لندن - سليم كرم
شهد شاكر عامر، آخر سجين بريطاني في معتقل "غوانتنامو"، عملية تعذيب مُعتقل آخر في وحدة الاستجواب الأفغانية، والتي أدت إلى حسم عملية المخابرات الوهمية، والغزو الأنكلوأميركي للعراق.وأعلنت الولايات المتحدة تبرأة عامر (44 عامًا)، وأب لخمسة أطفال، بعد اعتقال استمر لأكثر من 11 عامًا، وعلى الرغم من ذلك تستمر أميركا في محاولته إرغامه على الصمت من خلال إعادته إلى المملكة العربية السعودية، البلاد التي غادرها في سن الـ 17، الأمر الذي يعارضه محاميه، لأنه بذلك سيمنع من التحدث في الأماكن العامة، وكذلك من رؤية زوجته البريطانية وأطفاله، ليكون بذلك في سجن أكبر من سجنه الحالي في "غوانتنامو".وتُعد قضية عامر خطيرة وحساسة للغاية، مما جعل مجلس العموم البريطاني يعقد جلسة طارئة لبحث قضيته، الأربعاء المقبل، في حين كشفت صحيفة "ذا ميل" أن عامر شرح لمحاميه كيف كان يعتدي عليه ضباط المخابرات البريطانية، "إم آي 6"، بصورة وحشية، أثناء استجوابه في قاعدة "باغرام" الجوية في أفغانستان، التي كانت تُعرَف باسم "السجن رقم 5"، وأضاف أن ضباط المخابرات البريطانية عاملو ابن الشيخ الليبي معاملة مماثلة، والذي كان آنذاك ذاهبًا إلى مصر، وتعرض للتعذيب، للاعتراف بأن الرئيس العراقي صدام حسين كان يُدَرِّب الأفراد التابعين لتنظيم "القاعدة" الإرهابي على كيفية استخدام الأسلحة الكيميائية، وهو الاعتراف الحيوي، الذي استخدمه الرئيس الأميركي السابق جورج بوش، ووزير خارجيته كولن باول، وقتها لتبرير الحرب، والذي أقنع رئيس الوزراء البريطاني الأسبق توني بلير، بأن صدام كان لا بد من الإطاحة به.وفي حال ثبوت صحة إدعاء عامر، سيعني ذلك بالتالي أن "إم أي 6" كانت على علم، أو شاركت بصورة مباشرة في عمليات ترحيل ابن الشيخ الليبي إلى مصر، لانتزاع الاعتراف منه، وهو ما يُعد واحدًا من أحلك الفصول في ما يسمى "الحرب على الإرهاب"، لقلة المعروف عنه من معلومات.وقد كانت مصر في تلك الفترة مقرًا لانتزاع الاعترافات على يد المخابرات العامة المصرية، التي كان يرأسها حينها اللواء عمر سليمان.سجن غوانتنامو أصبح على وشك الانهيار، لاسيما بعد الاضراب عن الطعام، الذي قام به السجناء، والذي حاولت السلطات الأميركية محاربته من خلال إجبار 15 رجلاً على تناول الطعام بالقوة من خلال أنابيب تم إدخالها في بطونهم عبر أنوفهم، وأربعة تم نقلهم إلى المستشفى، في حين اقتحم الأسبوع الماضي العشرات من جنود مكافحة الشغب قسم "كامب 6" لتأمينه، وأطلقوا الرصاص المطاطي على السجناء، لأن المتمردين قاموا بتغطية عدسات كاميرات الدوائر التلفزيونية المغلقة بالمناشف، وقاموا برش الحراس بالبول، ورفضوا السماح بتفتيش زنازينهم، وتم وضعهم الآن في الحبس الانفرادي. ولد عامر في المدينة المنورة في المملكة العربية السعودية، ودرس في أميركا، وعمل مترجمًا لجيش الولايات المتحدة، أثناء حرب الخليج الأولى، وانتقل إلى لندن، حيث واصل الترجمة، وتزوج بامرأة مسلمة بريطانية، تدعى زين الصديق، وأنجب أربعة أطفال، وكانت زين حاملاً في الخامس عندما ذهبوا إلى أفغانستان، حيث عمل عامر في جمعية خيرية، في صيف العام 2001.وكغيره من معتقلي "غوانتنامو" البريطانين، تم اعتقاله من قبل قوات التحالف الشمالي الأفغاني، وتسليمه للأميركيين، ووصل إلى غوانتنامو بعد وقت قصير في "باغرام" وقندهار، في 14 شباط/فبراير 2002.وأصبح شخصية رفيعة المستوى، لأنه يتحدث الإنكليزية بطلاقة، حيث بات الناطق باسم السجناء، وقاد احتجاجات سابقة، واضرابات عن الطعام، في حين يقول محاميه كلايف ستافورد سميث، من منظمة "ريبريف" لحقوق الإنسان، أن أفعاله لا يمكن أن تتسبب في فشل عملية إطلاق سراحه، فقد تم الإفراج عن سجناء آخرين، بما في ذلك ضابط سابق في لندن، يدعى أحمد الرشيدي، الذي أطلق عليه آسريه لقب "الجنرال"، للطريقة التي كان ينظم بها الاحتجاجات والمقاومة في المخيم.وأضافت الصحيفة في تقريرها أنه كان هناك محاكمتان أقيمتا بعد فترة وجيزة من تولي باراك أوباما الحكم في أميركا للمرة الأولى، وتم الإعلان فيهما عن الإفراج عن عامر، وكان اختصاصها استعراض الحالات جميعها المتبقية في "غوانتنامو"، ولم تقتصر المحاكمة على مقابلات واسعة النطاق بين عامر ومسؤولين من واشنطن فحسب، ولكن دخلت المخابرات الأميركية والأجهزة الأمنية في القضية، للتأكد ما إذا كان عامر يمثل خطرًا، وقال محاميه سميث أن "استنتاجهم لا لبس فيه، عامر لم يكن خطرًا"، لكن لم يتم التصريح لعامر، ولا لمحاميه، بأنه قد تم الإفراج عنه، ليذهب للمملكة العربية السعودية، وأتى الكشف الرسمي لهذه الحقيقة الحاسمة منذ ستة أسابيع فقط، بعد إجراء مزيد من المحادثات مع الأميركيين، عندما كتب وزير الخارجية وليام هيغ لمحامي عامر، وقال "نحن لا نزال ملتزمين بتأمين الإفراج عن عامر، وعودته إلى بريطانيا، ومع ذلك لم يتم إعلامه بأنه سيُفْرَج عنه، ليتم نقله إلى السعودية."في الجناح شديد الحراسة "المعسكر 5"، يقضي السجناء 23 ساعة يوميًا داخل زنازين مساحتها لا تتجاوز 6 أقدام، في 10 أقدام، ولا تحتوي على أي شيء، سوى مرحاض به بالوعة صغيرة، وسرير معدني، مع فراش رقيق، بالإضافة إلى بعض الممتلكات، مثل القرآن، وفرشاة الأسنان، وتعتبر وسائل الترفيه بالنسبة لهم، هي الذهاب لمكان منعزل، في منطقة مكشوفة صغيرة، وليس هناك علاقة بين السجناء، والطريقة الوحيدة التي يمكنهم التواصل بها هي الصراخ أسفل الممر، ومع استمرار الحبس الانفرادي لمدة 24 ساعة يوميًا، أصبحت الظروف أسوأ بكثير، وعندما يطلب عامر أي شيء، حتى زجاجة الماء، يصبح ضحية لما يعرف باسم "the Forcible Cell Extraction team"، حيث يقوم فريق، مكون من 6 جنود، بتكبيل قدميه وذراعيه وراء ظهره، ومن ثم رفعه "مثل كيس البطاطا"، حتى لا يسبب أي مشكلة، وهي عملية يرى عامر أنها "مؤلمة بصورة لا تطاق، لما تسببه من الإصابات في الظهر على المدى الطويل".وقالت ممثلة عائلة عامر، جين آليسون، والتي كان لها دور أساسي في تأمين المناقشة في مجلس العموم، "إن إصرار الولايات المتحدة على تسليمه إلى المملكة العربية السعودية كان "غير منطقي تمامًا، وسيكون كارثيًا لأسرته، إذا ما أعيد إلى السعودية، أوباما ربما لم يكن قادرًا على إغلاق غوانتنامو، ولكن أنا لا أفهم لماذا لا يستطيع على الأقل حل جزء واحد صغير من مشكلة كبيرة جدًا، عن طريق السماح لشاكر بالعودة إلى بريطانيا، ولكن شعوري هو أنهم لن يسمحوا له بالذهاب، لأنه يعرف أكثر من اللازم، وإذا تحدث فذلك سيكون من شأنه إحراج بعض الأشخاص في أميركا، وربما بريطانيا أيضًا".لا يعتقد محامي عامر أن ما يعرفه موكله أمر مرتبط بما حدث في "باغرام" في كانون الثاني/يناير عام 2002، قبل قيام عملاء المخابرات المركزية الأميركية بالقبض على الليبي من الحجز العسكري، وإرساله إلى مصر، لكنه إطلع على سجل ملاحظات موكله، منذ وصوله إلى "باغرام"، عشية عيد الميلاد عام 2001، والتي قال فيها "منذ البداية كان ضباط المخابرات البريطانية متواطئين في تعذيبه، كان هناك دائمًا ما لا يقل عن اثنين من وكلاء المملكة المتحدة هناك، وقد شهدوا سوء المعاملة التي تَعَرَّضْتُ لها، لقد كنت على الجدران معلقًا، ما يعني أن شخصًا ما أمسك بي ووضعني هناك، علاوة على ذلك، ضربوا رأسي، لقد تَعَرَّضْتُ للضرب أيضًا بِمِقْبَض الفأس، وتم تهديدي بتلقي أنواع أخرى من سوء المعاملة، وكان هناك أشخاص يصرخون بأنهم سيقتلونني أو أنني سأموت"، وأضاف قائلاً "لقد كُنْتُ شاهدًا على تعذيب ابن الشيخ الليبي في باغرام، وتُعتَبَر قضيته بالنسبة لي ذات أهمية خاصة، وشهادتي لها أهمية خاصة لعملية اعتقالي الجارية، لقد كان يتعرض للإيذاء هناك، في الوقت نفسه الذي كُنْتُ أتعذَّب فيه، في الواقع، تم نقلي إلى غرفة في معتقل باغرام، حيث كان محتجزًا، وكان هناك عدد من المحققين في الغرفة"، وأوضح "كان هناك محققون من رجال (إم آي 6)، بعد ذلك بوقت قصير جدًا، وتم نقل الليبي من باغرام، وتقديم مزاعمه الكاذبة، بأن صدام يُدَرِّب عناصر تنظيم القاعدة، وهو السبب الأساسي في قرار الرئيس السابق بوش لغزو العراق". ويرى محامي عامر أن "ما تسبب في إحراج أميركا، هو الإعلان عن أن مزاعم الحرب كانت وهمية، وأن الليبي قالها تحت وطأة التعذيب منذ فترة طويلة، وكان المفترض أن يكون ذلك الليبي معتقلاً ذا قيمة عالية، كرئيس سابق لمعسكر تدريب للإرهابيين"، والذي عرف عنه، بعد خروجه من مصر، أنه أمضى أعوامًا في معتقل وكالة المخابرات المركزية "الموقع الأسود"، وهو سجن سري، حيث تم استخدام تقنيات الاستجواب الحديثة، ومن ثم تم نقل السجناء الآخرين، الذين لهم القدر نفسه من الأهمية، في العام 2006، من "الموقع الأسود" إلى معسكر "غوانتانامو" السري "كامب 7"، لكن الليبي أُرسِلَ إلى العقيد معمر القذافي في ليبيا، وتوفي في ظروف غامضة، في حين إدَّعَى النظام أنه انتحر، لكن المعارضين، والحكومة الليبية الحالية، يقولون أنه قتل في زنزانته.وأضاف المحامي "أنا متأكد من أن وزير الخارجية البريطاني وليام هيغ صادِق، لكن مسؤولين آخرين في المملكة المتحدة قد يكون لهم مصلحة قوية في الحفاظ على ما يصل إلى حد التستر، إما عن طريق الحفاظ على عامر في غوانتنامو، أو إرساله إلى السعودية". يذكر أن متحدثة باسم وزارة الخارجية الأميركية أشارت إلى أنها "لا تستطيع مناقشة الروابط بين عامر وقضية الليبي، لأنها سياسة طويلة الأمد للحكومات المتعاقبة، ويجب عدم التعليق على المسائل الاستخباراتية"، مؤكدة أن البنتاغون"لا يكشف عن طبيعة المناقشات الدبلوماسية مع الحكومات الأجنبية".