بغداد ـ نهال قباني
لم يتمكن البرلمان العراقي من تمرير قانون الانتخابات الجديد الذي أنجزته رئاستا الجمهورية والوزراء، بعد تأجيل التصويت إلى الأسبوع المقبل بسبب بروز مشكلات فنية مع الدخول في التفاصيل، لم يكن يتوقعها مشرعو القانون.
الجلسة التي عقدها البرلمان الخميس استمرت لساعات قبل أن يعلن رئيس البرلمان محمد الحلبوسي تأجيل الجلسة إلى إشعار آخر. الإشعار الآخر المقصود به إتاحة المجال أمام اللجنة القانونية في المجلس وبالاعتماد على الخبراء والمعنيين كي تبحث في كيفية معالجة المشكلات الفنية التي برزت، سواء بشأن الدوائر المتعددة وكيفية احتسابها إن كان على أساس المحافظات أو الأقضية، فضلاً عن انتخابات الخارج، وتمثيل النساء، وسواها من المشكلات التي لم يحسب من تولى تشريع القانون قبل التصويت عليه أخذها بعين الاعتبار.
مع ذلك؛ فإن مشروع القانون وتحت الضغط الهائل من الشارع المنتفض منذ أكثر من شهرين اجتاز عقبة الانتخاب الفردي والدوائر المتعددة والفوز بأعلى الأصوات لصالح من كان ينادي بأن يجري تقسيم القانون على أساس 50 في المائة للنظام الفردي و50 في المائة للقوائم، وهو ما يعني الإبقاء على نصف حصة الأحزاب ومنح المستقلين النصف الثاني.
المحتجون في ساحات التظاهر ببغداد والمحافظات الأخرى ما زالوا يرون أن هذه القسمة غير عادلة، خصوصاً بعد أن قدموا في المظاهرات مئات القتلى وعشرات آلاف الجرحى من أجل تغيير المعادلة التي تحكمت بالمشهد السياسي العراقي على مدى الأعوام الـ16 الماضية. فمنذ عام 2003، أجريت 4 دورات انتخابية بـ5 حكومات. وكان القانون الانتخابي يعتمد مرة الدائرة المغلقة وأخرى الدائرة المفتوحة، لكن دائماً ومطلقاً لصالح الأحزاب والقوى المتنفذة التي تمكنت بواسطة نظام «سانت ليغو» الانتخابي من بناء إمبراطورياتها الانتخابية والسياسية مع لجانها الاقتصادية التي هيمنت على الوزارات، بدءاً من أول حكومة تم تشكيلها بعد الاستفتاء على الدستور أواخر 2005 وإلى هذه الحكومة التي هيمن فيها مديرو مكاتب الوزراء على الوزارات.
لكن رغم أن القانون الجديد لا يلبي مطلب المتظاهرين وبعض القوى السياسية بإجراء الانتخابات بالنظام الفردي بالكامل، فإنه سيغير للمرة الأولى المعادلة السياسية العراقية. فعلى مدى الأعوام الماضية جرى بناء العملية السياسية على أساس محاصصة عرقية وطائفية بسبب قوانين الانتخابات ومفوضية الانتخابات التي يجري تعيينها هي الأخرى على أساس المحاصصة.
وبموجب مخرجات تلك القوانين ونتائجها لجهة التمثيل البرلماني يجري توزيع المناصب والمقاعد طبقاً للمحاصصة ذاتها. فالرئاسات الثلاث يجري توزيعها وفقاً للمكونات رغم أنه لا نص دستورياً بشأن ذلك. ومنذ ما بعد عام 2003 جرت العادة على اختيار كردي رئيساً للجمهورية وشيعي رئيساً للوزراء، وهو المنصب التنفيذي الأهم، وسني رئيساً للبرلمان.
أما الوزارات فيجري توزيع السيادية منها على أساس المكونات أيضاً. فإذا كانت وزارة الدفاع للسنة، فإن وزارة الداخلية للشيعة، أو بالعكس. والأمر نفسه ينطبق على 3 وزارات سيادية أخرى؛ هي: المالية والنفط والخارجية، فيما توزع الوزارات الأخرى حسب التوافق، وهو ما ينعكس في النهاية على التشكيلة الحكومية برمتها.
هذه المعادلة تزداد الآمال بتغييرها عبر قانون الانتخابات الذي قد يمهد للمرة الأولى لأغلبية سياسية تتخطى حكم الأحزاب والقوى المتنفذة، باتجاه «إعادة تأسيس» تتناسب وحجم التضحيات التي قدمتها الانتفاضة التي باتت تعرف بـ«ثورة تشرين».
مع ذلك، لا تزال الشكوك تساور كثيرين بسبب الجدول الزمني للانتخابات التي يطالب البعض بإجرائها خلال 6 أشهر، فيما يطلب آخرون بالانتظار سنة أو أكثر تحت ذريعة المشكلات الفنية. ففي حال أرجئت الانتخابات فستكون المدة مناسبة لتعيد القوى المتنفذة بعض ما ستخسره من نفوذ عن طريق الوزارات التي ستبقى حتى إجراء الانتخابات تحت سيطرتها.
ومع ذلك، فإن القانون الجديد مهما تكن الإشكاليات المحيطة به، بات مقدمة لتغيير المعادلة السياسية في العراق بما يهدد نفوذ القوى الكبرى التي لم تكن تتوقع يوماً أن يثور من تعتقده وسطها الاجتماعي والفئوي والمذهبي الذي تراهن عليه.
قد يهمك ايضا
واشنطن تهاجم السلطات العراقية بسبب استخدام القوة "الشنيعة" ضد المتظاهرين
"عاصفة" مظاهرات بغداد "الموحدة" تمر بسلام ودعوات للطلاب للعودة إلى الدراسة