لندن ـ كاتيا حداد
يتوافد الآلاف من السائحين، على المناطق الأثرية من كل مكان في العالم، إلا أنهم وللأسف لا يرونها سوى من زاوية واحدة فقط، ولا يرونها إلا وهم بين الأطلال، وعلى الأرض، فيفقدون بذلك القدر الأكبر من الجمال الذي تتمتع به هذه المنطقة الأثرية. الجديد في الأمر أن هذا الجمال الرائع لم يتأت من زيارة المكان بالطريقة العادية، بل اكتشفه من نظر
إلى الموقع من زاوية مختلفة، إنها تلك النظرة من أعلى أو من الفضاء.
إنها الأماكن التي تتضمن "ماتشو بيتشو" في بيرو، "أهرامات الجيزة" في مصر "وستون هيدج" في بريطانيا، والتي ظهرت بكامل جمالها وبهائها في عدد من الصور التقطها قمر المراقبة "إيكونوس"، كما التقط القمر صورًا لمدينة "أنجكور" عاصمة إمبراطورية الخمير الحمر، والتي تعرف في العصر الحالي بدولة كمبوديا، بالإضافة إلى صور لمدن "تشتشن إتزا"، "تيوتيهوكان"، "أوكسمال" التي تقع جميعها في المكسيك.
ومن المعروف أن هذه المدن صُممت، بحيث يقع ضوء الشمس على بعض الآثار الموجودة بها بطريقة معينة، في أماكن محددة، في تواريخ فلكية معروفة ، وهو ما قد يُعرف بالانقلاب والاستواء الشمسي أو تعامد الشمس على أحد الآثار الموجودة بها، مثلما يحدث عندما تتعامد الشمس على وجه رمسيس الثاني في مصر، وتتعامد الشمس على هرم "تشتشن إتزا" لدى الدرج الشمالي عند الغروب حتى يتسبب الضوء والظلال الناتجة عنه في ظهور ما يُعرف بـ"كوكلكان"، أحد المعبودات القديمة على شكل أفعى.
ومن أهم الآثار التي التقط لها "إيكونوس" صوراً من الفضاء "هرم الشمس" العملاق في مدينة "تيوتيهوكان" في المكسيك، الذي يرجع تاريخه إلى 1500 سنة وينتمي إلى حضارة "التولتيك".
كما تقع المدينة الخفية "ماتشو بيتشو" في بيرو في قلب جبال "الإنديز" في منطقة حافلة بالغابات والأنهار، التي تصعد وديانها بطريق يؤدي إلى المدينة العتيقة التي يرجع تاريخها إلى 1460 سنة حيث بنى المدينة أبناء حضارة "الإنكا"، بينما تنتمي مدينة "أنجكور"، عاصمة إمبراطورية الخمير "كمبوديا حالياً"، إلى إحدى أقدم الحضارات في آسيا التي استوطنت المنطقة واستقرت بها في الفترة ما بين 1113 - 1150 قبل الميلاد، وهي حضارة "سوريافارمان".
ويتكون المبنى الموجود وسط الصورة من خمسة أبراج تمثل جبل "ميرون" وهي الأبراج التي تحيط ببحيرة يصل عرضها إلى 174 متراً، وهو المكان الذي هجره السكان المحليون منذ القرن الخامس عشر، كما يظهر سور الصين العظيم، الذي بُني منذ 600 سنة على يد عائلة "مينغ" المالكة، وكأنه خط منكسر إلى يمين سور "مينغ".
وتظهر أيضاً "أهرامات الجيزة" التي بنتها الأسر الفرعونية التي توالت على حكم مصر في صور الفضاء، وهي البنايات الهرمية التي بُنيت في الفترة ما بين 2600 و2500 قبل الميلاد، وبين أهرامات الجيزة الهرم الأكبر، هرم خوفو، الذي كان لقرون طويلة أطول مبنى في العالم.
وصور "إيكونوس" أيضاً بعض الأماكن التي أدرجتها منظمة "اليونسكو" في قوائمها لمناطق التراث الإنساني مدينة "بعلبك" اللبنانية التي بُنيت في عصر الدولة الفينيقية، حيث كرس الفينيقيون المدينة لإله الشمس "بال" أو بيل في الألفية الأولى قبل الميلاد قبل أن تتحول بعلبك إلى جزء من الإمبراطورية الرومانية.
وهناك صور "لستون هيدج" التي بُنيت في العصر الحجري تحديداً سنة 2000 قبل الميلاد، وهو العصر الذي شهد ما يُعرف بحضارة "بيكر"، ويُرجح أن الأحجار التي بُنيت بها هذه المنطقة تم تنظيمها لتتعامد عليها الشمس في تواريخ فلكية محددة منها على سبيل المثال يوم انقلاب الشمس الصيفي، وهو أطول يوم في السنة.
ومع أن هذه الصور كشفت النقاب عن قدر كبير من الجمال لم يره الإنسان في المناطق الأثرية حول العالم، إلا أن آثار العالم لا تزال تنطوي على قدر كبير من الغموض، حيث لا يُعرف حتى الآن كيف تمكن القدماء في مختلف الحضارات من الوصول إلى هذا التقدم الهائل في الهندسة والعمارة، وهو ما لم يتوصل إليه مهندسو العصر الحالي وكيف تمكن القدماء من صنع المستحيل كرفع أحجار تزن أطنان إلى ارتفاعات هائلة لبناء الأدوار العليا في البنايات التي ظلت لآلاف السنوات حتى وصلت إلينا في العصر الحالي.
يُذكر أن قمر المراقبة "إيكونوس"، هو قمر صناعي يستخدم لأغراض تجارية يلتقط صورًا بتباين يتراوح ما بين 1 و4 متر.
أُطلق هذا القمر للمرة الأولى عام 1999، ويُعد أحد أهم الإنجازات الهامة في تاريخ علم الفضاء يقدمها القطاع الخاص حيث يحتوي على نفس قدرات وإمكانات أقمار التجسس، التي لا تتوافر إلا في الأقمار الصناعية التي تتحكم فيها الجهات العسكرية.