دمشق ـ نور خوام
يمتلك تنظيم "داعش" المتطرف بعض الوحدات القتالية الخاصة وتدعى "قوات الصدام"، وهي من أفضل وأقوى الوحدات القتالية التي تحارب حتى الموت.
وتتكون الوحدة من جنود "متوحشين" يسعون في أرض المعركة فسادًا لإشباع شهوتهم لقتل أكبر عدد من الناس، وتعمل تلك القوات بالتوازي مع وحدات التنظيم النظامية، ويرجع إليها الفضل في الكثير من النجاحات الميدانية للتنظيم.
وفي الشهر الماضي اجتاح "جنود الصدام" بلدة كوباني السورية، مرتدين زي القوات السورية وزي القوات الكردية YPG، وأدت تلك المواجهات الدامية إلى مقتل ما يزيد عن 230 مدنيًا، من بينهم ما يقرب من 100 طفل وأكثر من 30 مقاتلاً كرديًا.
وأكد القائد الكردي Ghalia Nehme: "يبدو أنهم لن يتركوا أي شيء حي، فهم يتوقون للموت والارتفاع للسماء".
ويذكر أن "قوات الصدام" تتكون من مقاتلين عراقيين أو من الشيشان ذوي الخبرة، ويعتمدون على مواقع الأعداء، حتى أنهم أصبحوا جزءًا أساسيًا من استراتيجية داعش الهجومية خلال الأشهر الأخيرة، ويطلق عليهم اسم "انغماسيون" وهي كلمة عربية تشير إلى الذي يزج بنفسه في الأحداث، وتعرف باستخدام العواصف الرملية كغطاء لهم في أي هجوم، والتخفي في أي زي للتسلل على مدن العدو وإطلاق النيران عليها والنيّل منها.
وقد ظهرت تلك القوات في مقطع فيديو عبر الإنترنت أخيرًا وهم يرتدون عصابات زرقاء مميزة مربوطة في أسلحتهم، وهم يستعدون لشن هجوم على بلدة سورية مركزية تسمى السخنة، ويصيحون في دائرة حول قائدهم: النصر أو الشهادة، متعهدين بالولاء إلى الله وعدم التراجع.
وأكد المتحدث باسم القوات الكردية التي تدعمها الولايات المتحدة والتي حققت نجاحات ضد داعش في سورية، Redur Khalil"إنهم يسببون الفوضى ثم تبدأ قواتهم البرية بالتدخل، حيث أنهم غالبًا ما يقومون بهجمات انتحارية منسقة لاختراق خط دفاع العدو".
وبعد الهجوم على بلدة كوباني أطلق داعش 4 صور للانتحاريين الذين تم استخدامهم في الهجوم، ومن الصور يبدو كل انتحاري منهم أكبر من 18 عامًا، وبجانب الانتحاريين يترك التنظيم المتطرف قناصة أعلى الشجر لقتل أكبر عدد ممكن من قوات العدو، وتمزج الجماعة ما بين أساليب الحروب التقليدية وحرب العصابات، فيسعون جاهدين إلى إنهاك خصومهم قبل حشد المقاتلين والمدرعات والهجوم على الأراضي للسيطرة عليها.
وفي الآونة الأخيرة اهتم داعش بتعزيز السيارات المستخدمة في عمليات الهجوم بحيث تقاوم إطلاق النيران حتى لا يتسبب ذلك في مقتل السائق أو تفجير المتفجرات، ويتم تنفيذ تلك الاستراتيجية في جبهات كثيرة منها مصر، حيث وقع هجوم الأسبوع الماضي من قِبل جماعة تابعة لداعش ضد الجيش المصري في سيناء.
وأوضح أندريا كريج الأستاذ بكلية King's College في لندن، والذي اندمج مع المقاتلين الأكراد العراقيين، أن قادة داعش يتلقون أوامر شاملة بشأن استراتيجية الجماعة لكنهم يتركون لهم حرية تنفيذ الاستيراتيجية على نحو ما يرونه مناسبًا لتحقيق أهدافهم، ويعد هذا تناقضًا حادًا مع التسلسلات الهرمية الصارمة في الجيوش العراقية والسورية؛ حيث يخشى الضباط غالبًا من التصرف دون موافقة مباشرة من قادتهم.
ويقول الضباط العراقيون إن مقاتلي داعش على درجة عالية من الانضباط ويعد الإعدام السريع هو عقوبة الفرار من المعركة أو النوم عن أداء واجب الحراسة، وبخاصة في ظل توفر الأسلحة مع التنظيم، والتي تم نهبها من القوات العراقية.
ويشير لواء الجيش العراقي عبدالوهاب الساعدي أن داعش لديها القدرة على إجراء معارك متعددة في وقت واحد، مضيفًا: في الجيش العراقي نحن يمكننا إدارة معركة واحدة كبيرة، ولكن يعد ارتكاب الفظائع أثناء القتل من ضمن تكتيكات داعش، من حيث قطع رأس الجنود وإطلاق مقاطع الفيديو لعمليات القتل عبر الإنترنت لتصعيد قيمة الصدمة لدى من يشاهد تلك المقاطع، وتظهر مقاطع الفيديو الأخيرة مجموعة من الأسرى في قفص ويتم إغراقهم في إحدى برك المياه مع وسط سلك ناسف حول أعناقهم.
ويتراوح عدد مقاتلى داعش في العراق وسورية بين 30.000 إلى 60.000 وفقًا لما ذكره الضباط العراقيون، وقد ساعد ضباط الجيش العراقي السابقين الجماعة المتطرفة على تنظيم مقاتليها، كما تم جلب المقاتلين من المتشددين القدامى ذوي الخبرة القتالية في أفغانستان والشيشان والصومال، إلا أن الأجانب الذين ينضموا إلى داعش غالبًا ما ينتهي الأمر بهم كانتحاريين بسبب افتقارهم إلى المهارات القتالية.
وأبرز باتريك سكينر ضابط المخابرات السابق بمجموعة Soufan، وهي شركة خاصة لتقييم المخاطر الجيوسياسية: يذهب الناس إلى تنظيم داعش متطلعين إلى الموت وهم سعداء بمساعدتهم لهم في ذلك، وغالبًا لا يحظى هؤلاء الناس بخبرة عسكرية كافية لكنهم منقادون بسبب عواطفهم نحو الموت، ولذلك تعتمد عليهم التنظيم في الكتائب الجهادية.
وفي أيار/ مايو الماضي استولى تنظيم داعش على مدينة الرمادي، عاصمة محافظة الأنبار العراقية، وفي سورية استولى التنظيم على مدينة تدمر، وكانت قوات الصدام التابعة لداعش حاسمة في الهجوم على بلدة الرمادي، حيث تم تنفيذ أكثر من 10 تفجيرات انتحارية، بما في ذلك المقاتلة البريطانية Fatlum Shalaku وعمرها 20 عامًا، وبعدها بدأ الهجوم على مواقع الجيش بالبلدة، حيث تم نقل مقاتلي داعش أثناء العاصفة الرملية.
وبعد انهيار القوات العراقية وهروبها اجتاحت قوات داعش البلدة، إلا أن الضربات الجوية التي تقودها الولايات المتحدة في العراق وسورية أعاقت حركة قوات داعش، مما أدى إلى فقدانها بعض الأراضي، واستطاعت القوات العراقية والجماعات المسلحة الشيعية أن تستعيد بعض المدن مثل بلدة تكريت مسقط رأس الرئيس الراحل صدام حسين.
كما استطاع المقاتلون الأكراد في سورية والمدعومين بالضربات الجوية الأميركية الثقيلة استعادة البلدة الحدودية "كوباني" بعد أسابيع من المعارك المدمرة مع داعش، وكذلك فقدت داعش السيطرة على "تل الأبيض" وهى بلدة أخرى على الحدود السورية.