باريس ـ مارينا منصف
تفتح شركة الطيران الأيرلندية، "رايان آير"، في يوليو/تموز من كل عام خدمة طيران جديدة إلى مكان لم نسمع عنه من قبل، أما هذه المرة فلا يقع المكان في أخر بقاع أوروبا ويتعذر نطقه مثل مدينة بيدوغوشتش البولندية، بل أنه في وسط القارة الأوروبية وبالتحديد شمال شرق فرنسا، وسط قرى الصيد التي تقع في الخلجان الموجودة على ساحل المحيط الأطلسي.
والحديث هنا عن بلدة بريتاني الساحرة التي تستقطب أعدادًا غفيرة من السياح كل عام، بفضل طابعها المتفرد الذي يجمع بين سحر الطبيعة وعبق التاريخ، فضلًا عن أنها تضم بلدية كيوبيرون وخليج موربيهان، اللذان يعدان نقطة محورية للبلدة التي تحتوي على كل ما يشتهيه الفرد بدءًا من السواحل والشواطئ والجزر، حتى أسرار العصر الحجري والمأكولات البحرية.
وتعتبر المدينة أيضًا أجمل القرى الفرنسية، فيما تزداد متعة السياح عند زيارة مقاطعة بريتاني والتجول بها بواسطة الدراجات الهوائية في هدوء بعيدًا عن الطرق الساحلية، التي يكثر بها الصخب والضجيج، وفي هذه الرحلة البديعة يتجول السياح على طرق ريفية ضيقة أو مسارات تم إنشاؤها خصيصًا لاكتشاف المنطقة بواسطة الدراجات.
وتضم البلدة مدينة لوريان الساحرة التي تستضيف مهرجان الكلت الثقافي الذي يحتفل بمجموعات الكلت من جميع أنحاء العالم، من خلال الموسيقى والرقص والفن والمسرح والتصوير والنحت، ويقام المهرجان في الفترة ما بين 4 و13 أغسطس/آب من كل عام، كما كانت تعتبر قاعدة لقوارب يو بوت إبان معركة الأطلسي في الحرب العالمية الثانية، حيث حاولت قوات الحلفاء ضرب المدينة لكنها فشلت وقصفت البلدة المحيطة بها، وبعد الحرب تمكنت من المدينة من ربط أواصرها مجددًا.
وتشتهر بريتاني بالآثار الصخرية أو الجندل الموجودة في بلدية كارناك، التي تعتبر أكثر المواقع المحلية شهرة هناك، حيث تبلغ أعداد الصخور نحو 3 آلاف صخرة ويرجع تاريخها إلى ستة آلاف سنة وتسير في شكل موازٍ تقريبًا مسافة 2 ونصف ميلا، ولا أحد يعرف سبب وجودها، إلا أن تضفي على البلدة سحرًا متفردًا.
وتحظى شبه جزيرة كويبيرون، والتي تتدلى من البر الرئيسي مثل الدمعة، بشهرة كبيرة على مر التاريخ بسبب تجارة السردين، وكونها مسرحًا لفشل الثورة الفرنسية المضادة، فبحلول 1795، كانت أغلب مناطق غرب فرنسا، بما فيها هذه الجزيرة، مناهضة للثورة الفرنسية.
وتسير رحلة التجول بعد ذلك على خط سكك حديدية مهجور لتصل إلى بلدة لوكرونان التي لا تسير بها السيارات وتكثر بها الطرق الممهدة، وقد تم إنشاء معظم المنازل في هذه البلدة من أحجار الغرانيت، ويرجع تاريخ إنشائها إلى القرن السابع عشر، ولم تطرأ أي تغييرات على مركز القرية، وبالتالي فإنه يمثل بيئة مثالية لتصوير الأفلام التاريخية.
وتنطلق الرحلة بعد ذلك من بلدة لوكرونان إلى مورليه مرورًا بمنطقة أوت فينيستير، واليت تزخر بالكثير من دور العبادة البديعة، والتي ترجع إلى أواخر القرن السادس عشر وبداية القرن السابع عشر، وذلك في إطار مواجهة حركة الإصلاح الديني. وتنافس بلدة مورليه المدن الأخرى، مثل جيميليو ولامبول جيميليو وسانت تيونيه، من حيث وجود الكثير من دور العبادة الرائعة ومدافن عظام الموتى المزخرفة والعديد من المزارات والمعالم الدينية وبوابات النصر والمذابح المقامة على طراز الباروك، والمزينة بالكثير من المنحوتات والتماثيل ومناظر من الكتاب المقدس.
وبعد الاستمتاع بالتجول في بلدة مورليه، يتبدى منظر البحر الرائع أمام السياح؛ حيث تظهر مشاهد بديعة للغاية للساحل المغطى بأحجار الغرانيت بين منطقتي تيرغاستيل وبيروس غيريك، كما يكثر ظهور التكوينات الصخرية ذات اللون الوردي، وعند القيام بجولة ترفيهية على الطريق الساحلي يستمتع السياح بالمناظر الطبيعية الخلابة، فيما تزخر المنحدرات بالعديد من التكوينات الصخرية ذات الأسماء الغريبة مثل الساحرة الشريرة وقلعة الشيطان وقبعة نابليون أو الجمجمة.
على الجانب الآخر، يمتد طريق الرحلة بمحاذاة ساحل البحر حتى الوصول إلى بلدة كون إميراودي التي تمتاز بالعديد من المناظر الطبيعية الخلابة في منطقة كاب فرييل؛ حيث تعصف الرياح بمنحدرات الحجر الرملي التي تتساقط إلى عمق 70 متراً، وفوق قمة هذه المنحدرات تعشش طيور النورس وغيرها من الطيور المختلفة،وعلى مسافة بضعة كيلومترات من هذه المنطقة، توجد قلعة فورت لاتيه، المطلة على المحيط الأطلنطي، والتي تمتاز بأبراجها الشاهقة والجسر المتحرك والجدران الضخمة، وقد أعيد بناء هذا الحصن مرة أخرى بعد التدمير الذي لحق به خلال الحرب العالمية الثانية، ويرتبط باليابسة عن طريق سد اصطناعي.