لندن - كاتيا حداد
أكد الكاتب البريطاني ديفيد كوكبيرن، أن تنظيم "داعش" المتطرف بات أقوى مما كان عليه عندما ظهر لأول مرة في 29 حزيران/يونيو من العام الماضي، بعد وقت قصير من استيلاء مقاتليه على جزء كبير من شمال وغرب العراق، وأكد قدرته على الاستمرار في الفوز والانتصارات في 17 أيار/مايو من هذا العام في العراق، عندما استولى على الرمادي عاصمة محافظة الأنبار، ومرة أخرى بعد أربعة أيام في سورية، عندما سيطر على تدمر، واحدة من أشهر المدن في العصور القديمة ومفترق طرق رئيسي.
ويعتقد كوكبيرن أن الانتصارات تبين كيف نمت قوة "داعش"، وبات يمكنه الآن مهاجمة جبهات متعددة في وقت واحد، على بعد مئات الأميال بعيدا، القدرة التي تكن متوفرة قبل عام، وفي سلسلة متوالية سريعة، هزمت قواته الجيشين العراقي والسوري على حد سواء، ولم يستطع الجيشين التعامل مع فعالية الهجوم المضاد.
ويرى الكاتب أن انتصارات كهذه كان يجب أن لا تتحقق في ضوء الحملة الجوية التي بدأتها الولايات المتحدة وتحالفها الدولي في آب/أغسطس في العراق ومن ثم امتدت إلى سورية.
وشن التحالف الدولي 4.000 غارة قتلت حوالي 10.000 من مقاتلي التنظيم، وهي خسائر تم تعويضها بتجنيد مقاتلين من المناطق الخاضعة لسيطرته التي تزيد مساحتها عن مساحة بريطانيا العظمى ويعيش فيها ما بين 5 إلى 6 ملايين نسمة، وما يجعل انتصاري الرمادي وتدمر أمرين مهمين هو أن سقوطهما لم يأت عبر هجوم مفاجئ، كما حدث مع الموصل عندما هاجمها بضعة آلاف من المقاتلين واحتلوها في عام 2014.
وكان ينبغي أن تكون نتائج القتال في الرمادي، وهي مدينة سنية يبلغ عدد سكانها 600 ألف نسمة، مختلفة تماما مما كانت عليه في الموصل، وكان هجوم "داعش" في منتصف أيار/مايو تتويجا يمكن التنبؤ به تماما من الهجمات التي كانت مستمرة في ثمانية أشهر منذ تشرين الأول/أكتوبر 2014.
وفوجئ الجميع بانسحاب القوات العراقية بطريقة تشبه الهروب، وفي تحليله للطريقة التي ترك بها الجيش العراقي مواقعه في المدينة، ذكر كوكبيرن أن ذلك يعود إلى هزائم الجيش عام 2014 والتي لم يتعاف منها ولم يكن قادرا على القتال في أكثر من جبهة نظرا لقلة أعداد الجنود، فعدد الكتائب المتوفرة لديه لا تتجاوز الخمسة أي ما بين 10.000- 12.000 أما بقية القوات فلم تكن تصلح إلا لحراسة نقاط التفتيش كما نقل عن مسؤول أمني عراقي.
وبيّن العقيد حميد الشندوخ الذي كانت وحدته مرابطة في الجزء الجنوبي من الرمادي أن وحدته خسرت في ثلاثة أيام من القتال 76 جنديا وجرح 180 آخرون، وأضاف استخدم قادة "داعش" خليطا مميتا من تكتيكات مجربة، وإرسال المتطوعين الأجانب المتعصبين سيارات محملة القيادة متفجرات لتفجير أنفسهم وهدم تحصينات الحكومة، بما في ذلك القناصة وقنابل الهاون.
وأرجع الشندوخ الفشل إلى "تخوف الحكومة من تعبئة سكان الأنبار من السنة خشية تهديدهم للحكومة لاحقا"، واشتكى من أن الأسلحة المتقدمة قدمت فقط للميليشيات الشعبية ووحدات مكافحة التطرف.
وعلق كوكبيرن بأنه متحفظ على تفسير العقيد شندوخ الذي ربط انتصار "داعش" بغياب الأسلحة الثقيلة التي وردت للحكومة التي يسيطر عليها الشيعة في بغداد، مشيرا إلى أنه المبرر نفسه الذي استخدمته قوات البيشمركة الكردية لتبرر هزائمها أمام قوة دونية.
وهناك مقاربة بين ما حدث في الموصل العام الماضي والرمادي هذا العام، ما دعا رئيس هيئة الأركان المشتركة مارتن ديمبسي للقول "لم تجبر القوات العراقية على الخروج من الرمادي بل خرجت بنفسها".
ويرى العقيد الشندوخ أن عدم الثقة بين السنة والشيعة كانت وراء الهزيمة، وذكر أن الحكومة في بغداد تتعامل مع سكان الأنبار كمتطرفين، وهناك من يلقي المسؤولية على عجز الدولة العراقية التي لم يعد فيها الولاء للوطن بل وللطائفة.
ويعتقد كوكبيرن أن غضب ديمبسي الخفي على مهزلة الرمادي لم يكن نابعا من خسارة مدينة لـ"داعش"، بل لأنها أضعفت الثقة بكل الإستراتيجية الأميركية ضد التنظيم، القائمة على استخدام القوة الجوية والتعاون مع لاعبين محليين لإضعاف التنظيم، وهي إستراتيجية أقنعت الولايات المتحدة نفسها بفاعليتها حتى 17 أيار/مايو.
وأكد رئيس هيئة أركان قوة المهام الخاصة المشتركة لعملية "العزيمة الصلبة" الجنرال توماس دي ويدلي، "نؤمن بشدة أن داعش في حالة دفاع عبر العراق وسورية ويحاول الحفاظ على المكتسبات السابقة وشن عمليات صغيرة وهجمات محلية معقدة في بعض الأحيان لتغذية آلتهم الدعائية".
وكشف ويدلي عن شن التحالف 165 غارة على الرمادي قبل سقوطها بشهر و 420 عملية في المنطقة الواقعة ما بين الرمادي والفلوجة.
ورأى الكاتب أن هناك تشابها مع ما حدث في كوريا الجنوبية عام 1950 وجنوب فيتنام 1968 حيث اقتنعت أميركا أن العدو تراجع، ولكنه عاد وضرب بقوة، وبالمثل لم تنجح الغارات على الرمادي والفلوجة و 330 غارة حول مصفاة بيجي النفطية من منع تقدم "داعش".
ولم تكن جنرالات الولايات المتحدة وحدها من أفرطت في التفاؤل، حيث أدت السيطرة على تكريت مسقط رأس الرئيس العراقي صدام حسين، من قبل الجيش العراقي والمليشيات الشيعية إلى افتراضات مبالغ فيها في جميع أنحاء العالم من أن "داعش" بات في تراجع، ففي 1 نيسان/أبريل أعرب رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي، متجولا في الشارع الرئيسي للمدينة تكريت، عن فرحه من قواته الظافرة، وأعلن لاحقا أن "المعركة المقبلة" ستكون للانبار.
وعدّ كوكبيرن أن كل هذا يكشف عن فشل السياسة الغربية في العراق والسبب أن شيئا من هذا لم يحدث في سورية هو عدم وجود إستراتيجية غربية فيه، فالغرب يريد إضعاف الرئيس بشار الأسد لكنه يخشى من البديل عنه والذي سيكون بالتأكيد إما لتنظيم "داعش" أو "جبهة النصرة" الموالي لتنظيم القاعدة، بقيادة ائتلافات الأصولية من الجماعات المتمردة السنية التي تدعمها تركيا والسعودية وقطر.
وأشار إلى أن القوى السورية المدعومة من الغرب لم تكن قادرة على إثبات حضورها، ويحيل هنا لتصريحات السفير الأميركي السابق روبرت فورد، التي غير فيها موقفه من المعارضة السورية المسلحة التي لم تكن قوية بالقدر الكافي لمواجهة "النصرة".
ويعتقد الكاتب أن كلا من القوى الثلاث الحالية في سورية، القوات الحكومية و"جبهة النصرة" وتنظيم "داعش" تستفيد من العسكرة الكاملة لسورية بشكل يمنع التنازلات، فدولة في حالة حرب دائمة ما تعمل في مصلحتهم، فمنذ سيطرته على تدمر تقدم التنظيم في دير الزور التي لا تزال أجزاء منها بيد النظام ويقترب من حلب ويأمل في السيطرة عليها في المستقبل.
وعلى الرغم مما يقال عن سيطرة التنظيم على 50% من أراضي سورية، إلا أن هذه المناطق ليست مأهولة بكثافة وتتعرض بشكل متواصل لتهديد الأكراد الذين سيطروا الأسبوع الماضي على بلدة تل أبيض الواقعة على الطريق بين الرقة والحدود التركية.
وفي ظل كل هذا الحديث عن تراجع "داعش" إلا أنه من الباكر الحديث عن نهايته، فكما في العراق حيث يتردد الأكراد بالدخول للمناطق السنية فلن يستطيعوا هزيمته في سوريا، خاصة أن لديه في هذا البلد فرص أكثر من العراق نظرا للغالبية السنية.
واختتم كوكبيرن بأن "داعش" لديه المزيد من الفرص طويلة الأمد في سورية عن العراق، وأرجع ذلك لأن 60 بالمائة من السوريين من العرب السنة، مقابل 20 بالمائة فقط في العراق، وعليه السيطرة على المعارضة السنية في سورية إلى حد يشابه سيطرته في العراق، ومع تصاعد الحرب الطائفية، فإن الجمع بين أيديولوجية "داعش" والخبرة العسكرية سيكون من الصعب التغلب عليه.