بيروت ـ ميشال سماحة
في اليوم الثالث بعد احداث الطيونة وعين الرمانة الدامية في العاصمة اللبنانية بيروت، لم تتراجع وتيرتان فيما بدأت وتيرة ثالثة تطل برأسها وسط أجواء يلفها الغموض الشديد. وتيرة التصعيد السياسي الكلامي والإعلامي لا سيما لجهة الهجمات الشعواء التي يشنها الثنائي الشيعي بكل طواقمه الحزبية والإعلامية المباشرة او المرتبطة به على "القوات اللبنانية" بما يترجم توجهات غرفة عمليات تدفع في اتجاه مزيد من التفجر.
ووتيرة الانسداد السياسي الذي نشأ عن تداعيات الشق السياسي لأمر العمليات نفسه عبر وضع الثنائي الشيعي شرطين للعودة الى الحكومة ومجلس الوزراء، هما تنحية او اقالة او استقالة المحقق العدلي في جريمة انفجار مرفأ بيروت وتوقيف ومحاكمة المتورطين في احداث 14 تشرين الأول.
ورئيس "التيار الوطني الحر" جبران باسيل بدا واضحا انه يسعى الى "الاستثمار المتوازن" في تداعيات الاحداث الأخيرة لكي يرضي حليفه "حزب الله" بتبني اتهامه للقوات اللبنانية والمزايدة عليه في الشتائم والاتهامات المقذعة فيما يسعى الى اظهار تمسكه باستقلالية مزعومة بعدم التخلي عن دعم المحقق العدلي.
وشنّ باسيل في لقاء جماهيري بعنوان "عهدنا نبقى هون" أحياه التيّار في ذكرى 13 تشرين الأول/ أكتوبر، بمجمع ميشال المر في نهر الموت، هجوماً عنيفاً على أكثر من طرف سياسي، من دون تسميته.
إلّا أنّ هجوم باسيل تركز على رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع، سيّما بعد كلامه أمس.
وأكد باسيل، أنّ "التيّار الوطني الحرّ مع استكمال التحقيق العدلي، وكشف الحقيقة ومحاكمة المرتكبين"، قائلاً: "سنواجه من يحاول ضبضبة الملف".
وقال: "مقولة أنّ "الضعيف يذهب للقضاء" معاكسة لمنطق الدولة والعدالة، فإمّا يذهب الجميع للقضاء أو لا أحد"، مشدداً على أنّ "حقوق المسيحيين لا تستعاد بالدم بل في مجلس الوزراء وبالإدارة".
وسأل: "شو يعني زعيم زغرتا بيحمي فنيانوس وحليس من القضاء؟ وزعيم بشرّي بيحمي رحمة والصقر وزعيم شيعي بيحمي نوابه ورؤساء الحكومات ودار الإفتاء بيحموا ناسهم وبالمقابل نحنا مننصح الناس يروحوا ولو كانوا مظلومين! وبالآخر منطلع نحنا فاسدين؟".
وأضاف: "التبعية والخضوع سقطا عام 2005، وبقي الفساد والفشل اللذان يتمثلان بمنظومة حكمت البلد وأفلسته ونريد أنّ نتخلّص منّها مهما كلّفنا الأمر من وقت وتضحيات".
وأردف: "بالخارج، رح تبقوا بلا جار، وبلا ظهير وبلا خلفية، ولا عمق! وبالداخل، رح تبقوا أو مجرمين أو فاسدين أو عُملا بنظر قسم من شعبكم! وفي واحد منكم، كل ما حاول ينظّف حاله، بيرجع بينجوي بسفك الدم، لأن هيدي طبيعته، وجريمة الطيّونة أكبر برهان. حقوق المسيحيين ما بتنجاب بالدمّ! بتنجاب بالقانون الأروثوذكسي يلّي طلع منه وروّحه، بتنجاب بمجلس النواب بتشريع القوانين يلّي عم يتراجع عنها (مثل تمثيل المنتشرين)، بتنجاب بمجلس الوزراء وبالإدارة بكلّ المعارك يلّي عملناها ووقف بوجهنا فيها، بيتحافظ عيها بصلاحيّات رئيس الجمهورية لمّا في تأليف حكومة، ولمّا في رسائل لمجلس النواب، ومش بينوقف ضدّها!".
وقال: "بالحرب، اختصاصه ضرب المسيحيين بالجبل، وبشرق صيدا، وبإهدن، وبعبدا، وبالانقلابات وبالانتفاضات وبـ 13 تشرين، وبمطرانية زحلة وبسيدة النجاة، بالسلم، اختصاصه ضرب المسيحيين بالدستور، وبالقانون، وبالصلاحيات، وبالإدارة وبالتعيينات وبالاقتصاد وبالكهرباء، (وبالسدود وغيره وغيراته). كلّ همّه ضرب ميشال عون والتيّار. مش مهم إلو انّو هو يعمل شيء، المهم إلو إنّو نحنا ما نعمل شيء! كرمال هيك، كل شي عنده بيصير مباح ومنصير نحنا الفاسدين، والبقية كلّهم أوادم (وعنده نقطة ضعف عليهم!".
وتابع: "منظومة 13 تشرين لم تتقبلنا ولا تقبّلت فائض كرامتنا وسمّتها "تعجرفاً"، ولا تقبّلت فكرة أنّ ميشال عون رئيس الجمهوريّة، وتعرفون جيداً من قال بالعلن "الله لا يخلّيني اذ بخلّيه يحكم" وتعرفون أيضاً "يوضاس"، الذي قالها في السر، وعندما "انحشر"، دعم في العلن وطعن في الظهر".
وتوجّه باسيل إلى المسؤولين بالقول "لا تعبدوا وطنين، وطنكم ووطن عمالتكم، فكيف إذا كانت العمالة مثل اليوم، لعدّة دول، تتبدّل مع تبدّل النفوذ".
وعن حادثة الطيونة، قال باسيل: "هناك من يلجأ للدم كل ما أراد أنّ يحرّك الشارع المسيحي وتاريخه يشهد".
ونوّه رئيس التيّار الوطني الحر إلى أن "بناء الدولة وحده يحمي السلم الأهلي وانّ السلاح لا بيمنع الفتنة، فوحدها الدولة هي التي تمنعها، إذا كنّا جميعا تحت جناحها، و "السلبطة" مرفوضة، سواء كانت من الذين هجموا بلا تفكير أو من الذين ادّعوا الدفاع، وقتلوا عن سابق تصوّر وتصميم، والقوي ليس الذي يحمل السلاح ويقنص الناس عن أسطح المباني، وليس من يدعي حماية منطقته بإطلاق النار من بين أهلها؛ القوي هو الذي يجنب منطقته الفتنة، وليس بالخضوع، ولكن بالوقوف بقوة وحكمة".
و اعتبر رئيس "التيار الوطني الحر" أنّ "تفاهم مار مخايل في 6 شباط حصل لكي تكون خطوط التماس خطوط جمع بين اللبنانيين وليس خطوط فصل"، قائلاً: "أيّها اللبنانيّون عليكم أن تختاروا بين مشهد مار مخايل ومشهد الطيّونة".
إلى ذلك، أكد رئيس "التيار الوطني الحر" أنّ "التلاعب بالانتخابات وقانونها بدأ، فالانتخابات لم تحصل مرّة في آذار، ولا يمكنها أن تحصل في ظل هكذا ظروف، أي طقس الجبال، المازوت، الكهرباء، التدفئة وصعوبة التنقل، كما أنّه لا يمكن أن تحصل بزمن الصوم عند المسيحيين"
ورأى أن الحل الفعلي "يجب أن يشمل الكابيتول كونترول ليتوقف تهريب الأموال للخارج على يد النافذين أنفسهم، وإقرار قانون استعادة الأموال المحولة للخارج".
ولفت باسيل الى أنهم "حاولوا أن يحاصرونا دولياً وفرضوا علينا عقوبات بسبب مواقفنا من المقاومة والتوطين والنزوح وسوريا واعتبروا أن هذا الأمر يعزلنا عن مجتمعنا".
اما الوتيرة الطارئة الثالثة، فتمثلت في بداية كلام عن جهود للتوصل الى تسوية قبل يوم الثلاثاء المقبل، موعد اجتماع مجلس القضاء الأعلى مع القاضي البيطار مرتكزة الى مبدأ فصل السلطات وايجاد مخرج مشرف لا يعطي انتصارا لاي من الافرقاء، ويسحب فتيل التوتر ومسلسل تبادل الاتهامات بين القوى المعنية.
وفي سياق البحث عن الحل، يجتمع مجلس القضاء الأعلى، يوم الثلاثاء المقبل مع المحقق العدلي في قضية انفجار مرفأ بيروت القاضي طارق البيطار، للاستماع إلى رأيه حول مسار التحقيق.
وكان رئيس الوزراء نجيب ميقاتي قد اجتمع مع وزير العدل القاضي هنري خوري ورئيس مجلس القضاء الاعلى القاضي سهيل عبود والنائب العام التمييزي القاضي غسان عويدات في مكتبه.
وتم خلال الاجتماع البحث في ملف الاحداث الامنية التي حصلت في الطيونة وضرورة الاسراع في التحقيقات الجارية لكشف الملابسات الكاملة لما حصل واحالة المتسببين بهذه الاحداث على القضاء المختص.
وشدد ميقاتي على أن "الملف الكامل لما حصل هو في عهدة الاجهزة الامنية باشراف القضاء المختص". كما اكد ان "الحكومة حريصة على عدم التدخل في اي ملف يخص القضاء، وأن على السلطة القضائية أن تتخذ بنفسها ما تراه مناسبا من إجراءات".
في غضون ذلك، وفيما يطل الامين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله في الثامنة والنصف مساء الاثنين المقبل ليتناول المستجدّات السياسية والامنية وفي شكل خاص حوادث الطيونة والتحقيق في جريمة المرفأ، تصاعد الهجوم الحاد الذي يشنه الثنائي الشيعي على حزب "القوات اللبنانية" متهما اياه بإعادة البلاد الى الحرب الاهلية. فرأى النائب حسين الحاج حسن أن "الشهداء في مكمن الطيونة الغادر، قتلوا على يد قناصة القوات اللبنانية ومسلحيها الذين أعدوا هذا المكمن بأمر من قيادتهم ذات التاريخ الطويل في القتل والغدر والمجازر".
وأضاف في لقاء سياسي في بعلبك أن "واجب جميع المسؤولين السياسيين والحزبيين والعسكريين والأمنيين، يتمثل في اتخاذ المواقف والخطوات اللازمة تجاه هذا المكمن القواتي الغادر، وخصوصاً ملاحقة القتلة والمخططين والمسؤولين القواتيين واعتقالهم وإنزال العقوبات الشديدة بهم، وصولا إلى رأس الهرم في هذا الحزب".
واشار عضو كتلة التنمية والتحرير النائب علي بزي، الى أن "المجلس الاعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء هو دستوريًا الجهة المخولة بمحاسبة الرؤساء والوزراء ولا يمكن ضرب المسار الدستوري بعرض الحائط"، موضحًا أن "ملف احداث الخميس بات بعهدة المعنيين ونحن حريصون على البلد والحكومة". ولفت بزي إلى أن "العودة الى الحكومة مرتبطة بالبت بموضوع التحقيقات بأحداث الخميس وعدالة التحقيق بجريمة المرفأ"، مؤكدًا أنه "رغم مظلومية الشهداء الابرياء الذين سقطوا الخميس، ورغم حالة الغضب عند عائلاتهم، الى أن حركة امل ورئيس مجلس النواب نبيه بري لن يقعوا في فخ الفتنة والحرب الداخلية الذي نُصب".
في المقابل شدد عضو تكتل "الجمهورية القوية" النائب جورج عقيص، على انه "لا يحق لحركة أمل وحزب الله تحميل المسؤوليات، بل يجب الركون الى الأجهزة الأمنية. نحن حتى اللحظة نثق بأن الأجهزة الأمنية رأت ما حصل وتستطيع رفع ذلك الى القضاء لتحديد المسؤوليات، وقبل ذلك كل تحميل للمسؤولية هو اتهام سياسي. والكلام عن تلفيق ملفات كسيدة النجاة هذيان سياسي فزمن تركيب الملفات ولى، وما حدث أمس موثق في وسائل الإعلام مع الفيديوهات المتناقلة، وأي اتهام لشباب من القوات يجب ان يكون موثقا".
ودعا الى أن "تتحول جريمة الأمس إلى المحقق العدلي، فالمجلس بتركيبته الحالية ضمان لكل الناس". وذكر بما حصل في 14 تشرين "بين فريق معلوم وآخر مجهول". وقال: "فلننتظر الأجهزة الرسمية لتكشف من هو ومن وراءه". وسأل: "كيف يمكن أن تكون كل التوقيفات من عين الرمانة، فيما يظهر في الفيديو مسلحون وأشخاص يقومون بتكسير الأماكن العامة".
ومن موقع سياسي مختلف، دعا رئيس "اللقاء الديموقراطي" النائب تيمور جنبلاط جميع الفرقاء والمعنيين الى "ضبط النفس والتخفيف من حدة التوترات والتشنجات ومنسوب الحملات السياسية والاعلامية التي رافقت وترافق ما حصل بشكل مؤسف في منطقة الطيونة وتداعيات تلك الاحداث الأليمة التي شهدناها، بهدف وأد الفتنة ومنع إعادة عقارب الساعة الى الوراء، بغية عودة الامور الى نصابها الصحيح".
وشدد جنبلاط على "احترام الحريات العامة وأحقية التظاهر السلمي والتعبير عن الرأي ضمن القوانين المرعية الاجراء، وعدم التعرض لهذه الثوابت والمرتكزات تحت أي ظرف من الظروف، ورفض العنف بكل أشكاله وأنواعه، والركون الى القضاء من أجل القيام بواجباته الكاملة، والإسراع في التحقيقات المطلوبة لكشف ملابسات الاحداث التي جرت بمنأى عن أي تشكيك أو ضغوط".
وأحدث الفيديو الذي وزع للمتحدث بإسم أهالي ضحايا انفجار مرفأ بيروت إبرهيم حطيط ضجة واسعة لجهة الشبهة بانه تعرض للضغوط لكي يطالب المحقق العدلي بالاستقالة، وأوضح حطيط امس أنه تحدث بصفته الشخصية وعبّر عن رأيه الخاص تجاه أمور حدثت مؤخراً. وكان انتشر مقطع فيديو لافت لحطيط، وهو يطالب بتنحية قاضي التحقيق في جريمة انفجار المرفأ طارق البيطار، متهماً إياه بأنّه "مسيّس". واعتبر بعض أهالي ضحايا تفجير المرفأ أنّ هذا الفيديو يمكن أن يكون قد صوّر تحت التهديد، خصوصا ان حطيط كان يقرأ بياناً مكتوباً بعد مقدمة مرتجلة. ونفى حطيط تعرضه للتهديد، قائلاً إن ما دفعه لهذا الموقف هو الدماء التي سقطت في أحداث الطيونة.وأضاف أنّه سيغادر موقعه في اللجنة، معتبراً أن هناك من يؤيّد رأيه من الأهالي وآخرين يعارضونه. إلى ذلك، طلب بعض أهالي الضحايا عدم تداول فيديو حطيط، معتبرين أن موقفه نابع من ضغوط تعرّض لها، والهدف شقّ صفوف الأهالي وتفريقهم.
ولاحقا صدر بيان عن جمعية أهالي ضحايا إنفجار مرفإ بيروت ومجموعة لجان ذوي الشهداء والضحايا والجرحى جاء فيه: "نحن أهالي أكثر من مئتي شهيد وضحية وآلاف المصابين ومئات آلاف من المتضررين، وضعنا ثقتنا بالمحقق العدلي القاضي طارق البيطار ومن ضمننا السيد إبراهيم حطيط الذي كان خطابه عَلى الدوام يصب بهذا الاتجاه".
وقـــــــــــــــــــــــــــــــــــــد يهمك أيـــــــــــضًأ :
ميشال عون يشترط على الحريري تأليف حكومة متوازنة ليمنحه توقيعه
الصحف اللبنانية تُؤكّد أنّ ملف تشكيل الحكومة الجديدة يشهد تقدُّمًا سريعًا