غزة - محمد حبيب
كشفت صحيفة "يديعوت أحرنوت" العبرية، الجمعة، عن طريقة تصفية المسؤول العسكري الأبرز لحركة "حماس"، الشهيد أحمد الجعبري، الذي كان على رأس قائمة أهداف اغتيال الجيش الإسرائيلي، واستُعملت لاغتياله القدرات كافة. ويكشف "ملحق السبت" عن الشبكة التي حُبكت في الجيش الإسرائيلي، والأذرع الاستخبارية في محيط الجعبري، وعما حدث في الـ 48 ساعة الحاسمة، التي سبقت التصفية.وقالت الصحيفة، نقلاً عن ضابط الفهم الشبكي المسؤول عن مجال الإرهاب الفلسطيني في وحدة جمع المعلومات 8200 التابعة لشعبة الاستخبارات الرائد ط.، "بدأت عملية عامود السحاب بعد دقائق معدودة فقط من إحراز صورة النصر، وهي اغتيال المطلوب رقم 1، رئيس هيئة أركان جيش حماس أحمد الجعبري، من الجو، تعلمنا أن نعرفه، وأن نفهم ما يفعله، وأن نخنقه استخباراتيًا ببساطة"، بينما صرح رئيس هيئة الأركان غانتس أخيرًأ "من الخطأ الأساسي أن نقول أن الجعبري قد اغتيل في الرابع عشر من تشرين الثاني/نوفمبر 2012، ففي ذلك الوقت نُفذ الاغتيال المادي نفسه، لكنه كان هدفًا لنا قبل ذلك بزمن طويل، وقد انتظرنا فقط الوقت المناسب والموافقة، والذي حافظ على الجعبري حيًا هو جندي الجيش الإسرائيلي جلعاد شاليط، لأننا كنا نعُد الجعبري المسؤول عن اختطاف شاليط، في 25 حزيران/يونيو 2006، واحتجازه أسيرًا لخمس سنوات، لذا امتنع الجيش الإسرائيلي عن المس بالجعبري، خشية على حياة شاليط، لكن كان واضحًا أن حصانة الجعبري ستزول منذ لحظة الإفراج عن أسيرنا". ويوضح الرائد ط. "كان شكاكًا، وكان عالمًا بتعقب الجيش الإسرائيلي له، وسلك سلوك المطلوب، حيث سكن عدة بيوت، ولم يسافر وحده في سيارة، ولم يخرج لتناول الطعام في المطاعم، واعتمد على حلقة ضيقة من المساعدين المقربين، وقد علِمنا أنه حينما يفعل أحد أولئك المقربين شيئًا ما فإن ذلك يتصل بالجعبري، واعتاد، كما هي الحال في كل منظمة عسكرية، أن يُجري لقاءات عمل مع المستويات العليا للذراع، وأن يصل إلى مواقع حماس ويراقب التدريبات، ومع ذلك اجتهد كي لا يخرج في جولات كثيرة، وفي أحيان كثيرة كان كبار مسؤولي الذراع هم الذين يأتون إليه، كي لا يضطر إلى الخروج إليهم والكشف عن نفسه، وفي 14 تشرين الثاني/نوفمبر 2012، قبل الساعة الرابعة بعد الظهر بخمس دقائق بالضبط، بلغ سباق هرب الجعبري نهايته، حيث أطلقت طائرة من سلاح الجو النار على السيارة التي كان يستقلها في مركز مدينة غزة، وقُتل الجعبري وسائقه في الانفجار، لتنطلق عملية عامود السحاب لوجهتها. وتضيف الصحيفة، نقلاً عن المتحدث ذاته، "في الـ 48 ساعة، بين الاثنين والأربعاء، الذي تمت العملية فيه، بُذلت جميع الجهود الاستخبارية للبحث عن فرصة اغتياله – أو اغتيال مسؤولين كبار آخرين، في تلك المرحلة عُرض على قسم البحث سؤالان، يُبلغ رئيس الوزراء الجواب عنهما، وكان السؤال الأول كيف سترد حماس على اغتيال الجعبري؟ هل تطلق صواريخ على تل أبيب أم تستمر في الإطلاق إلى نفس المدى؟ والسؤال الثاني كيف سيؤثر اغتيال الجعبري في حركة حماس في أمد بعيد؟، وفي الجواب عن السؤال الأول عرضنا عددًا من سيناريوهات الرد المحتملة من حماس اشتملت على إطلاق صواريخ على مركز البلاد، حيث كان الذي رجح كفة الاغتيال، عملية القضاء على مخزونات القذائف الصاروخية البعيدة المدى لحماس، التي خُطط لتنفيذها بعد اغتيال الجعبري فورًا، والاعتماد على قدرات منظومة (القبة الحديدية)، وكان جواب السؤال الثاني أكثر تعقيدًا، حيث أن الجعبري في الحقيقة عامل مهم جدًا في حركة حماس، لكنها تستطيع أن تواجه غيابه، سيما أنها أدركت، منذ اغتيال زعيم الحركة أحمد ياسين والرنتيسي الذي حل محله، أنه لا يمكن أن يكون كل شيء في يد إنسان واحد، وأصبحت البنية الحاكمة شبه هرم مقطوع الرأس، ليس طرفه الأعلى شخصًا واحدًا بل أربعة أو خمسة من كبار المسؤولين، وكان الجعبري واحدًا من أولئك الكبار، إلى جانب أسماء مثل نزار عوض الله، ومحمود الزهار وخليل الحية، وعلى الرغم من ذلك، كان التقدير أن اغتياله سيسبب زعزعة شديدة في الحركة، وشعورًا بالتغلغل الاستخباري، وتجديد الردع الذي ضاع بعد عملية الرصاص المصبوب"، وأوصى "الشباك" بأن "تكون ضربة بدء عملية عامود السحاب هي اغتيال الجعبري، والتزم أن يقدم جميع المعلومات المطلوبة لإنشاء صورة استخبارية دقيقة كاملة، تفضي إلى اغتياله الناجح، مع أقل عدد من المصابين من الأبرياء، وخرج رئيس هيئة الأركان من المباحثات، واتجه إلى جولة مشاورات بأربع عيون، تحدث طويلاً إلى رئيس "الشباك" يورام كوهين، وإلى قائد منطقة الجنوب تال روسو، وإلى رئيس "أمان" اللواء أفيف كوخافي، بغية الحصول على أجوبة عن الأسئلة التي وجهت في الحال إلى قسم البحث في "أمان"، حيث أراد رئيس هيئة الأركان أن يعلم ما هي النار التي سيشعلها هذا الاغتيال، وهل سيقف الأمر عند العملية، أم يفضي إلى احتلال غزة من جديد، وأجرى بعد ذلك محادثات تشاور في هذا الشأن مع رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو ومع وزير الدفاع آنذاك إيهود باراك، وفي تلك الأثناء كانت واقعة تتلو واقعة، ولم يعد الجيش الإسرائيلي قادرًا على الاستمرار في ضبط النفس، وفي نهاية المشاورات، وبعد تلقي تقدير قسم البحث من "أمان" عن التأثيرات المحتملة للعملية، أصدر رئيس الوزراء ووزير الدفاع موافقة مبدئية على اغتيال الجعبري، أما قرار تنفيذ الاغتيال بالفعل، فيتخذه رئيس هيئة الأركان فقط، وهو يملك الصورة كاملة، واتخذ غانتس قرارًا وقال "سننتظر الجعبري يومين. إلى ظهر الأربعاء، فإذا لم نجده حتى ذلك الحين، فإن الأمر سيطول كثيرًا، وفي هذه الحال سنبدأ العملية باغتيال اثنين أو ثلاثة من كبار المسؤولين برتب ميدانية". ونزلت التوجيهات إلى الرتب الميدانية، فدخل "الشباك"، والوحدة 8200، وفريق الطيران الاستخباري، الذي يفترض أن يساعد على الاغتيال أقصى استعداد. وتعود الصحيفة إلى الرائد ط.، لتنقل عنه القول "في اللحظة التي أبلغوني فيها أنه استقر الرأي على اغتيال الجعبري، وضعت في التشكيلة لليوم القريب أفضل الأعضاء تدريبًا، الحديث عن فرقة اخترتهم بحرص على حسب مستوى أهليتهم، ولم أترك شيئًا للصدفة، وضُم إلى التشكيلة الجوية التي أقلعت إلى قطاع غزة في الساعة 12 ظهرًا المستطلِع الجوي الرقيب ي. (21 عامًا)، الذي يسكن في واحدة من القرى الزراعية في عيمق حيفر، والمستطلِع الجوي يوجد في فريق الطيران الذي يحلق فوق المنزل، وهو خارج مدى سمع ناس حماس وبصرهم، وهو يصاحب بمساعدة وسائل رؤية ليلية خاصة الهدف، ويُطبق عليه، وفي تلك اللحظة يتم الإطلاق من وسيلة طيران أخرى، وتحركنا بين عدد من المراكز، حسب المعلومات الاستخبارية، وبعد نحو ساعتين تم تلقي معلومة أن الجعبري موجود في مبنى ما، ووصلنا إلى هناك، وعلمنا إلى أي مبنى سيدخل، ويجب الآن فقط أن ننتظر كي يخطئ ويخرج، وفي حوالي الساعة 3 ظهرًا، كانت جميع الدلائل تُبين أننا بدأنا نصل إلى الهدف، وانحصرت المعلومات في البيت الذي تحلق فوقه الطائرة الاستخبارية، والسيارة التي يفترض أن يدخلها الجعبري، وقبل الساعة 4 ظهرًا بخمس دقائق كان الجعبري يخرج من المبنى ويدخل السيارة، ويُطلق الصاروخ وتصاب السيارة، لم يكن يوجد زمن كثير للهضم، حينما خرج من المبنى حافظنا على صلة عين به، وصاحبناه في تعقب جوي، حتى لحظة الهجوم، ورأينا سيارة وحولها ناس كثيرون، وصاحبناه من أعلى طول الوقت، وراقبنا من يدخل السيارة أو من يخرج منها، وفحصنا أنه لا يضيع، وأنه لا يوجد أولاد في محيطه، ونحن نسمي هذا في اللغة المهنية (أحيزاه)، وتعني قبضة، وعملنا ألا نضيعه، والحديث هنا، من الخروج من المبنى ودخول السيارة إلى لحظة الاغتيال، عن دقائق، وفي لحظة الاغتيال نفسها كانت مرحلة قصيرة جدًا، يرتفع فيها النبض والأدرينالين، وبعد ذلك بقينا في الأعلى، إلى أن تلقينا بعد خمس دقائق النبأ النهائي، وهو أن ذلك كان الجعبري، هذا جزء من عملنا، بعد كل عملية اغتيال كهذه، وهو أن نُبلغ أكانت إصابة أم إخطاء، وهل خرج شخص ما من السيارة بعد الإصابة أم لا، وإلى أين يهرب إذا كان قد خرج، وهل أصيب أبرياء، وفي حال الجعبري كان التنفيذ نظيفًا وسهلاً جدًا، وهذا ما أبلغته أيضًا من خلال جهاز الاتصال بقولي (ألفا، نظيف وسهل)، وبعد أن تلقينا تصديق أنه كان الجعبري، استمرر عملنا على أهداف أخرى، وحين عدنا وهبطنا في القاعدة الجوية، تم استجوابنا، وفي المساء فقط حينما شاهدت الأخبار في نادي الوحدة الجوية، بدأت أفهم ما الذي كنت مشاركًا فيه حقًا". وكان "الشباك" قد أنشأ أثناء العملية 12 غرفة عمل، تلقت معلومات من الميدان، وترجمتها إلى أهداف هجوم، وساعدت على الإصابة الدامغة، وزودت بصور استخبارية عن نشاط "حماس"، بل صاغت توصيات للمستوى السياسي، وجلس ممثلو "الشباك" أيضًا في غرف حرب الجيش الإسرائيلي. يذكر أنه أثناء العملية هوجم وأصيب عشرات من قادة "حماس" و"الجهاد الإسلامي" العسكريين، الذين كانوا مشاركين في القتال، ومنهم ناس في منظومة الإنتاج، ومحاربون، وخلايا إطلاق قذائف صاروخية، وعلى سبيل المثال تم الهجوم على شقة خفية، كان يمكث فيها كبار مسؤولي "الجهاد الإسلامي" في القطاع، وقتل في الهجوم أحد النشطاء وجرح ثلاثة آخرون، وهوجمت كذلك بيوت قادة كبار في الذراع العسكرية لـ"حماس"، كان بعضها يُستعمل مخازنًا للوسائل القتالية.