دمشق - نور خوّام
وسّع تنظيم "جبهة النصرة" إجراءاته لتخفيف الاحتقان مع تنظيم "داعش" في الشمال، والحدّ من الاقتتال بينهما، تجلت أمس بعزل القيادي صالح حماه (أبو محمد)، المعروف بخصومته مع "داعش" وتشدده ضد التنظيم، وذلك بعد أشهر قليلة على استقالة الشرعي أبو ماريا القحطاني المقرّب أيضًا من صالح حماه.
وفتحت تلك التطورات في بنية التنظيم الداخلية، باب التكهنات حول مساعي "جبهة النصرة" لتخفيف التوتر مع "داعش"، والتقرب منه في شمال سورية، تكرارًا لتجربة القلمون في ريف دمشق الشمالي، إضافة إلى فتح ناشطين ملفات الفساد في مناطق سيطرة "النصرة"، والتعذيب والاعتقالات بحق المدنيين أو مقاتلي الجيش السوري الحر، فضلاً عن "الشللية التي يمثلها مقاتلو التنظيم الأجانب في ريفي إدلب واللاذقية".
وأعلنت "لجنة المتابعة والإشراف العليا" التابعة لـ"جبهة النصرة" في عموم البلاد، عن فصل صالح حماه (أبو محمد) من "جبهة النصرة لعدم التزامه بسياسة الجماعة وضوابطها"، وذلك في بيان رسمي أصدرته مساء الأربعاء، من غير ذكر تفاصيل تقود إلى الأسباب التي تقف وراء عزله.
وأكد مصدر بارز في الجيش السوري الحر في الشمال، أن صالح حماه "كان من أبرز المقربين من الشرعي السابق أبو ماريا القحطاني، ومعروف عنه تشدده ضد داعش، ودعوته النصرة لقتال داعش الذين يصفهم بالخوارج"، وذكر المصدر لأن حماه، واحد من قياديين "يعترضون على سكوت النصرة عن تجاوزات المقاتلين الأجانب في صفوفها، بحسب ما قال لقائد كبير في جيش الفتح"، كما بيّن المصدر أن القيادي المعزول "هو رجل متزن ومعروف بالتزامه الديني، وأخذ على عاتقه الحرب ضد داعش والمغالاة التي تمثلها".
والتقت تلك المعلومات مع ما ذكره موقع "الدرر الشامية"، من أن صالح له موقف معادٍ لتنظيم "داعش" بعد أن كان مؤيدًا له في بدايات ظهوره، وأخذ بالفترة الأخيرة يعمل على تغيير الخطاب لدى الجبهة ويخفف من حدته، وهو يتقاطع في أفكاره مع أبو ماريا القحطاني الشرعي العام السابق لـ"النصرة" الذي تم عزله وتعيين سامي العريدي.
وشكك المصدر بأن تؤثر الخلافات بين أركان التنظيم وأجنحته على قيادة المعارك وسيرها "نظرًا لأنه فصيل متماسك وقوي ولا يتأثر باعتزال أو عزل أحد"، مضيفًا أن "القرار يصدر عن أميرهم، والشخص وحده لا تأثير له"، ويرى مراقبون سوريون أن عزل هذا القيادي من موقعه، يأتي ضمن إجراءات كثيرة اتخذتها "جبهة النصرة"، لتخفيف التوتر مع "داعش"، التنظيم المنافس له في جذب المقاتلين الأجانب إلى صفه.
ويوضح المعارض السياسي السوري الدكتور عبد الرحمن الحاج أن "النصرة" في هذه الأيام "تنقسم إلى مجموعتين، الأولى ميالة للتقرب من داعش، وهم المجموعات التي تقيم في محيط دمشق والقلمون، أما الثانية فتضم مقاتلين وقياديين، معظمهم من السوريين وبعض العراقيين، يميلون إلى الحرب على داعش، والاقتتال معها"، ويرى الحاج أن الحديث عن إقصاء خصوم "داعش" والمتشددين ضدها من "جبهة النصرة"، هو " مبكر وسابق لأوانه".
ويشرح الحاج، وهو خبير في الجماعات الإسلامية "جبهة النصرة لا يمكن أن تتماهى بتنظيم داعش، كما لا يمكن أن تفتح الحرب ضده، بل ستبقى على مسافة بينها وبين التنظيم، ذلك أنه في القلمون ومحيط دمشق، يقاتلان معا في معظم الأوقات، وقليلاً ما تصارعا، لذلك كان على النصرة أن تبعد القحطاني الذي كان متشددًا ضد داعش، حفاظًا على مصلحتها".
ويشير إلى أن عزل صالح حماه "يصب في خانة الحفاظ على المقاتلين المهاجرين في صفوف النصرة، وهم يميلون بمعظمهم لتنظيم داعش، ويعارضون أي استعداء لتنظيم البغدادي"، لافتًا إلى أن إجراءات النصرة "تهدف لمنع رحيل هؤلاء، ورغبة في محاصرة أي خلاف قد يطرأ بسبب المقاتلين أنفسهم، في حين يميل السوريون في الشمال إلى العداء مع داعش والمهاجرين، نظرًا لأنهم من أنصار تغليب العامل المحلي على الأممي".
وكانت "لجنة المتابعة" في "النصرة"، أشارت إلى أن قرار الفصل أُصدر منذ قرابة ستة أشهر إلا أن قيادة الجبهة مجلس الشورى فيها "آثرت الصبر والتريث لعل أبو محمد، يعود للسمع والطاعة ويلتزم بضوابط العمل الجماعي، لكن دون جدوى".
وأشارت "الجبهة" إلى أن البيان صدر استنادًا إلى البيان الإعلامي رقم 11 الصادر عن مؤسسة "المنارة البيضاء"، القاضي بدعوة جميع أفراد الجبهة إلى الالتزام بسياسة الجماعة وقنواتها الرسمية وعدم التحدث باسم الجماعة، والالتزام بالضوابط التنظيمية للعمل الجماعي، محذرة من أن كل من لم يلتزم بالسياسة الإعلامية للجماعة وضوابطها، فسيُحال لمحكمة شرعية وقد يصل الأمر إلى طرده من الجماعة إن لزم الأمر.
وأثارت تجاوزات قادة في "النصرة" جدلاً في أوساط السوريين، وبينهم قياديون في "جبهة الفتح"، بحسب ما أكد مصدر سوري بارز في الشمال رفض الكشف عن اسمه، أن عناصر الجبهة الأجانب "يسيطرون على المنازل الفارغة، بكتابة عبارة (وقف لدار القضاء)، ما يمنع صاحب البيت أن يدخله من غير إذن المحكمة، فضلاً عن تعذيب المعتقلين، والاعتقال بلا روادع قانونية، إلى جانب تحولهم إلى مافيات تدير شبكات تجارة داخلية بدءًا من المازوت وصولاً إلى الحطب والمواد الغذائية".
وأشار المصدر إلى أن المقاتلين "بدأت تجمعهم الشللية، حيث يجتمع مهاجرون من بلد ما، أو أبناء بلدة سورية، ويشكلون ما يطلقون عليها اسم قوة تنفيذية في دار القضاء، تتضمن مجموعات، وهم يمثلون قوة تشبيحية في شمال سورية، وخصوصًا في ريفي إدلب واللاذقية".