المتاجر في "غراند بازار"

بدأت بواعث الخوف والقلق تساور قلوب الكثير من التجار الأتراك بشأن مستقبلهم، مع توسع عمليات إغلاق المحلات التجارية التي تشهدها أكبر المدن التركية، إسطنبول، في أقدم بازارات العالم، "غراند بازار" أو ما يعرف بالسوق القديم.

ويؤكد مستأجرو المحلات التجارية في السوق القديم، أن السعي وراء تحويل المباني التاريخية إلى فنادق، من أجل الربح وزيادة ضخ العملة الصعبة، يدمر ما يأتي الزوار لرؤيته، وعادة ما نسمع الضجيج يملأ "غراند بازار"، مع حرص التجار على عرض بضاعتهم على المارة، إلا أن هذه المرة كان الضجيج والضوضاء لهما معنى مختلف تماما، مع تصاعد موجات الغضب والاستياء بين التجار في شارع السوق القديم.

واحتشد عدد كبير من التجار الغاضبين من أصحاب المحال التجارية، احتجاجا على عمليات الإخلاء المعلقة، حيث تعاقدت المديرية العامة للمؤسسات، المالكة للسوق القديم، مع مالك جديد بعقد إيجار طويل الأجل، ما أدى إلى زيادة أسعار الإيجار التي لا تتوفر في متناول معظم المستأجرين للمحلات في "غراند بازار"، وفي حالة لم يتمكنوا من الدفع فيجب عليهم إخلاء السوق.

ويعتبر البازار الكبير، أحد أكبر الأسواق المغطاة في العالم، ويضم أكثر من ثلاثة ألاف متجر ويجذب ما يصل إلى نصف مليون زائر يوميًا، أما الآن فقد قيدت بلدية الفاتح التركية السوق العريق الذي يبلغ من العمر 550 عام، ومساحات واسعة من شبه الجزيرة التاريخية من أجل الربح، ويخشى الكثيرون من التجار على مصالحهم ومستقبلهم، وأن الأمور لن تعود كما كانت عليها.

ويتحدث أحد التجار الذي يستأجر محلًا صغيرًا يبيع فيه الحقائب الجلدية، الياس أوزتورك، أنه كان يعمل في السوق منذ كان عمره 12 عامًا، وقد أنفق كل ما لديه من الأموال على هذا المحل مع بداية موسم الصيف، ويتحدث من خلال باب خشبي سميك يستعين به هو وأصحاب المحال التجارية الأخرى، لتأمين أنفسهم لمقاومة الإخلاء، وأضاف "كنا ندفع دائما المبالغ المستحقة علينا للإيجار، فنحن لسنا مجرمين ولا يمكن أن ينتهي الأمر بنا في الشارع".

وتوجهت وحدات مكافحة الشغب التابعة للشرطة، في نفس اليوم لإخلاء وكسر أبواب الغزل والنسيج القديم في البازار "صندل بيديستاني"، وفي صباح اليوم التالي شرعوا بإخلاء 80 محل تجاري على مرمى ومسمع من سلطات البلدية.

وأوضح أحد التجار الذي رفض ذكر اسمه "أعاني من الديون التي ترهق كاهلي، وأشتري بضائع بآلاف الدولارات، فما الذي يجب أن أفعله، وأين أذهب؟".

ويذكر أن أصحاب المتاجر الذين طردوا من البازار الكبير الأسبوع الماضي، لن يكونوا الأخيرين في سلسة عمليات الإخلاء، وأعلن رئيس بلدية الفاتح مصطفى ديمير، التي تتولى أجزاء كبيرة من شبه الجزيرة، عن خطط طموحة لتحديث السوق العثماني كله وضواحيه الشهر الماضي.

ويشار إلى أنه جار تنفيذ مشاريع قيمتها 61 مليون جنيه إسترليني، لتحويل أكثر من 1700 مبني تاريخي إلى فنادق بما في ذلك العديد من الحانات القديمة حول الساحات، والتي تدعى "Çebeci Han"، والتي يستعين بها التجار لتخزين بضاعتهم، التي تخصص معظمها لحرفة معينة، كما يتواجد في هذه الساحات العديد من منازل الحرفيين والورش الصغيرة. ويعمل أكثر من 25 ألف شخص داخل البازار الكبير.

وتتردد الأصوات المعدنية الناتجة من عمل النحاسين في سو "Çebeci Han"، ويعرب الكثير من النحاسين عن غضبهم بسبب خطط البلدية، منهم سيد عبد الله (65 عاما) الذي يعمل قرابة عقد من الزمان في السوق.

وبيّن عبد الله "يجب أن يذهبوا لبناء فنادق في أماكن أخرى، فلا نرغب في رؤيتهم هنا، لأنهم يهتمون فقط بزيادة الربح، وينظرون ماذا يمكنهم أن يبيعوا، بعد أن باعوا كل شيء بالفعل"، مضيفا أنه حاول نقل ورشته إلى منطقة صناعية أكثر في ضواحي اسطنبول، ولكن دون جدوى، وتابع "زبائننا يأتون إلى هنا، ولا يمكنني أن أجد مساحة أخرى في المدينة، حتى أتمكن من بيع بضاعتي وكسب قوت يومي".

وعلى الرغم من تدهور الصحافة التركية وزيادة حجم الاضطرابات في جميع أنحاء المنطقة، إلا أن السياحة في اسطنبول مزدهرة، حيث زار المدينة في عام 2014 ، قرابة 12 مليون شخص، بزيادة قدرها 13.1%.

وأفادت البيانات التي نشرتها جمعية الفنادق السياحية والمستثمرين "Turob" في عام 2010، بارتفاع عدد الفنادق المرخصة من 283 إلى 766 فندق في أربعة أعوام فقط، فضلاً عن العديد من المشاريع لا تزال قيد الإعداد، وقدر رئيس البلدية "دمير" قيمة الإمكانيات السياحية في شبه الجزيرة التاريخية وحدها بمبلغ قدره 38 مليار دولار.