لندن ـ صوت الإمارات
تمنح العظام الجسم شكله الخارجي وبنيته الأساسية، وتعمل على حماية الأعضاء الداخلية، وتحمل الأجزاء اللينة مثل الأعصاب والأوعية الدموية والأحشاء، تساعد على القيام بمساحة كبيرة من الحركة بفضل المفاصل التي تجمع بينها والعضلات المتصلة بها، وعندما تضعف هذه العظام أو تصاب بالهشاشة والكسر فإن الحياة كلها ستتأثر، من هنا أهمية الحفاظ على صحتها كي تبقى قوية صلبة تفاديًا للمشاكل الطبية التي قد تؤدي إلى "الإقعاد".
وتتدهور كثافة العظام مع تقدم الإنسان في العمر، خاصة عند النساء، وكلما تراجعت الكثافة غدت العظام أكثر ضعفًا وهشاشة وبالتالي أسهل عرضة للكسور العفوية، ويبدأ بناء ثروة عظمية قوية ومتينة منذ الطفولة والمراهقة وسن البلوغ المبكر، وتبلغ هذه الثروة أوجها مع بلوغ العقد الثالث من العمر، وتكون خلال هذه الحقبة عملية بناء العظم مهيمنة على عملية الهدم، لكن بعد الثلاثين تبدأ مرحلة تكون فيها الغلبة لمصلحة الهدم، الأمر الذي يتسبب في تراجع الكثافة العظمية وما لها من تبعات تقود لاحقًا الى الإصابة بالكسور، وتساهم أشياء كثيرة في تسريع عملية الهدم، مثل قلة الحركة، نقص الفيتامين دي D والكلس، قلة الوزن، التدخين، الإدمان على الكحوليات، تناول بعض الأدوية والإصابة ببعض الأمراض.
ويبدأ ضياع الثروة العظمية، بصمت من دون عوارض تذكر، إلى أن تبلغ درجة متقدمة، فتأخذ العوارض السريرية في الظهور، وأبرزها النقص في طول القامة، والكسور العفوية، ولحسن الحظ فإن انهيار الثروة العظمية ليس حتميًا، ومن الممكن إيقافه أو على الأقل الحدّ منه من خلال اتباع نمط حياة يحافظ على عظام صحية تتمتع بالصلابة اللازمة التي تجعلها عصية على الصدمات والكسور، ويقوم نمط الحياة هذا على أسس عدّة أبرزها القيام بالتدريبات الرياضية المناسبة بانتظام، فقد بينت البحوث المختلفة على هذا الصعيد أنّ الأشخاص النشطين في حياتهم يملكون عظامًا أكثر قوة وصلابة من سواهم، حيث أنّ التمارين الرياضية مهمة في كل مراحل الحياة من أجل بناء الثروة العظمية، وهي في مرحلتي الطفولة والمراهقة تحسّن نمو العظام والغضاريف، وعند الكبار تعد وسيلة علاجية سحرية لمرض هشاشة العظام الذي يصيب النساء أكثر من الرجال نتيجة نقص هرمون الإستروجين والكلس والبروتينات، ويفضل ممارسة رياضات معينة، مثل رفع الأثقال، والمشي السريع، والأيروبيك، والرقص، وكرة المضرب، وكرة القدم، وكرة السلة، والقفز، والتزلج، والكاراتيه، أما السباحة وركوب الدراجة فهما مهمان للياقة البدنية، لكن ليس لبناء عظام قوية، ولا يكفي القيام ببعض الحركات الرياضية لتقوية العظام، بل يجب ممارسة التمارين بانتظام ولمدة لا تقل عن 30 الى 40 دقيقة للحصول على فوائدها، حيث تترك التمارين الرياضية تأثيرات إيجابية على العضلات فتزيد من كتلتها وتحسّن من وظيفتها وتحافظ على توازنها، وكلها عوامل تترك آثارًا طيبة في العظام.
وتساهم البروتينات في تنظيم إعادة بناء الثروة العظمية مدى الحياة، كما أنّها تلعب دورًا محوريًا، وهي مهمة جدًا من أجل توالد أنسجة عظمية جديدة وإصلاح الأنسجة المدمرة، خاصة مادة الكولاجين التي تدخل في بنية العظام وتساهم في تقويتها، ويجب استهلاك البروتينات وفق حاجة الجسم من دون إفراط ، حيث أنّ الفائض منها يضرّ بالعظام، تمامًا كالنقص، عدا ذلك فإن تناول كمية كبيرة من البروتينات يعرقل عملية امتصاص معدن الكلس الضروري جدًا لبناء الثروة العظمية.
ويُنصح بتناول الأطعمة الغنية بالكلس، ومن المعروف أّنّ نسبة 99% من الكلس توجد في العظام والأسنان، ومن هنا تبدأ أهمية أن يتناول الشخص ما يلزم منه من أجل عظام صحية، وساهمت العادات الخاطئة في الانقياد وراء مصادر غذائية فقيرة بالكلس ما عجّل بضياع الثروة العظمية، ويجب الحصول على ما يكفي من الكلس يوميًا من مصادره الطبيعية الغنية به، مثل الحليب ومشتقاته، حليب الصويا، حليب اللوز، التوفو، الحبوب الكاملة، والخضروات مثل اللفت والبازلاء والقنبيط، ولا يمكن تجاهل تنس الفيتامين D، اذ لا يمكن امتصاص الكلس من الأمعاء ومن ثم فرشه في العظام من دون هذا الفيتامين، ويعرّض المستوى المنخفض إلى ضمور الثروة العظمية وبالتالي إلى إصابة العظام بالهشاشة والكسور، إنّ فيتامين D يصنع في شكل أساسي من قبل الجلد بتحريض من أشعة الشمس، ويعيش الناس اليوم في أماكن مغلقة أو يرتدون ألبسة تحجب أشعة الشمس، فلا يستطيع الجلد صنع ما يكفي حاجة الجسم منه، بالإضافة إلى أنّ باقة قليلة من الأغذية تضم الفيتامين المذكور، لكن على الشخص أن يتناول كمية كبيرة منها لا يمكن تكرارها يوميًا، وتبقى الشمس هي الحلّ الأفضل، فهي السبيل لنيل ما يكفي من الفيتامين اذا كان الأمر ممكنًا، أمّا اذا غابت الشمس فعليكم بجرعات داعمة من الفيتامين D.
ويُشار إلى أنّ تناول الأغذية الغنية بالمغنيزيوم يشكل لبنة أساسية في بناء الثروة العظمية، حيث أنّ نصف الكمية توجد في العظام فقط، وهذا ما يوضح أهمية هذا المعدن في دعم بناء العظام ونموها والحفاظ عليها، وتشكل الخضروات الورقية الخضراء والحبوب الكاملة والمكسرات مصادر مهمة لمعدن المغنيزيوم، لذا فإذا كنت تريد عظامًا قوية تتمتع بالصحة والعافية، إذًا أنت تعرف الآن ماذا يجب عليك أن تفعله، وما عليك إلّا ممارسة الرياضة بانتظام، وأن تأخذ حاجتك من البروتينات وما يكفيك من الكلس وما يلزمك من المغنيزيوم، ولا تنس الفيتامين بالطبع فيتامين D لأن نقصه يساهم في سحب الكلس من العظام.