية بما فيها حرية التعبير أو التجمَع، ومن عيوب الإعلان الدستوري أيضًا أنه يمنح الجيش استقلالاً خارج سلطات الرئيس".
أما "جبهة الإنقاذ" وحركة "تمرد" فقد أعلنت رفضها لبعض مواد الإعلان الدستوري، وعابت على الرئيس أنه لم يستشرها عند وضع بنوده، وطالبت بإجراء بعض التعديلات عليه.
وقال حزب "النور" السلفي: إن الإعلان لم يفِ بالوعود التي تلقاها الحزب قبل مشاركة في الإطاحة بمحمد مرسي، والتي كانت تقتضي عدم المساس بالبنود الإسلامية في الدستور السابق، واتهم الحزب الرئيس الجديد بالتصرف على نحو ديكتاتوري.
ويبدو - كما يقول العلي- أن القيادة الجديدة في مصر لم تتعلّم الكثير من أخطاء الماضي.