طريق فيا فرانتشيجينا إلى روما رحلة عبر عبق الزمان

يصحبك طريق فيا فرانتشيجينا الممتد من كانتربري على طول الطريق إلى الفاتيكان، في رحلة تحمل عبق الزمان القديم، وقد خصصت "ماري نوفاكوفيتش" المرحلة النهائية من هذا الطريق التي تتمتع بالمناظر الخلابة للسير في هذا الطريق الذي كان طريقًا للحجاج القُدامى.ويُعتبر الطريق إلى روما، واحدًا من أطول الطرق في العالم، لا سيما إذا كنت تريد أن تبدأ من كينت، هذا هو الطريق الذي مشيه رئيس أساقفة كانتربري سيجيريك الجاد في القرن العاشر، لقد سار في هذا الطريق منطلقًا سيرًا على الأقدام، حتى القديس بطرس في الفاتيكان ليكرس نفسه للبابا، ولحسن حظ الحجاج الذين تبعوه على مدى قرون، فقد قدم مذكرة تفصيلية عن مسار رحلة عودته، ليفسر تفاصيل طريق فرانتشيجينا، فقال "كنت أسير في القسم الأخير من هذا الطريق، بالتحديد من أورفيتو في أومبريا إلى روما، وذلك في اليوم التاسع من العطلة التي أخذتها سيرًا على الأقدام، والتى انطلقت الصيف الماضي من عند المنبع، والعطلة تأخذ المتنزهين إلى بعض الأجزاء فى إيطاليا التي لا تلقى إقبالاً سياحيًا كبيرًا، وتشمل المستوطنات الأترورية القديمة، البحيرات البركانية، بلدات التلة الساحرة، والمساحات الشاسعة من مزارع وبساتين الزيتون، وغابات البلوط والمروج المليئة بالأزهار".
ولا تلتزم العطلة حرفيًا بخط سير سيجيريك، وأحيانًا تنحرف قليلاً عن المسار الذي سار فيه، لكنها تجعلك تتساءل: لماذا تضاءلت شعبية طريق فيا فرانتشيجينا، في حين ارتفعت شعبية طريق الحجاج إلى سانتياغو دي كومبوستيلا في شمال إسبانيا، وكانت قمة تل اورفيتو الجميلة، مكانًا رائعًا لبدء السير لامتداد 16 كم ، حتى لو كان ذلك يُعد انحرافًا عن طريق فرانتشيجينا، لكن في غضون بضعة كيلومترات نزولاً من البلدة، تمكنت من رصدت أول رسم بالأحمر والأبيض لرجل وقد حلق شعره على طريقة القرون الوسطى، ويحمل حقيبة مناسبة وكل شىء، وكان القمح الأبيض المتمايل والخشخاش الأحمر المشرق يحيطان بالطريق الهادئ، بينما أضاف مشهد أحد المزارعين وهو يسوق قطيعه من الأغنام، على الطريق طابعًا رعويًا كلاسيكيًا على المشهد، وعندما عبرت الحدود غير المرئية بين أومبريا ولاتسيو بعد ثلاث ساعات، استطعت أن أرى من بعيد بحيرة بولسينا، وهي أكبر بحيرة بركانية في أوروبا، مشيت عبر بيوت صغيرة قديمة مقامة على المنحدر العملاق على الطريق إلى المدينة الجذابة بولسينا، بأحيائها التي تعود إلى القرون الوسطى، وشواطئ الرمال السوداء، واختتمت مسيرتي التي امتدت خمس ساعات سيرًا على الأقدام بفنجان من القهوة في مقهى على شاطئ البحر، والمناظر التى تبعث على الهدوء تمتعت بها، وأنا اتعشى على البحيرة وجبة من الأسماك الطازجة في فندق لوريانا بارك، الذي تديره الأخوات أنطونيلا وبيانكا، ولقد أعطوني وجبة غداء كبيرة معبأة لرحلتي المقبلة التي تمتد إلى 16 كم إلى مونتفيسكون، وهي بلدة جميلة يعود تاريخها إلى القرون الوسطى، وتقع على حافة فوهة البركان، لكن كان علي أولاً أن أتسلق لبضعة كيلومترات، لأصل إلى الطريق الذي يطل على البحيرة، حيث تمتعت بالنظر ببعض من الحسد إلى الفيلات الكبيرة هناك ذات الحدائق الكبيرة المليئة بأنواع الخضر كافة وكروم العنب وبساتين الزيتون، وبينما تعرج المسار بين داخل الغابة وخارجها، رأيت الأزهار البرية في كل مكان، بساتين الفاكهة الصغيرة والورود البرية، ومختلف أنواع الزهور، والمزيد من الخشخاش، وكانت الرائحة بديعة، أما الغداء فكان في ظل أحد أشجار المحمية الطبيعية باركو، وهي موطن لبعض من أجمل النباتات، وتضم أخصب المسارات التي رأيتها في أي وقت مضى خلال رحلتي، وكان الصوت الوحيد الذي أسمعه هو صوت مياه نهر تورونا وصوت طائر الوقواق الذي يطير فوقه بسعادة، والحركة الوحيدة التي يمكنك رصدها كانت حركة السحالي وملايين الفراشات التي تنقض على الأزهار بشكل جنوني، هنا رصدت أول علامة ملموسة للكلمة السحرية (روما)، كتبها أحد الحجاج ، وقد ذكرني هذا بأن هذا الطريق مهم، على الرغم من أنني لا زلت سأرى روح أخرى في داخله".
وخرجت من الغابة لأدهس بقدمي الطريق التاريخي القديم على طول الطريق الروماني القديم كاسيا، على الحافة كان هناك كويركا ديل بيليغرينو، غابة البلوط الشهيرة، التي أقنعني ظلها البارد أن أحذو حذو عدد لا يُحصى من الحجاج الذين استراحوا هنا، والمشارف الباهتة لمدينة مونتيفيسكون سرعان ما طواها النسيان بعد مسيرة شاقة إلى ساحة الباستيل، ذات الألوان المبهجة في البلدة القديمة، ومن المقهى الذ تناولت فيه مشروبًا، كنت أرى قبة كاتدرائية المدينة الضخمة التي يعود تاريخها إلى القرن الـ 17، والتي اكتشفت لاحقًا أنه يمكن رؤيتها من على بعد أميال، ومن شرفة فندق أوربانو في كان يمكننى أن أرى منظرًا رائعًا هو بحيرة بولسينا، جبال ابيناين وهي وجهتي في اليوم التالي فيتربو، إأنها لا تبدو الآن بعيدة، ولكنها على بعد 18 كم سيرًا على الأقدام، وكان طعام الفندق الشهي "لحم العجل" تحصينًا كافيًا لي للمرحلة المقبلة، والشعور بالبهجة الذي انتباني في الصباح، تعزز مع ما استشعرته من روح التاريخ على امتداد طريق كاسيا، بينما أسير عبر خطوط السكك الحديدية والمروج، قابلت وللمرة الأولى والأخيرة مسافرين متجولين مثلي، إسبانيين واثنين من الدنمارك وزوجين ايرلنديين.
ولم تبدو بلدة فيتربو مرحبة كثيرًا بالنسبة لي، ولكن أحياء سان بيليغرينو التي يعود تاريخها إلى القرون الوسطى كانت رائعة تمامًا، ويقع في قلبه فندق "تيرازا" الذي أقمت به، والذي بني في القرن الـ 15، وفي اليوم التالي الخروج للمشي أعطاني الوقت لاستكشاف الأزقة المرصوفة بالحصى  في فيتربو والقصور الفخمة، وكذلك مشاهدة سباق السيارات "ميل ميجليا" الذي بدأ للتو، وكان يمر من أمام باب الفندق الذي أقيم فيه .
ويُعدّ الطريق للخروج من فيتربو هو الطريق الأكثر إثارة الذي رأيته حتى الآن، جدرانه صخرية عالية حيث تختلط فيها الأشجار بعضها بعض في الأعلى، ومن مشهد الجدران الصخرية العالية يبدأ الطريق يعود إلى هدوئه مع ظهور حقول القمح الأبيض وبساتين الزيتون، كنت متجهًا نحو فيتراللا، بالتحديد الفندق الذي تديره عائلة أنتيكا، عند نقطة ما انحرفت عن المسار، ولكني علامات الطريق قادتني بثقة إلى بقعة للتنزه في بستان للزيتون، لينتهي بي المطاف إلى الفندق الدافئ الاستقبال بمكرونته اللذيذة، وفي هذه المرحلة، كان هناك بعض الانحراف عن مسار العطلة، كان ذلك يومي الأخير على طريق فرانتشيجينا، ويمتد فيه السير لمسافة 14كم عبر بساتين البندق وأبراج القرون الوسطى المهجورة حتى كابرانيكا، حيث كانت رؤية بلدتها القديمة، مع ما تتسم به من فوضى، فرحة غير متوقعة، وعدت إلى الفندق الصغير بصحبة برناردينو زوج باتريسيا، الذي أخذني إلى روما في اليوم التالي، وقال يمكنك أن تجد طرقًا فرعية تؤدي إلى روما، لكنها لا تعتبر ضمن طريق فرانتشيجينا، وتذكرت الطرق الأخرى في المدن، وكيف كان من الممكن للمشارف الصناعية لروما أن تكون أكثر مللاً، أسعدني أنه أوصلني حتى قمة فيلا بورغيزي، وكان علي المشي لمدة ساعتين حتى الفاتيكان، حيث الجزء الأخير من رحلة سيجيريك ذات الدروب الوعرة.
وتوجد ملاحظات وتفاصيل رحلة سيجيريك في المكتبة البريطانية، وبينما أنا اعتلى قبة القديس بطرس وأحدق في أسطح منازل مدينة روما، شعرت بالامتنان لهؤلاء العلماء الذين حولوا خربشاته التي رسمها لتوضيح طريقه إلى خطة وخريطة للرغبين في القيام بالرحلات سيرًا على الأقدام، وقد سافر الكاتب مع مكتب "هيد ووتر" للرحلات في رحلة مداها 9 أيام للمشي الحر من اورفيتو إلى روما، وتكلفة الرحلة تبدأ بـ 1299 جنيه إسترلينى للشخص الواحد، وتشمل السفر جوًا عبر الخطوط الجوية البريطانية من لندن إلى روما، ركوب قطارات السكك الحديدية، الإقامة ثمانية ليال في فنادق معها ستة وجبات غداء، أربع وجبات للمساء، ونقل الأمتعة بين الفنادق، إرشادات السير والخرائط.