تونس ـ أزهار الجربوعي
طالبت منظمة "هيومن رايتس ووتش" الحقوقية الدولية، المجلس الوطني التأسيسي التونسي، بتعديل المسودة الأخيرة لمشروع قانون تحصين الثورة "العزل السياسي"، واصفة أحكام القانون المقترح وإجراءاته بـ"الإقصائية" التي ترتق إلى مرتبة القيود غير الضرورية المؤدية إلى حرمان غير مبرر
من الحقوق السياسية.
وأكدت بعض المصادر الخاصة لـ"مصر اليوم"، أن رئيس الحكومة التونسية الأسبق والأمين العام لحزب "النهضة" الإسلامي الحاكم، يفكر جديًا في الاستقالة، لسبب خلافات داخل الحركة، من أهمها رفضه قانون تحصين الثورة، ومساندته نائب رئيس الحركة عبدالفتاح مورو، الذي أعلن بدوره أنه يفكر في الانسحاب من الحزب الحاكم عقب خلافات، وتعرضه لاعتداءات بالعنف بشأن القانون المذكور، فيما وصفه زعيم حزب "نداء تونس" الباجي قائد السبسي، وهو أحد المعنيين بالعزل السياسي، بـ"الجائر"، مؤكدًا استحالة تطبيقه لأنه قد يشمل أكثر من 60 ألف شخص.
وشددت "هيومن رايتس ووتش"، على أن قانون العزل السياسي في تونس، الذي من شأنه أن يقصي ألاف المسؤولين الحكوميين في عهد الرئيس السابق زين العابدين بن علي عن المناصب السياسية لمدة 7 سنوات، يفتقر إلى ضمانات الإجراءات السليمة، معتبرة أن قانون العزل السياسي في تونس يحتوي على "قائمة فضفاضة بفئات الأشخاص المستهدفين بالإقصاء، بناءً على انتماءاتهم السابقة، من دون إمكان النظر في الظروف الفردية"، فيما قال نائب المدير التنفيذي لقسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في المنظمة إريك غولدستين، "للسلطات مصلحة مشروعة في حماية ديمقراطية تونس الناشئة، لكن حظر الممارسة السياسية على آلاف الأشخاص من دون ضرورة طوال سنوات مقبلة، ليس هو الطريق إلى هذا"، واصفًا القانون بـ"الكاسح الذي قد يؤدي الي عزل الأشخاص وحرمانهم من حقوقهم السياسية، من دون فرصة حقيقية لتفنيد المزاعم المقدمة بحقهم".
وأشارت المنظمة إلى أن مشروع قانون "تحصين الثورة"، الذي من المرتقب أن يصوت عليه المجلس التأسيسي التونسي خلال حزيران/يونيو الجاري، يفتقر إلى ضمانات الإجراءت السليمة، بما فيها النص على إبلاغ المحظورين تلقائيًا، معتبرة أن "أحكام القانون المقترح وإجراءاته الإقصائية، ترقى إلى مصاف القيود غير الضرورية وغير المتناسبة على الحقوق السياسية، وأن المعايير الدولية تتطلب احترام شروط واضحة في القيود المفروضة على الحقوق السياسية، وأن تكون متناسبة، وتمس عددًا محدودًا من الأشخاص لمدة محدودة، علاوة على هذا، ينبغي على كل شخص متضرر أن يتمتع بالحماية التامة لإجراءات القضاء السليمة، بما فيها الحق في مواجهة الأدلة المقدمة ضده والطعن فيها، وفرصة تقديم أدلته الخاصة، والحق في الاستئناف أمام هيئة قضائية مستقلة، وأن الإجراءات المنصوص عليها في مشروع القانون تنتهك تلك المعايير"، مشددة على أن "التطهير يجب أن يقتصر على المناصب التي يوجد سبب وجيه للظن بأن من شأن شاغلها أن يشكل خطرًا جديًا على حقوق الإنسان أو الديمقراطية، بمعنى المناصب الحكومية المشغولة بالتعيين والمنطوية على مسؤولية كبيرة عن وضع أو تنفيذ السياسات والممارسات الحكومية المتعلقة بالأمن الداخلي، أو المناصب الحكومية المشغولة بالتعيين، التي يمكن فيها الأمر بانتهاكات لحقوق الإنسان أو ارتكابها، معتبرة أن مشروع القانون التونسي لتحصين الثورة لا يتفق مع هذا الشرط، حيث أنه يحظر على الأشخاص ليس فقط شغل بعض المناصب العليا داخل الدولة، بل أيضًا عضوية الهيئات الحاكمة للأحزاب السياسية.
وينص قانون "تحصين الثورة" في تونس على فرض حظر لمدة 7 سنوات على الأشخاص الذين شغلوا مناصب بعينها منذ 7 تشرين الثاني/نوفمبر 1987، تاريخ تولي الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي للحكم، حتى سقوط نظامه في ثورة شعبية في 14 كانون الثاني/يناير 2011، فيما تضم قائمة المشمولين بالإقصاء السياسي أعضاء الحكومات المتعاقبة ورؤساء مجالس الوزراء، ومرشحي الحزب الحاكم السابق في الانتخابات التشريعية، بغض النظر عن فوزهم في الانتخابات من عدمه، والأمين العام للحزب ونائبه، وأعضاء المكتب السياسي للحزب ولجنته المركزية، والأمناء العامين للجان التنسيقية والقطاعات الإقليمية للحزب، ورؤساء الشعب في الحزب، وأي شخص دعا بن علي إلى الترشح في انتخابات 2014، ومن شأن هؤلاء أن يحظر عليهم شغل المناصب العليا ـ بما فيها الرئاسة، ورئاسة ديوان الرئاسة، ورئاسة الحكومة، ورئاسة البرلمان، وعضوية البرلمان، ومنصبي محافظ البنك المركزي التونسي ونائبه، ومناصب السفير والقنصل والمحافظ، لكنهم سيقصون أيضًا عن تشكيلة واسعة من المناصب الأدنى درجة، ومنها عضوية أي من "الهيئات الدستورية" المزمع إنشاؤها وفق الدستور الجديد، مثل المحكمة الدستورية أو مجلس القضاء الأعلى، أو أية هيئة بلدية أو محلية، أو رئاسة أو عضوية هيئات الحكم المركزي أو الإقليمي، أو الهيئة التشكيلية لأي حزب سياسي.
وقد تقدمت 5 أحزاب تونسية بمشروع قانون "التحصين السياسي للثورة" في 30 تشرين الثاني/نوفمبر، من بينها حزب "النهضة" الإسلامي الحاكم وشريكه في الحكم "المؤتمر من أجل الجمهورية"، إلى لجنة التشريع العام في المجلس الوطني التأسيسي، الذي قرر رفعه للتصويت عليه في جلسة عمومية لم يتم تحديدها حتى الآن، لسبب تجاذبات داخل الأحزاب السياسية في تونس، وخلافات بشأن القانون عصفت حتى بحزب حركة "النهضة" الحاكم، ويتطلب المشروع موافقة الغالبية المطلقة، أو 109 من أصل 217 عضوًا، فيما تعالت الأصوات الرافضة لمشروع القانون في تونس، طالت أعلى هرم في حزب "النهضة" حيث أعرب رئيس الحكومة التونسية الأسبق والأمين العام لـ"النهضة" حمادي الجبالي، عن رفضه للقانون، مشددًا على أن "محاولات البعض تمرير قانون التحصين لإقصاء بقايا النظام السابق وحزب "نداء تونس"، لا فائدة منه، لأن الشعب حسم أمره في حزب "التجمع الدستوري الديمقراطي" الذي حُلّ عبر القضاء بعد الثورة".
وأكّد الجبالي رفضه لمشروع التحصين السياسي، لأنه يعتبره قانونًا إقصائيًا عانى منه قياديو "النهضة" والإسلاميون في زمن حكم الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي، ولا يمكنهم ممارسته، داعيًا حركة "النهضة" التي يتولى منصب أمانتها العامة إلى احترام نتائج الانتخابات المقبلة ومباركة الفائز بها.
وأعلن القيادي في "النهضة" ونائب رئيسها راشد الغنوشي، الشيخ عبدالفتاح مورو، رفضه هو الاخر لقانون العزل السياسي، لكن هذا الموقف كلف مورو الكثير معنويًا وماديًا، حيث أكد أخيرًأ أنه يفكر جديًا بالانسحاب من الحزب الحاكم، وأرجع مورو قراره هذا إلى "المعاملة السيئة"، التي قوبل بها من قبل بعض أنصار "النهضة" خلال الاحتفالات بالذكرى 32 لتأسيس الحركة في قصر الرياضة في المنزه، حيث تمت مقاطعة كلمته وسط هتافات تنادي بقانون "تحصين الثورة"، فيما تعرض نائب رئيس "النهضة" إلى محاولات عدة للاعتداء بالعنف، صدرت عن إسلاميين اعتبروا أنه "يغرّد خارج السرب"، وانتقدوا مواقفه التي قال إنها "معتدلة وتنبذ العنف وممارسة التطرف باسم الدين، وترفض تطبيق الإقصاء السياسي الذي كان الإسلاميون أحد ضحاياه في وقت سابق"، وتنوعت هذه الاعتداءات بين اعتداءات لفظية واتهامات بالزندقة من قبل بعض المنتسبين إلى التيار السلفي، وكذلك تعرض إلى اعتداء في أحد النزل في مدينة القيروان، مما استوجب نقله إلى المستشفى لتلقي الإسعافات.
وخرج الأمين العام لحزب "النهضة" حمادي الجبالي عن صمته، للمرة الأولى منذ استقالته من رئاسة الحكومة، وأصدر بيانًا اعرب فيه عن دعمه لعبدالفتاح مورو، وقال "إن التفاعل الغريب الذي صدر عن بعض الحاضرين من أنصار حركة "النهضة" في احتفالها بذكرى تأسيسها، لا يتلاءم مع خصوصية الحدث ومكانة الرجل وثقافة الحركة، التي قامت بالأساس على فكرة الحرية وأخلاق الجماعة ومخزون الصبر على الاختلاف وحب التضحية".
وأضاف الجبالي، "باسمي الخاص وباسم الأمانة العامة للحركة، أوجه أسمى عبارات التضامن مع شيخنا الذي يظل رمزًا مؤسسًا وعلمًا من أعلام حركتنا والبلاد، ومشروعنا الوطني وداعمًا كفأ لوحدة صفنا".
وقال القيادي في "النهضة" عبدالفتاح مورو، "إنّه لم يعد آمنًا على حياته وهو يسير في شوارع تونس"، معتبرًا أن "الفصل بين ما هو سياسي وما هو دعوي لا يزال يؤرق الأحزاب الإسلامية في تونس".
أما الدستوريون، نسبة إلى الحزب "الحر الدستوري" التونسي، الذي أسسه الرئيس التونسي الأسبق الحبيب بورقيبة وأصبح فيما بعد "التجمع الدستوري الديمقراطي" في عهد زين العابدين بن علي، والمعني الأول بمشروع "تحصين الثورة"، باعتبار تورط العديد من رموز هذا التيار مع نظام الرئيس المخلوع، وضلوعهم في منظومة الفساد والاستبداد، فقد أعربوا عن رفضهم لهذا المشروع واستعدادهم لمحاربته، حيث اسبتعد وزعيم حركة "نداء تونس" الوزير الأول الأسبق الباجي قايد السبسي، وهو أحد المشمولين بالعزل السياسي باعتبار تبوئه لمنصب رئيس البرلمان التونسي في بداية حكم بن علي، أن يتمّ تطبيق مشروع التحصين السياسي للثورة في تونس، مشيرًا إلى أن "الأطراف المعنية بمشروع "تحصين الثورة" تناهز 60 ألف شخص أو أكثر"، معتبرًا أن هذا المشروع "جائر وبعيد كل البعد عن العدل".
ووصف الناطق الرسمي لـ"الجبهة الدستورية" طارق بن مبارك، الأحد، مشروع قانون "تحصين الثورة" بـ"الفرقة والفتنة بين التونسيين"، واعتبره "خطرًا على الوحدة الوطنية"، مشددًا على أن ائتلاف أن "الجبهة الدستورية" الذي يضم أحزابًا تتبنى المرجعية البورقيبية الدستورية، على رأسها وزراء في عهد الرئيس السابق بن علي، سينظم تحركات بالتنسيق مع عدد من الجمعيات والجبهات الأخرى، من أجل منع تمرير مشروع قانون تحصين الثورة.
وقد أثار مشروع قانون "تحصين الثورة" جدلاً واسعًا في الأوساط السياسية التونسية، وداخل قبة المجلس التأسيسي، حيث هدد نواب بالدخول في إضراب جوع، إذا لم يقع تعيين جلسة عمومية لمناقشة هذا المشروع، الذي صادقت عليه لجنة التشريع العام منذ أسابيع، في حين اتهم النائب في المجلس التأسيسي عن حركة "وفاء" آزاد بادي، رئيس المجلس الوطني التأسيسي مصطفى بن جعفر وعدد من قيادات حركة "النهضة"، بتعطيل تمرير مشروع القانون، معتبرًا أنه "أولوية قصوى لابد من المرور بها لتحصين البلاد من عودة الاستبداد وتفكيك منظومة الفساد".
وأكدت مصادر مطلعة، لـ"مصر اليوم"، أن قانون "تحصين الثورة" قد يحدث أزمة انشقاقات داخل حزب "النهضة" بين شق يتبنى العزل السياسي لرموز النظام السابق ومن تورط معهم في القمع والاستبداد طيلة 23 عامًا، وآخر يرفع شعار "عفا الله عما سلف" يقوده الأمين العام للحزب ورئيس الحكومة الأسبق حمادي الجبالي، الذي أكد مقربون منه أن انفصاله عن "النهضة" بات مسألة وقت