الرياض - صوت الامارات
يعتبر اضطراب طيف التوحد Autism Spectrum Disorder "ASD" هو اضطراب نمائي عصبي شائع نسبيًا يؤثر على 10 من كل 1000 طفل تقريبًا على المستوى العالم، وذلك وفقًا لآخر دراسة إحصائية لعام 2012، وتصف الجمعية الأميركية للطب النفسي هذا الاضطراب بضعف التفاعل الاجتماعي والتواصل حوله، وعدم وجود أنشطة نمطية.
وبشأن الخدمات التي تقدم لأطفال التوحد، أشارت دراسة محلية، وهي مماثلة للدراسة العالمية التي قام بها د. ماككوناتشي McConachie H عام 2006، قام بها الطبيبان جان وبابطين ونشرت العام الماضي 2016 في مجلة علوم الأعصاب، فإننا نحتاج لتشخيص مبكر لهذا الاضطراب من أجل وضع خطة مبكرة لعلاجه، والذي يكون عادة متعدد التخصصات، وكي يحصل المريض على نتيجة جيدة، كما أن الحاجة ملحة لزيادة الوعي العام لمنع حدوث تأخيرات في تقديم هذه الخدمات والمساعدة أيضًا في التقليل إلى أدنى حد ممكن من الوصمة الاجتماعية المرتبطة بالمرض والمساهمة في التخطيط لحملات التوعية الكافية للتوحد، ومع الأسف فإن هذه القضية لم تحظَ إلا بدراسات محدودة في منطقتنا مع وجود فجوة حرجة في أبحاث هذا الاضطراب في البلدان النامية.
دراسة محلية حديثة
قام قسم الأطفال في كلية الطب، جامعة الملك عبدالعزيز في جدة، بإجراء دراسة لتقييم وتوثيق درجة وعي أفراد المجتمع السعودي وانطباعاتهم عن اضطراب طيف التوحد في منطقة جدة في السعودية، وأكد أستاذ واستشاري طب الأعصاب والأطفال في كلية الطب في الجامعة ورئيس فريق البحث البرفسور، محمد محمد سعيد جان، أن هذه الدراسة تهدف إلى السعي لتصحيح الكثير من سوء الفهم والانطباعات الخاطئة عن التوحد في المجتمع، والذي يتم ربطه بالتخلف العقلي أو أساليب التربية أوالمؤثرات الخارجية في كثير من الأحيان.
وأضاف سعيد جان، أن زيادة وعي المجتمع عن التوحد سوف يساعد في سرعة التعرف على الأطفال المصابين وحصولهم علي العلاج اللازم ويساهم في مساندة عوائل المصابين وتحسين الدعم المقدم منهم لأطفالهم المرضى، موضحًا أن فريق البحث الذي شارك معه قام بتحضير استبيان مقنن تضمن ٢٠ سؤالًا لتحديد الوعي العام والمعرفة ومعلومات المشاركين عن اضطراب طيف التوحد وتم اختيار المتغيرات الديموغرافية والأسئلة الرئيسية بشأن الوعي والمعرفة، استنادًا إلى الأدبيات المتاحة والمنشورة في المراجع العلمية.
وقد تم أيضًا إجراء مقابلات شخصية بشكل عشوائي، تم فيها شرح طبيعة الدراسة والاستبيان للمشاركين قبل المشاركة الطوعية في الدراسة، ومن ثم تم إكمال الاستبيان أثناء فعاليات اليوم التوعوي عن التوحد الذي أقامه القسم، برعاية الجامعة في مراكز التسوق الرئيسية في مدينة جدة.
وأعقب المشاركة تقديم معلومات وافية ومواد تعليمية سبق تجهيزها خلال الحملة، ولم يتم طلب هوية المشاركين لضمان الخصوصية وتشجيع الاستجابة السريعة والدقيقة، وقد تمت الموافقة على تصميم الدراسة والاستبيان من قبل هيئة أخلاقيات المهنة من مستشفى جامعة الملك عبدالعزيز، وقد شارك في هذا البحث كل من د. مطر السهيمي، د. محمود أبوسعده، و د. رزان صيرفي.
وكشف البرفيسور محمد جان، أن ما مجموعه ٢٥٩ شخصًا شاركوا في هذه الدراسة، وكان عمر 47 ٪ منهم أقل من 30 عامًا، و70 ٪ منهم كانوا نساء، وقد كان معظم المشاركين "60 ٪" متزوجين وحاصلين على تعليم جامعي "68 ٪" وموظفين "54 ٪".
وظهر من نتائج هذا البحث، أن معظم المشاركين "88 ٪" كانوا يعلمون ماهو مرض التوحد، ومع ذلك، فعندما سئلوا عن تقييم درجة معرفتهم أفاد 41٪ منهم أن معلوماتهم ضعيفة، ووجد من هذه الدراسة أن الإناث اللاتي تتعدى أعمارهن الثلاثين كن أكثر معرفة بالمرض مقارنة بالآخرين، كما كانت الإناث أكثر تفائلًا من الذكور في ما يخص مستقبل الأطفال، وتوقعن أن الأطفال المصابين بالتوحد يمكن توظيفهم في المستقبل، وربط كثير من الذكور مرض التوحد بالتخلف العقلي، وفي نفس الوقت تعرف البعض من المشاركين بشكل صحيح على السمات الهامة للاضطراب، وتمكنوا من التعرف على الحاجة لإلحاق أطفال التوحد في مراكز التوحد المتخصصة.
ومن تحليل نتائج تلك الدراسة أيضًا، أمكن الاستنتاج أن محدودية الوعي والمعرفة حول التوحد لا تقتصر على الجمهور العام فحسب، بل أيضًا قد وجدت عند المعلمين وكذلك العاملين في مجال الرعاية الصحية.
مشكلة عالمية
وبمراجعة أدبيات البحث والدراسات العالمية، يتضح أن هذا القصور المعرفي موجود على المستوى العالمي، ومن تلك الدراسة التي قامت بها الدكتورة بوني أويونغ الباحثة في جامعة كمبردج مع زملائها والدراسة الأخرى التي قام بها د. شيه و د. روزانوف تحت عنوان "فجوات في المعرفة والخدمات لمرضى التوحد حول العالم"، وأشارت الدراسة إلى الافتقار إلى المعرفة بأي علاج طبي، والمعتقدات أن هؤلاء الأطفال لا ينبغي لهم حضور المدارس العادية، واعتقادهم بأن مثل هذا الاضطراب يمكن أن يكون متصلًا بالإلكترونيات أو ممارسات تربية الوالدين.
وقامت الدكتورة/ بوني أويونغ يإجراء دراسة شملت 19 منطقة في الصين، أشارت فيها إلى أن المتوفر من البيانات عن خدمات الرعاية الصحية التي تقدم للأفراد الذين يعانون من حالات اضطراب طيف التوحد هناك كان قليلًا، واعتمدت الدراسة على إجراء مقابلات شبه منظمة مع أولياء أمور الأطفال الذين يعانون من التوحد في ثلاثة مراكز علاجية، واستخدم في الدراسة استبيان لرسم خرائط الخدمات المقدمة، احتوى على 50 سؤالًا تدور حول مسار التشخيص والتدخل والخدمات التي قدمت لهؤلاء الأطفال وفقًا لتجربة الآباء والأمهات.
ولفتت نتائج تلك الدراسة إلى وجود تأخير كبير على طول المسار العلاجي والتأهيلي، والذي قد يعزى جزئيًا إلى القصور في نظام الخدمة، حيث كان هناك تأخيرًا أيضًا في العديد من القضايا المشابهة مثل الأمراض العقلية وتأخر تطور المهارات اللغوية في مرحلة الطفولة المبكرة، ويعتبر التأخير في تشخيص اضطراب طيف التوحد ونقص الدعم أيضًا مرتبطًا بالعبء المالي الكبير الواقع على عاتق أولياء أمور الأطفال الذين يعانون من هذا المرض.
قصور في التوعية
يتضح من تلك الدراسات أن الوعي بماهية اضطراب طيف التوحد واحتياجات المصابين به يكتنفه الكثير من القصور على المستوى العالمي، كما يتضح من الدراسة المحلية أن الوعي العام في المجتمع السعودي حول اضطراب طيف التوحد يحتاج إلى التحسين، فقد تم التعرف على عدد كبير من المفاهيم الخاطئة، كما تم تحديد المناطق المستهدفة للتعليم المركز، ولا سيما استخدام وسائل الإعلام المقروءة والمسموعة والمرئية، من أجل تقليل الوصمة الاجتماعية المرتبطة بهذا المرض إلى أدنى حد.
وعلق الباحثون في هذه الدراسة بأنه يمكن على ضوء هذه النتائج وضع حلول منهجية ومستدامة لتعزيز الوعي بالتوحد، ومن ثم إيجاد حلول فعالة للصحة العامة لنشر المعلومات المفيدة حول نوعية حياة الأطفال المصابين بمرض التوحد وعوائلهم، ومن المؤكد أن المجتمع سيكون أكثر استنارة وأكثر تسامحًا إزاء هؤلاء الأطفال التوحديين.
وأخيرًا، أكد رئيس فريق الدراسة، الدكتور محمد محمد سعيد جان، وجود بعض المحدودية في هذه الدراسة، أولًا، عينة الدراسة التي تعتبر صغيرة نسبيًا، مع أنهم استطاعوا تسجيل جميع المشاركين مع مختلف الأعمار والتوزيع المتساوي بين الجنسين، وثانيًا، لاقتصار تجميع عینة الدراسة من منطقة واحدة، فهي لا تمثل عموم المجتمع السعودي، وعليه، فلا بد من عمل المزيد من البحوث التفصيلية مستقبلًا لتحديد العبء والقيود الاجتماعية الناجمة عن التوحد في منطقتنا بشكل أفضل.