أبوظبي – صوت الإمارات
على بعد كيلومتر غرب العاصمة الإماراتية أبوظبي؛ تقع جزيرة مروح التي تعد من أهم المواقع الأثرية في دولة الإمارات العربية المتحدة، بالإضافة إلى ما تتميز به من بيئة برية وبحرية نادرة. وقد تم إعلان جزيرة مروح محمية طبيعية بحرية عام 2001، وهو ما جعلها إحدى أكبر المحميات البحرية في منطقة الخليج العربي. وأصبح الموقع والجزر المحيطة به والشريط الساحلي خلال عام 2007 "محمية مروح البحرية للمحيط الحيوي"، ضمن برنامج الإنسان والمحيط الحيوي الخاص باليونسكو "ام ايه بي". وتتميز المحمية بحياة طبيعية ذات أهمية وطنية وإقليمية وتشمل أعشاباً بحرية وأشجاراً.
وقدمت الحفريات في قرية العصر الحجري المتأخر بالمنطقة "إم آر 11" في جزيرة مروح نتائج علمية وتاريخية استثنائية، وأظهرت فكرة واضحة عن تصميم وشكل البيت القديم قبل 7500 سنة، والتي تعد أحد أقدم الآثار المعروفة للعمارة الحجرية في منطقة الخليج العربي.وساعدت الاكتشافات على تصور حياة السكان قبل 7500 عام، واستخدامهم صيد الحيوانات وتربية الماشية جرة خزفية من بلاد الرافدين، أحد البراهين الأولى على التجارة البحرية لمسافات طويلة عبر الخليج العربي.
وكشفت التنقيبات الأثرية في جزيرة مروح قبالة سواحل أبوظبي عن واحدة من أولى القرى الحجرية التي تم بناؤها في منطقة الخليج العربي. وركزت عمليات التنقيب التي اكتملت في شهر أكتوبر من العام الماضي، عن واحدة من سبعة تلال لتكشف عن بناء معماري لثلاث غرف حجرية متصلة، ويعد نمط العمارة هذا فريداً بالنسبة لتلك الفترة، ولم يسبق اكتشافه من قبل في منطقة الجزيرة العربية، ووفق ما أظهره اختبار الكربون المشع لهذه اللقى الأثرية فإن القرية تعود إلى العصر الحجري الحديث. وساعدت الاكتشافات الأثرية خبراء الآثار في هيئة أبوظبي للسياحة والثقافة على تصور ملامح حياة السكان الأوائل قبل 7500 عام، حيث بينت استخدامهم لأدوات حجرية لصيد الحيوانات مثل الغزلان، وعرفوا أيضاً تربية الماشية. كما كشفت الكميات الكبيرة من عظام الأسماك وبقر البحر والسلاحف والدلافين عن فهمهم للبحر واستخدام موارده كمصدر مهم للغذاء. وتم أيضاً اكتشاف حبات خرز صغيرة مصنوعة من الأصداف وناب لسمكة قرش تم ثقبها بعناية كبيرة واستخدامها لغرض الزينة.
واستخدم سكان جزيرة مروح أيضاً البحر لغرض التجارة، حيث تم فيها سابقاً اكتشاف جرة خزفية، أظهرت دراستها أنها من منطقة بلاد الرافدين، وقد تم نقل هذه الجرة لمسافة تقارب 1000 كيلومتر، لتكون بذلك أحد البراهين الأولى على التجارة البحرية لمسافات طويلة عبر الخليج العربي.وكانت معدلات هطول الأمطار في جزيرة مروح قبل 6000 عام أكثر مما هي عليه اليوم، حيث تغير حال المنطقة لتغدو قاحلة للغاية. ويعتقد أن هذا كان سبب انتقال سكانها إلى مناطق أخرى. وبعد التخلي عن القرية، استخدم السكان بعض الغرف لدفن موتاهم، حيث تم العثور على هيكلين عظميين في هذه الغرف. وتتشابه هذه الطريقة في دفن الموتى مع نظيرتها في مدافن العصر الحجري الأخرى على غرار مدافن جبل البحيص في إمارة الشارقة، ويقوم خبراء متخصصون بفحص بقايا الهياكل العظمية خلال فترة قصيرة لاكتشاف مزيد من المعلومات حول عمر أصحاب هذه الهياكل وصحتهم.
وكان برنامج "هيئة أبوظبي للسياحة والثقافة" للأبحاث الأثرية قد حدد ما يزيد على 20 موقعاً رئيساً للحفريات على الجزيرة منذ عام 2012، وترجع هذه المواقع إلى مراحل تاريخية متنوعة من العصر الحجري المتأخر، قبل نحو 7500 سنة، إلى عصور تاريخية أحدث مع اكتشاف قريتين تعودان إلى العصر الحجري المتأخر على الطرف الغربي لجزيرة مروح، وتضمان آثار مجتمعات سكنها الإنسان. وتتضمن أهم المواقع التي تم اكتشافها في جزيرة مروح مجمعاً كبيراً من مواقد الطهي يرجع تاريخها إلى العصرين البرونزي والحديدي، بين 5000 و3000 سنة مضت، وعدداً من الأفران الجيرية تعود إلى أوائل العصر الإسلامي ومواقع مختلفة مرتبطة بفترة تاريخية تعود إلى 250 سنة مضت، عندما اعتمد السكان المحليون على صيد اللؤلؤ والأسماك كنشاط اقتصادي أساسي.
وتحتضن المنطقة مسجداً جدرانه من الحجر الجاف في قرية اللفة وسلسلة من الجدران الأثرية في قرية مروح ومقبرة إسلامية وفناء منزل خشبي قديم، ومرفأ للسفن ومسجداً في قرية قريبة، إضافة إلى نظام تقليدي لتجميع المياه والآبار. كما كشفت الأنشطة الأخيرة عن بيوت ذات تصاميم ثلاثية الأطراف تتميز بجودة بنائها باستخدام الحجر الجيري المحلي الذي تم جمعه من المنطقة المحيطة بها. ويقارب عرض الجدران السميكة لهياكل هذه البيوت 70 سنتيمتراً، وهو ما يدل على أن الهيكل تم تشييده بجدران ذات دعامات خارجية ساعدت على خلق مظهر القبة الممتدة. وأظهرت الحفريات التي قامت بها هيئة أبوظبي للسياحة والثقافة أن سكان قرية العصر الحجري اعتادوا على تربية الحيوانات الأليفة مع العثور على أجزاء من عظام الأغنام أو الماعز في الموقع. كما قاموا بصيد الغزال إلى جانب استغلال الموارد البحرية الغنية المتوافرة حول جزيرة مروح، وقد تم تحديد شظايا عظام أبقار البحر والسلاحف التي تبين أنها شكلت جزءاً دائماً من نظامهم الغذائي. ومارس سكان المنطقة أنشطة الصيد على نطاق واسع، علاوة على جمع المحار سواء كمصدر للطعام أو مادة خام لصناعة المجوهرات.