مراكش ـ سعيد بونوار
بين الحين والأخر يتقاطر عشرات السياح المغاربة والأجانب على قرية "ياغور" (تقع على مقربة من أعلى جبل في المغرب توبقال البالغ طوله 5465 متراً) لم يكن سكان القرية الذين يعيشون على الرعي في مسالكوعرة يعتقدون أن مجرد إشاعة ستحول بلدتهم إلى مزار سياحي كبير، حيث يمضي السياح ساعات
يتأملون رسومات ونقوش تعود إلى ما قبل التاريخ.
يتذكر هؤلاء كيف عاشوا حالات انبهار وعدم القدرة على التصديق وهم يتأملون سيارات رباعية تزور قريتهم الفقيرة، بل ويتذكرون خطبة وزير لا يرونه إلى في التلفزيون، هذا إذا كانوا يملكون هذا الجهاز العجيب. خطب الوزير وهو يلمس بيديه النقوش الأثرية وقد بدت سليمة قائلاً:"إن قصاصات الأخبار التي نشرتها وسائل إعلام أجنبية حول تعرض منحوتات صخرية تعود إلى حقبة ما قبل التاريخ بهذه المنطقة التي توجد بالأطلس الكبير إلى التدمير على يد سلفيين مجرد إدعاءات كاذبة وعارية من الصحة".
وكانت أنباء قد انتشرت قبل أسابيع في منابر إعلامية وطنية ودولية تفيد بتدمير سلفيين مغاربة لنقوش صخرية في الأطلس الكبير، بدعوى أن هذه المآثر التاريخية القديمة ترمز إلى "الأوثان التي ينبغي التخلص منها لكونها تناقض عقيدة التوحيد". لم يكن يعلم هؤلاء أن خبراً التقطته إحدى وكالات الأنباء (هم لا يعرفون أصلا ما معنى وكالة أنباء) عن تدمير "سلفيين" لنقوش أثرية سيثير كل هذا الصخب، وسيجعل أعداداً كبيرة من عشاق السياحة الجبلية والمغامرة يكدون من أجل الوصول إلى حيث تلك النقوش الشاهدة على حضارة ما قبل التاريخ.
وزارة الثقافة المغربية باعتبارها الوصية على القطاع، شددت على أن خبر تدمير هذه النقوش الصخرية التاريخية التي توجد في هضبة "ياغور" بجماعة أربعاء تيغدوين بإقليم الحوز، "عار من الصحة" حيث أظهرت تحريات مصالح الوزارة المختصة مركزيا، وبعين المكان، بأن هذه النقوش لم تتعرض لأي عمل تخريبي خلاف ما نشر"، مشيراً إلى أن "مواقع النقوش الصخرية كسائر المواقع التاريخية الأخرى قابلة على الدوام للتعرض لعوامل التعرية الطبيعية والبشرية، وأحياناً لعمليات الاتجار غير المشروع".
التحرك الحكومي، والاعتماد على التكذيب المباشر والمادي للخبر جاء إثر غضب عام من تأثير الخبر على سمعة المغرب وعلى قيم الانفتاح التي يعيشها والتي تعززت أكثر بتقلد حزب العدالة و التنمية ذي التوجه الإسلامي مقاليد التدبير الحكومي في المغرب، فالخبر الصغير من شأنه أن يدمر ما تبقى من وهج سياحي للمغرب الذي تعاني سياحته من قلة توافد الأوروبيين نتيجة الأزمة المالية العالمية وكذا تداعيات الربيع العربي، بيد أن الخوف تبدد، فالتكذيب كان سبباً دفع بالمئات من السياح المغاربة والأجانب إلى البحث عن أقرب وسيلة للوصول إلى "ياغور" حيث قرص الشمس.
بعيداً عن التغليف السياسي للحدث، وقريبا من نتائج سارة للحدث على ساكنة القرية، تقرر أن تعبد الطريق إلى القرية والتي تتطلب أربع ساعات على البغال، ولا تصلها السيارات بتاتاً، وذلك من أجل تمكين الزوار من مشاهدة نقوش صخرية تعد الأقدم في شمال إفريقيا.
تحولت القرية التي بالكاد كانت تصلها أقدام أبناء القرية في أيام عيد الأضحى من كل سنة إلى قبلة للسياح والمسؤولين الراغبين في التمتع بهذه النقوش التي تعود إلى ما قبل التاريخ، إلى فترة حكم الفينيقيين.
واكتشف الكثير من الزائرين أن هذه القرية التي لم يسمع الكثيرون عنها يوماً، تتمتع بسحر طبيعي من شأنها أن يحولها إلى مركز سياحة جبلي بامتياز