القاهرة ـ سمية ابراهيم
نسبت تقارير صحافية إلى العشرات من شهود العيان المصريين قولهم: إن جنود الحرس الجمهوري أطلقوا نيرانهم على مئات من أنصار الرئيس المعزول محمد مرسي، فجر الإثنين، أثناء أدائهم صلاة الفجر خارج نادي الحرس الجمهوري، الذي يُعتقد بأن الرئيس مرسي معتقل داخله، بينما قال الجيش المصري إن مجموعة من المسلحين هم من بدؤوا في إطلاق النيران، فيما ساهمت دموية الحادث
في الحد من الدعم والتأييد لخطوة الجيش بعزل الرئيس المنخب ديمقراطيًا.
ونقلت صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية عن مصادر في وزارة الصحة المصرية قولها "إن الاشتباكات أسفرت عن مقتل ما لا يقل عن 51 من المواطنين، وما يزيد على 300 جريح"، بينما أعلنت مصادر أمنية رسمية مقتل ضابط شرطة واحد على الأقل.
وقالت الصحيفة "إن هذا الحادث هو الأكثر دمويّة ضمن سلسلة أحداث العنف التي تشهدها مصر من ثورة 2011، وسقوط نظام حسني مبارك، وقد تصاعدت موجة العنف الأخيرة على مدار أسبوع من المواجهات التي تشهدها شوارع مصر بين جنرالات الجيش المصري التي قامت بعزل محمد مرسي - أول رئيس منتخب ديمقراطيًا لمصر- وأنصار مرسي من الإسلاميين.
وأضافت الصحيفة أن "دموية الحادث الأخير ساهمت في الحد من الدعم والتأييد الذي كانت تحظى به خطوة الجيش في عزل مرسي، بدليل قيام شيخ الأزهر أحمد الطيب بالتهديد بالاعتكاف في منزله حتى تنتهي موجة العنف الحالية".
وقال الطيب الذي شارك في المناقشات الدائرة بشأن تشكيل الحكومة الانتقالية خلال مرحلة ما بعد عزل مرسي، في بيان أذاعه التليفزيون المصري أنه قد يُضطر إلى الاعتكاف في منزله حتى يتحمل كل فرد مسؤولياته في حماية الدم المصري، والحيلولة دون دخول البلاد في حرب أهلية.
وقال الجيش المصري إن جنوده قاموا بإطلاق نيرانهم ردًا على هجوم قام به رجال مسلحون ينتمون إلى جماعة وصفها بـ "الإرهابية"، بهدف اقتحام دار الحرس الجمهوري، بينما قال شهود عيان من أنصار مرسي "إن المتظاهرين لم يكونوا مسلّحين، وإنهم فروا في حالة من الفزع والرعب عندما بدأ الهجوم".
وتشير آثار طلقات الرصاص التي أصابت السيارات والحواجز المعدنية أن النيران أنطلقت من أعلى بناية قريبة من السواتر والحواجز الرملية المنتشرة في المكان.
وقام المتظاهرون من أنصار مرسي بتجميع فوارغ الرصاص التي كانت منتشرة على الأرض، كدليل إدانة للجيش المصري.
فيما التليفزيون المصري قام بإذاعة فيلم يظهر فيه أنصار مرسي وهو يطلقون النيران من مسدسات على ما يبدو مصنوعة محليًا على الجنود، من ناصية تبعُد عنهم حوالي 250 ياردة، إلا أن تلك المشاهد جرت خلال ساعات النهار، أي بعد ساعات من نيران الفجر.
وقال أحد شهود العيان وهو يسكن بالقرب من المكان إنه شاهد رجلين بأسلحة مشابهة وسط المتظاهرين.
وأذاع تليفزيون الدولة المصري أيضًا فيلمًا تم تصويرة خلال ساعات النهار، أي بعد ساعات من وقوع الهجوم الدموي، ويظهر فيه رجل مقنّع بين المتظاهرين من أنصار مرسي.
وتشير المشاهد كافة التي أذاعها تليفزيون الدولة للمتظاهرين وشهود العيان إلى أن المتظاهرين كانوا يحاولون الردّ على الجنود بإلقاء الحجارة عليهم.
وأذاعت وسائل إعلام الدولة في ساعة مبكرة من الصباح أنباءً تفيد بمقتل أحد الضباط، واعتقال 200 من الأفراد المسلحين، ثم انتظر ساعات حتى يعلن إصابة العشرات من المواطنين.
وشهِدت أرصفة المكان بركة من الدماء، وكانت بعض الدماء وآثار طلقات الرصاص على بعد مئات من الياردات من جدران مبنى الحرس الجمهوري، بما يشير إلى أن جنود الحرس الجمهوري قد استمروا في إطلاق نيرانهم على المتظاهرين حتى وهم يهربون.
وقال إبراهيم الشيخ وهو جارٌ وأخٌ لأحد العاملين في مكتب "نيويورك تايمز" في القاهرة "إن ضابط شرطة واسمه محمد المسيري قد لقي حتفه بنيران جنود الجيش المصري، وكان ضابط الشرطة يختبئ في سيارة تقف في ساحة انتظار أحد المباني، في أحد الشوارع الجانبية التي كان أنصار مرسي يستخدمونها كحماية لهم".
وكشف تسجيل فيديو تم تصويره من إحدى النوافذ العلوية قيام الجنود المتقدمين بإطلاق النار على تلك السيارة.
وقال إبراهيم الشيخ الذي سبق وأن وقع على استمارة "تمرد"، وشارك في الاحتجاجات المطالبة بعزل مرسي إنه وآخرين قاموا بإخراج جثة الضابط من السيارة، ولم تكن هناك ملامح لوجه، وأصبح بلا رأس.
ويقول الجراح بسام السيد "إن مستشفى مدينة نصر التي تبعد دقائق بالسيارة عن مكان إطلاق النيران، كانت قد بدأت في تلقي مئات الضحايا حوالي الساعة الرابعة صباحًا، وفي تلك الساعة كان عدد القتلي وصل إلى ما لا يقل عن 40 قتيلاً".
وأضاف "أن كل الضحايا كانوا من الرجال، وأن إصاباتهم كانت بسبب طلقات النار".
وكان جناح الطوارئ ووحدة العناية المركزة قد امتلآ عن آخرهما بالضحايا وأقاربهم، ووقف حوالي عشرين رجلاً في طابور بالقرب من غرفة الطوارئ للتبرع بدمائهم.
وقال الدكتور بسام إنه لم يرى مثل هذا المشهد إلا مرة واحدة وكانت في 25 يناير 2011 عندما بدأ المصريون ثورتهم ضد مبارك، إلا أن هذا الحادث هو الأسوأ.
وتعرّض المصابون لطلقات في الصدر أو الرأس أو الذراع أو بطلقات خرطوش في الوجه، كما تعرض هؤلاء للهجوم مباشرة من دون استخدام الغازات المسيلة للدموع على سبيل التحذير، كما أن الهجوم بدأ مباشرة بعد الانتهاء من صلاة الفجر.
وقال البعض "إن الجنود وضباط الشرطة قاموا بالهجوم على المتظاهرين من الاتجاهات المعاكسة"، بينما قال البعض الآخر "إنه بسبب الظلام لم يستطيعوا تحديد ماهية الفرع الأمني الذي قام بالهجوم".
وقال محمود جمعة أحمد، 33 سنة، والذي أصيب في صدره "إنهم كانوا يصلون".
وأضاف "أنه وقبل الصلاة لم يحدث أي شيء على الإطلاق"، وهو ما يناقض اتهامات الجيش التي تقول "إن جماعة إرهابية هاجمت نادي ضباط الحرس الجمهوري".
وقال محمود مبروك، 42 سنة، والذي تعرّض لإصابة في ذراعه "إن الجولات الأولى من النيران كانت تستهدف قتل المعتصمين، ولم تكن في الهواء لتفريقنا".
ويعتقد أنصار مرسي أن رئيسهم المعزول محتجز داخل نادي ضباط الحرس الجمهوري، الأمر الذي دفعهم إلى الاحتشاد أمام بواباته كافة للمطالبة بالإفراج عنه.
وجاءت الأحداث الدموية بعد يوم واحد من تعهّد جماعة "الإخوان المسلمين" وأنصارها بمواصلة التظاهرات حتى الإفراج عن مرسي، وبعد محاولة دبلوماسيين أميركيين إقناع الجماعة الإسلامية بقبول عملية الإطاحة بمرسي، إلا أن أحداث الإثنين الدموية على ما يبدو قد عملت بالتأكيد على خلق حقائق جديدة على أرض الواقع محفوفة بالمخاطر، في بلد يعيش وضعًا سياسيًا هشًا.
ونسبت الصحيفة إلى أحد الإسلاميين قوله "إن دبلوماسيين أميركان كانوا قد اتصلوا بقيادات جماعة الإخوان المسلمين، في محاولة لإقناعهم بالدخول والمشاركة من جديد في العملية السياسية".
وأضاف "إنهم يطلبون منا إضفاء الشرعية على الانقلاب".
وأكّد أن "القبول بعزل الرئيس المنتخب يعني موت الديمقراطية المصرية"، ورفضت السفارة الأميركية في القاهرة التعليق على تلك التصريحات.
وأشار بعض شهود العيان إلى وجود قناصة تابعين للجيش من فوق أعلى البنايات المحيطة بالمنطقة، وقالوا "إن الأمر كان أشبه بحرب قتالية بين دولتين"، ووصف أحدهم جنود الجيش بأنهم "مجرمون".
وعلى الرغم من أن بعض أفراد المتظاهرين كانوا يحملون العصي والهراوات، ولكن جميع الشهود أكدوا أن المتظاهرين لم يكونوا مسلّحين، وأكد ذلك كل من إبراهيم الشيخ وهو من معارضي مرسي، وأحد جيرانه.
وقال جمال علي، وهو مدرس، 32 سنة، "إن كل أسلحتهم كانت عبارة عن زجاجات مياه وسجاجيد الصلاة".
أما في ما يتعلق بعدم الاتفاق حتى الآن على شخصية من سيتولى رئاسة الحكومة الموقّتة في المرحلة المقبلة فهذا يعني أن مصر ما زالت بلا حكومة عاملة، منذ الأربعاء الماضي، عندما أعلن السيسي عزل مرسي.