تطوير العلاج النفسي للأطفال

نظمت مدينة الشيخ خليفة الطبية في أبوظبي مؤخراً فعاليات الدورة الثالثة من "المؤتمر الدولي للصحة النفسية والسلوكية للطفل" بمشاركة عدد كبير من الخبراء والمختصين في مجال الصحة النفسية للطفل من مختلف أنحاء العالم .

سلط المؤتمر الضوء على العديد من القضايا التي تتعلق بسلامة الطفل مثل العنف الجسدي والجنسي، كما تطرق إلى العقوبات التي تحد من مثل تلك الجرائم مثل "قانون حماية الطفل" إضافة إلى مناقشة نحو 70 ورقة من الأبحاث التي تتطرق إلى الأمراض النفسية التي قد تكون نتيجة الإهمال والعنف ضد الأطفال مثل القلق والاكتئاب واضطراب الأكل وفرط الحركة من منطلق أن تربية جيل من الأطفال يتمتعون بالصحة العقلية والنفسية هي السبيل لبناء مجتمع صحي وقويم .

وكشف استشاري ورئيس قسم الطب النفسي للأطفال في مدينة الشيخ خليفة الطبية في أبوظبي الدكتور أحمد الألمعي خلال المؤتمر عن نتائج دراسة محلية أظهرت نتائجها أن 50% من الحالات التي استقبلها قسم الطب النفسي للأطفال في مدينة الشيخ خليفة الطبية في أبوظبي العام الماضي تعود إلى حالات فرط الحركة وقصر الانتباه لدى الأطفال، موضحاً أن إجمالي عدد هذه الحالات بلغ 4500 حالة لأطفال ومراهقين .
وأوضح أن 10% من إجمالي المرضى في القسم يعانون أمراضاً نفسية شديدة، و13% منهم يعانون التوحد، مؤكدا أن نسبة الشفاء من المرض وفترة العلاج تختلف من حالة إلى أخرى حيث تصل نسبة شفاء الأطفال من مرض فرط الحركة إلى 70% .
وأوضح الدكتور الألمعي أن أعراض الأمراض النفسية والسلوكية تختلف من فئة عمرية إلى أخرى، وقال إن من الصعب على الأهالي تحديد تلك الأعراض، ولذلك من الأفضل أن يقوم الأهالي بزيارة طبيب نفسي مختص في علاج الأطفال في حالة ملاحظتهم لإصابة طفلهم بمرض نفسي أو سلوكي حتى لا تتفاقم الأعراض ويصعب علاجها .
وأكد وجود نقص في عدد الأطباء المختصين في العلاج النفسي للأطفال، مشيرا إلى أن أغلبية المراكز الصحية التي توفر العلاج النفسي للأطفال تقدم خدماتها من دون وجود أطباء مختصين في العلاج النفسي للأطفال . ودعا في هذا الصدد إلى إنشاء مراكز صحية مختصة في العلاج النفسي للأطفال . ولفت الدكتور الألمعي إلى أن المجلس العربي للتخصصات الطبية بصدد إعداد برنامج متكامل لتدريب الأطباء في تخصص الطب النفسي للأطفال في الوطن العربي، وأن عدة اجتماعات ستعقد في الفترة المقبلة لمناقشة البرنامج التدريبي من قبل اللجنة التنفيذية في المجلس، حيث يشترط على الطبيب للالتحاق في البرنامج أن يكون حاصلاً على شهادة البورد العربي للطب النفسي العام أو ما يعادلها، ويؤهل البرنامج الأطباء المتدربين للحصول على شهادة البورد العربي في مجال الطب النفسي المتخصص للأطفال بعد اجتيازهم ساعات التدريب في البرنامج والتي تستمر على مدار عامين، ويشمل كل برنامج تدريبي من طبيبين إلى 4 أطباء، وستكون هناك 3 مراكز للتدريب في الوطن العربي، وستكون الإمارات أحد تلك المراكز .

وناقش المؤتمر دراسة خاصة بالأمراض المصاحبة لمرض اضطراب فرط الحركة وتشتت الانتباه قدمتها مدينة الشيخ خليفة الطبية في أبوظبي وأظهرت أن 34% من الأطفال الذين يتلقون العلاج النفسي فيها مصابون باضطراب فرط الحركة، وأن 14% منهم مصابون بتأخر في الكلام، و13% بضطراب التوحد، و11% بالتخلف العقلي، و7% بعسر التعلم، و10% باضطراب القلق، و5% باضطرابات الأحكام، و4% باضطراب ثنائي القطب، و3% بالأمراض الجينية، و3% بالاكتئاب، و2% بتشخيصات أخرى و1% بأمراض نفسية .
كما بينت الدراسة أن نسبة الأطفال المصابين بمرض اضطراب الحركة في أبوظبي تعد الأعلى بين الاضطرابات النفسية الأخرى، مشيرة إلى أن نسبة الأطفال المصابين بالمرض ممن تتراوح أعمارهم ما بين 6 إلى 12 سنة تبلغ 51% من الحالات، يليهم الأطفال الأقل من 6 سنوات، ثم الأطفال في سن 13 سنة فأكثر .
وهدفت الدراسة والتي تعد الأولى من نوعها في دولة الإمارات العربية المتحدة، ومنطقة الخليج إلى معرفة نسبة الأمراض المصاحبة لمرض فرط الحركة وقصر الانتباه، وأجريت على ألف و 301 حالة مرضية يقل عمرها عن 17 عاماً، وتعود الحالات إلى 12 مستشفى تابعين لشركة أبوظبي للخدمات الصحية "صحة"، واستغرق إجراء الدراسة 4 سنوات "2009 إلى 2013" . وأثبتت الدراسة وجود 10 أمراض تصاحب مرض فرط الحركة وقصر الانتباه، أولها مرض تأخر الكلام بنسبة 4,33% يليه مرض التخلف العقلي بنسبة 25% وطيف التوحد 22% وقصر التعلم 9,17% واضطراب المعرضة وعصيان السلوك 9,15% واضطراب القلق 8,4% واضطراب ثنائي القطب 1,2% وسلس البول بنسبة 5,1% وداء الحركة اللاإرادية 4,1% والاكتئاب 8,0% وأوضحت الدراسة أن نسبة الإصابة بالمرض للذكور مقارنة بالإناث بلغت 3% وأن مصاحبة اضطرابات أخرى لاضطراب فرط الحركة مثل القلق والاكتئاب يؤدي إلى تعقيد عمليتي التشخيص والعلاج بشكل كبير . ودعت الدراسة إلى ضرورة إيجاد تشخيص مفصل وواضح لكل حالة من الأمراض المصاحبة لمرض فرط الحركة وقصر الانتباه، حتى يمكن وضع علاجات محددة ويتم تشخيصها منذ الصغر لمنع حدوث تطور ومضاعفات للمرض .
وأكدت الدراسة إمكانية ارتباط اضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه مع اضطرابات أخرى مثل القلق والاكتئاب، ما يؤدي إلى تعقيد عمليتي التشخيص والعلاج، حيث يمثل العامل الوراثي 80% من الأسباب المؤدية للاضطراب، ويعود ذلك إلى خلل في الجينات المسؤولة عن مناطق التحكم بردود الأفعال . وأوضحت الدراسة أن 25% من ذوي الأطفال المصابين كانوا يعانون فرط الحركة وتشتت الانتباه .
كما أوضحت الدراسة الدور المهم للاستشارات النفسية المستخدمة والتي تدخل في المعالجة النفسية، والمعالجة السلوكية، والمعالجة العائلية، والتدريب على اكتساب المهارات والمؤهلات الاجتماعية، والمعالجة بواسطة اكتساب مجموعات الدعم، وتدريب الوالدين على اكتساب مهارات خاصة للتعامل سلوكياً مع الطفل المصاب .
وأشارت الدراسة إلى أن الأطفال الذين يعانون اضطراب فرط الحركة، يتمتعون بطاقة وحيوية عالية ولمدة زمنية طويلة ما يؤدي إلى حدوث مشاكل اجتماعية وتعليمية في حياة الطفل وتظهر أعراض الاضطراب في سن الرابعة، وتزداد حدتها خلال السنوات التالية ثم تنتقل حدتها مع دخول الطفل مرحلة البلوغ .
ولفتت إلى أن العلماء اكتشفوا من خلال الصور الدماغية والعصبية الحديثة أن هناك مناطق في الدماغ أصغر من غيرها في الأطفال المصابين بأمراض فرط الحركة وتشتت الانتباه مقارنة مع الأطفال الأصحاء، ومن هذه المناطق جزء من المخيخ وجزء من العقد القاعدية في الدماغ، مشيرة إلى أن العلماء أرجعوا هذا الأمر إلى عدة عوامل منها الوراثية، والبيئية، والغذائية، والولادة غير مكتملة النمو .