القاهرة - سعيد فرماوي
تراجعت السياحة المصرية بسبب كارثة الطائرة المنكوبة والتهديد المستمر بالارهاب، في الوقت الذي يعاني اقتصاد هذا البلد الواقع في شمال أفريقيا من ازمة تعرضه لمخاطر بسبب تراجع السياح والمصطافين، الذين يزورون عادة الاهرامات الشهيرة ومنتج شرم الشيخ المحبوب.
وكان تحطم الطائرة المصرية الذي أسفر عن مصرع 66 شخصا، أخر ما تحتاجه مصر في ظل تزايد النظر اليها كمنطقة يخاف السياح من زيارتها بعد عدد من هجمات "داعش" ضدها. وما زال سبب سقوط طائرة "ايرباص A320" في البحر المتوسط مجهولا، وفي تشرين الثاني/نوفمبر الماضي اسقط "داعش" الطائرة الروسية فوق صحراء سيناء في مصر أثناء رحلتها من شرم الشيخ الى موسكو.
وأوضح خبير السفر لوب اتكينسون، أن مدراء المنتجعات في شرم الشيخ اضطروا الى خفض الأسعار الى أقل من 18 جنيها استرلينيا في الليلة على اثر الحادث، حتى أن فندق "عصر النهضة" الأنيق الذي يطل على مناظر خلابة على البحر الاحمر ولديه حوالي 384 غرفة اضطر لخفض أسعاره الى 23 جنيها استرلينيا لليلة.
ووصلت أسعار الغرف في منتجع "سنرايز سيلكت دايموند" الى 35 جنيها استرلينيا، وهو سعر الفنادق الرخيصة في العادة، فيما عرض منتجع "راديسون بلو" غرفه بسعر 18 جنيها استرلينيا بما في ذلك الضرائب، لو حجز الشخص لمدة سبع ليال.
واعتاد أحد رؤساء الوزراء البريطانيين السابقين على زيارة شرم الشيخ مع عائلته وكان ينزل في فنادق تكلف في الليلة 200 جنيه استرليني في أفضل فنادقها، وتكلف الغرفة في العادة في منتجع "راديسون بلو بار ريزورت" الذي يطل على البحر الاحمر والعقبة في الأردن 117 جنيها استرلينيا.
وأوضحت احدى السائحات البريطانيات وتدعى اماندا ديبول وكانت قد قضت اجازة لها في مصر وتونس وتركيا من قبل، " من الواضح أنه في كل هذه المناطق هناك عدد كبير من الأحداث الكبرى التي تجعلنا نشعر بالخطر من زيارتها."وتشهد مصر على وجه الخصوص صراعا في السنوات الاخيرة وخصوصا بعد أحداث "الربيع العربي" والثورة في عام 2011 والتي اسقطت الرئيس الاسبق حسني مبارك، وقد اعقب هذا اشهر من المظاهرات والمظاهرات المضادة في مصر، مما أدى في النهاية الى وقوع انقلاب عسكري في عام 2012، وقتل فرع داعش في سيناء الجنود المصريين ورجال الشرطة فضلا عن الهجمات ضد السياح.
وتراجع انفاق السياح في مصر في العام الماضي الى 4%، مع انخفاضات مماثلة متوقعة في هذا العام، وحظرت الحكومة البريطانية توجه طائراتها من والى شرم الشيخ، وهناك انخفاض ملحوظ في عدد السياح الروس، ويبدو أن المستفيد الرئيسي من هذا التراجع في مصر هي البرتغال واسبانيا، فيما ادى الى زيادة طفيفة في السياح الى اليونان.
ويقدِّم بعض مدراء الفنادق يائسين من الوضع الحالي، العشاء مجانا مع تكلفة الغرفة لجذب السياح، وصرح مالك مطعم ويدعى لورين غرين " شرم الشيخ ميتة اليوم، وتسعى الفنادق الكبرى الى تقديم أسعار سخية ولكن العمل السياحي تراجع بنسبة 90%، وهناك عدد قليل من السياح الاوكران ولكن لا يوجد بريطانيون ولا روس، وهم كانوا يأتون بأعداد كبيرة."
ويدير لورين البالغ من العمر 58 عاما مطعما ومقهى الكسندر في شرم الشيخ مع شريك يدعى محمد، وأضاف " انه لأمر رهيب، فشرم الشيخ كانت تستعيد أنفاسها بعد ثورة 2011 حتى جاء حادث الطائرة الروسية وأعاد الوضع للانهيار، اليوم العديد من الفنادق تغلق أبوابها، ولا يوجد رحلات مباشرة من بريطانيا وروسيا ولكن ما زال هناك القليل من المصريين الذين يأتون الى هنا".
وتابع " بينما الامور سيئة اعتقد أن شرم الشيخ ستنجو، بالرغم من أننا نشعر ان الحكومة البريطانية نسيت هذه المدينة." وفي مشهد غير مألوف تركت جميع مقاعد حمامات الشمس بجوار برك السباحة فارغة وتعج بالحشائش التي تنمو على سكك القطار، وفي مكان أخر لا تجد الجمال التي تنقل السياح في جولات في منطقة السوق القديم أي سائح كي تحمله.
وأصبح الكثير من أكشاك السوق والمطاعم فارغة وتبقى مفتوحة في الكثير من الأحيان بدون أي زبائن، وفي السابق كان يعمل في شرم الشيخ ستة ملايين شخص على مدار السنة ولكن في ظل الاضطرابات والكوارث السياسية فان عدد الزوار تراجع مما أبقى على حوالي 300 ألف عامل فقط في المدينة.
وأشار أحد عمال السياحة الذي رفض الكشف عن هويته " أصبحت شرم الشيخ اليوم مدينة أشباح، انه أمر محزن أن نراها بهذه الطريقة، كان الأميركيون والبريطانيون أفضل عملائنا ولكنهم لم يعودوا يأتون الى هنا مما قتل مصدر رزقنا، وانا اليوم قلق، فبعد كل هجوم ارهابي تتراجع أعداد السياح أكثر."
وتراجع عدد السياح في القاهرة أيضا بسبب عدم الاستقرار السياسي وكارثة الطائرة الأخيرة، وأصبحت أهرام الجيزة مهجورة إلا من المرشدين وعمال الأكشاك وعدد قليل من المصطافين،
وتراجع هذا الرقم بشكل كبير منذ حادثة تفجير الطائرة الروسية في السماء بعد اقلاعها من شرم الشيخ في تشرين الأول/أكتوبر الماضي، وادى الحادث الى مقتل جميع الركاب وهم 224 شخصا مع أفراد الطاقم على متن الطائرة.وتقلصت أعداد الرحلات بين شرم الشيخ والمملكة المتحدة في الشهر التالي بناء على أوامر مباشرة من الحكومة البريطانية، ونصحت وزارة الخارجية بتجنب جميع الرحلات الجوية إلى أو من شرم إلا للضرورة، ويقال أن شركات الطيران البريطانية وشركات السياحة والسفر ستكون قادرة على بدء الرحلات المتجهة الى شرم في أقرب وقت بعد تصحيح الترتيبات الأمنية المناسبة، ويؤكد حادث الطائرة المصرية الأسبوع الماضي التي تحطمت فوق المتوسط الى تراجع فرص انتعاش صناعة السياحة المدمرة في البلاد.
ويبين أحد الخبراء أن صناعة السياحة في البلاد كارثة، وتابع الدكتور يجاني مروكابتي من جامعة بورنموث " من المهم جدا أن يمنع المصريون حصول أي احداث أخرى، والا فان المزيد من الحوادث ستقتل ما تبقى من صناعة السياحة هناك."
واسترسل " وللأسف أتى هذا الحدث الاخير بعد فترة وجيزة من خطف الطائرة المصرية في أذار/مارس وكانوا يحاولون التعافي من الاحداث المتصلة برحلة الطائرة الروسية التي تفجرت في عام 2015."وزار مصر في شهر شباط/فبراير 2016 346500 سائحا مقارنة مع 640200 في العام الماضي، مما يظهر انخفاض بنسبة 46% وفقا للجهاز المركزي للتعبئة العامة والاحصاء، وشوهد نفس التأثير في تونس حيث كان هناك انخفاض بنحو90% في عدد الزوار البريطانيين خلال الفترة من كانون الثاني/يناير وحتى نيسان/أبريل، في اعقاب الهجمات على السياح في المنتجع الساحلي سوسة قبل عام.
ويواصل المتطرفون في مصر تنفيذ عمليات وحشية، فوفقا لوزارة الخارجية فان كانون الثاني/يناير الماضي شهد طعن ثلاثة سياح على يد احد المشتبه بانتمائه الى داعش في منتجع البحر الأحمر في الغردقة، وقتلت الشرطة الارهابيين في فندق بيلا فيستا بعد أن هاجموا اثنين من السياح وهما نمساوي وسويدي.وفتح مسلح النار على حافة سياحية في القاهرة في وقت سابق من هذا الأسبوع، فيما تعج صحراء سيناء القريبة من شرم الشيخ بعناصر تنظيم داعش، واختطف مؤخرا رجل يرتدي حزاما ناسفا وهميا رحلة مصر للطيران.
وتسعى الحكومة المصرية للحفاظ على السياح بسبب حاجتها للدخل، وكانت في الفترة الأخيرة مترددة في الاعتراف بالمشاكل الامنية وسعى وزير السياحة يحيى راشد للتهوين من شأن تأثير أحدث حادث تحطم طائرة على صورة مصر، وقال " علينا استثمار المزيد من الجهد والذي يصل الى 10 أضعاف في خططنا لوضعها في المكان الصحيح ونحن بحاجة للتركيز على قدراتنا على القيام بأعمال تغير صورة مصر، وحوادث الطيران تحدث للأسف، ونحن نعمل بجد للتعافي وكل يكون سيكون أفضل."