الشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان

شهد وزير الخارجية، الشيخ عبد الله بن زايد آل نهيان، صباح أمس الثلاثاء، افتتاح فعاليات منتدى تعزيز السلم في المجتمعات المسلمة، في فندق سانت ريجيس أبوظبي، بحضور أكثر من 350 عالما ومفكرا إسلاميا من مختلف أنحاء العالم، إضافة إلى 60 متحدثا يثرون جلسات المنتدى على مدار ثلاثة أيام.

وأكد رئيس منتدى تعزيز السلم في المجتمعات المسلمة العلامة الشيخ عبدالله بن بيه أهمية تجديد الخطاب الديني والتركيز على قيم السلم والتسامح والمحبة والحوار، التي جاء بها الدين الإسلامي والعمل على نشرها بين الأمم، مشيرا إلى أهمية نزول علماء الدين إلى الميدان وأرض الواقع لتبيان الأدلة الصحيحة لهذا الدين ونقض كل التأويلات المغلوطة والتفسيرات المحرفة التي تشكل غطاءً للتطرف والعنف بكل أشكاله.

وعبر العلامة بن بيه عن تفاؤله بأن ينجح المنتدى في تحقيق غايته الأساسية في نشر الاعتدال ومفاهيم السلم والحوار، خاصة أنه يعقد في رحاب دار زايد الخير وبرعاية قيادتها الرشيدة، التي جعلت من دولة الإمارات واحة للاعتدال والوسطية والتآلف ما بين جميع الناس من مختلف الجنسيات والأعراق والأديان، فعكست بذلك صورة الإسلام الحقيقية الحضارية، التي يعمل البعض من حيث يقصد أو لا يقصد على تشويهها والإساءة إليها.

وحذَّر بن بيه من التشويش على صفات الإسلام السلمية خاصة في زمن انتشرت به الحروب والصراعات وأعمال التطرف، رافضا تحميل المسؤولية بما آلت إليه أحوال المسلمين والصورة المشوهة للإسلام، التي تكونت في ذهن البعض عن الإسلام إلى نظرية المؤامرة فقط، مؤكداً ضرورة الاعتراف بالتقصير من قبل المسلمين والعمل على استدراك الأخطاء وتصويب البوصلة.

وأشار إلى أنه من المفزع أن يعتبر الإسلام سببا فيما يحدث في العالم من اضطراب وعنف، لافتا إلى أن المنتدى سيتطرق إلى مجموعة من المفاهيم مثل التكفير والجهاد التي يتخذها البعض ستاراً لتبرير أعماله الإرهابية ويلبسها لبوسا إسلاميا والإسلام منها براء منها، موضحاً أن الجهاد له شروطه وأسبابه ودوافعه وجاء في سياق تاريخي معين فرض وجوده لغاية محددة.

بدوره، لفت فضيلة الإمام الأكبر شيخ الأزهر الشريف الشيخ الدكتور أحمد الطيب إن غاية المنتدى هي إعادة الكشف عن ثقافة السلم في أصول الدين الإسلامي، مشيرا إلى أن هذه الثقافة هي من أنبل الغايات التي يجب أن ينكب عليها جهد وكتابات أهل الاختصاص والفقه. وعبر الإمام الأكبر عن أسفه للتشوهات والتجنيات التي طالت التعاليم الإسلامية والتي أدت إلى تحول السلاح في يد جماعة من المسلمين ليصوب نحو صدور أهلهم بدلاً من الأعداء، لافتا إلى أن الإسلام ما كان لينتشر من شرق الأرض إلى مغربها لولا ارتكازه في الأصل على السلام بين الناس.

وأوضح " لا أظن أن هناك في الدنيا دينا أو نظاما عصم الإنسان وحفظ دمه مثل الدين الإسلامي، فالقرآن الكريم هو الكتاب الأوحد الذي جمع بين عقوبتين لقتل النفس، عقوبة في الدنيا وعقوبة في الآخرة، وهو الدين الوحيد الذي اعتبر قتل نفس واحدة كقتل جميع الناس، موضحاً أن الإسلام يحرم أيضا الترويع والتخويف حتى لو كان لمجرد المزاح".

ودعا شيخ الأزهر الشريف المنتدى إلى جمع كتب ومقالات الجماعات المتطرفة وتفنيدها بشكل مفصل بغية نقدها وكشف زيف ادعاءاتها، لافتا إلى أنه لابد من نقض القواعد التي تنطلق منها الجماعات المتطرفة ومنها قاعدة التفكير التي ضللوا بها الناس وخاصة فئة الشباب، مشيرا إلى أنه من المؤسف في ظل هذا المناخ أن تصدر كتب ومقالات من قبل طائفة من أهل العلم ليميزوا فيها بين تكفير مطلق وتكفير معين أو جزئي.

وأشار إلى أن بعض الفتاوى والأحكام التي صدرت في عصور مضت إنما ظهرت في زمان غير زماننا ووفق شروط اقتضتها، متطرقا إلى استناد بعض الجماعات التكفيرية إلى فقه وأحكام ابن تيمية، حيث جرى تحريفها بما يخدم مصالحهم، مؤكدا أن ابن تيمية كان يواجه التتار والمغول الذين كانوا يظهرون ويعلنون إسلامهم ومع ذلك غزوا بلاد العرب واحتلوا العراق والشام، ما دفع ابن تيمية للقول بضرورة اقتران العمل بالشهادتين.

وأعلن الإمام الأكبر إن هذه الفوضى الدموية التي تتخذ من التكفير حجة تتطلب من علماء الإسلام استنفارا كاملاً ولابد من وضع منهج علمي مشترك يستند إلى آراء الجمهور ينهى عن التكفير نهيا قاطعا على أن يتم تدريس هذا المنهج للطلبة في المراحل الدراسية المناسبة.

ولفت إلى خطورة الاختراق الكبير من قبل الجماعات التكفيرية والمتطرفة لوسائل الاتصال الإلكترونية ومواقع التواصل الاجتماعي وقدرتهم بالتأثير على الشباب واستقطابهم بشكل متنام، داعيا إلى التصدي لهذا الخرق عبر التواصل مع جيل الشباب وتوضيح القيم السلامية الحقيقية السمحة.
وانتقد شيخ الأزهر الشريف بعض الأصوات التي تحمل الخطاب الديني وحده مسؤولية ظهور الجماعات التكفيرية وتمددها بهذا الشكل المخيف، معتبراً أن هذه النظرة قاصرة جداً وفيها كثير من التجني، لأن هناك عوامل متعددة غير الخطاب الديني دفعت الشباب للانضمام إلى هذه الجماعات هربا من واقعها المرير مثل سوء الأحوال الاقتصادية والسياسية والاجتماعية، والفقر والتهميش. واستنكر الإمام الأكبر التسطيح الإعلامي لقضية التجديد للخطاب الديني، وترك ما عداه من قضايا، مشيراً إلى أن الخطاب الديني جزء من حل وليس كل الحل. وأشار إلى أن بعض وسائل الإعلام تتغافل عن الأسباب الحقيقية التي كانت وراء خروج الشباب لتغيير مجتمعاتهم، لافتاً إلى أنه من الخطأ تسطيح القضية أو تحميل مشكلات المجتمع للدين.