نيويورك ـ مادلين سعادة
كشفت دراسة جديدة أن عقارا مضادا لمرض الإيدز اختبره باحثون أميركيون على قردة أثبت فاعليته على مدى أشهر ما يفتح الباب أمام إمكانية عقار مماثل ذي مفعول طويل الأمد على البشر .
وأشار مايكل فارزان الذي أشرف على إعداد الدراسة "لقد قمنا بتطوير مثبط قوي جداً يتصدى لفيروس الإيدز "HIV-1" المسبب الاكبر للمرض في العالم" .
أوضح الباحثون في الدراسة التي نشرتها مجلة "نيتشر" العلمية أن هذا العقار هو ثمرة أعوام من الأبحاث التي اجرأها معهد "سكريبس ريسيرتش" في فلوريدا بتمويل من معهد البحوث الأميركية حول الأمراض المعدية .
وخلال التجارب، تم حقن هذا العقار مرة واحدة في أجسام قردة، وتبين أنه حال دون إصابتها بمرض الإيدز على مدى ثمانية أشهر على الأقل . وبعد حقن القردة بهذا العقار حقنت بجرعات من فيروس الإيدز الذي يصيب القردة، ولم تصب أي منها بالمرض، بخلاف قردة أخرى لم تحقن بالعقار .
وتشير النتائج إلى منح العقار حماية فاعلة للقردة التي حقنت به على مدى 34 أسبوعا رغم جرعات الفيروس التي حقنت بها، وهي توازي أربعة أضعاف الجرعات التي حقنت بها قردة غير ملقحة، وكانت كافية لإصابتها بالمرض . من جانب آخر، خلصت دراسة علمية أجريت في جامعة إكسفورد البريطانية إلى أن فيروس فقدان المناعة المكتسبة المسبب للإيدز صار يشكل خطورة أقل، وهو آخذ بالتقلص في محاولة للتأقلم مع جهاز المناعة عند البشر . وذكرت الدراسة أن العقاقير المضادة للفيروسات تجبر فيروس الإيدز على التحور والتطور إلى شكل أقل خطورة .
وبينت نتائج الدراسة أن الفترة الزمنية التي يستغرقها الفيروس ليسبب أعراض مرض الإيدز آخذة بالازدياد، وأن التغييرات الحاصلة في الفيروس قد تساعد على تعزيز الجهود المبذولة لاحتواء انتشاره .
ويقول بعض علماء الفيروسات إن الفيروس قد تنتهي به عملية التطور إلى أن يصبح "غير مؤذ تقريبا" .
يذكر أن أكثر من 35 مليون إنسان حول العالم مصابون بفيروس HIV، تشهد أجسامهم معارك طاحنة بين أجهزتها المناعية والفيروس .
ومعروف ان فيروس HIV له قدرة فائقة على التخفي والتمويه، فهو يتحور ويتغير بسرعة ويسر للتملص من جهاز المناعة والتأقلم معه .
ولكن في بعض الحالات يصيب الفيروس إنسانا ذا جهاز مناعة قوي ونشط بشكل استثنائي، و"آنئذ يكون الفيروس قد وضع نفسه بين نارين، فإما الهلاك أو التحور من أجل البقاء . وإذا كان يريد التحور، فعليه دفع ثمن ذلك"، حسبما يقول الدكتور فيليب غولدر من جامعة إكسفورد .
أما "الثمن"، فهو فقدان الفيروس لجزء كبير من قابليته على التكاثر، ما يجعله أقل خطورة ويتطلب منه وقتاً أطول للتسبب بمرض الإيدز .
وبمرور الزمن، ينتقل هذا الفيروس الضعيف إلى بشر آخرين، ما يخفف من قدرة HIV على التسبب بمرض إيدز مقارنة بما كانت عليها الحال في السابق . وبرهن فريق البحث على أن ما ذهب اليه يحصل بالفعل في إفريقيا بمقارنته بين بوتسوانا التي عانت مشكلة فيروس HIV لوقت طويل وجنوب إفريقيا التي لم تتعرف إليه إلا بعد عشر سنوات أو أكثر .
وأكد الدكتور غولدر "إنه امر مثير، إذ يمكنكم ملاحظة أن قدرة الفيروس على التكاثر تقل بنسبة 10 في المئة في بوتسوانا عما هي الحال في جنوب إفريقيا . فنحن نشهد عملية التطور وهي تحصل أمام أعيننا، وأنه لمن المفاجئ أن تحصل بهذه السرعة . إن قدرة الفيروس على التسبب بأعراض إيدز تباطأت بشكل ملحوظ، وسيسهم هذا في القضاء عليه في آخر الامر."
وخلصت الدراسة، التي نشرت في نشرة "Proceedings of the National Academy of Sciences" إلى أن العقاقير المضادة للفيروسات تجبر فيروس HIV على التحور والتطور إلى شكل أقل خطورة .
وبينت أن هذه العقاقير تستهدف أول ما تستهدف الأشكال الأكثر خطورة من الفيروس، فيما تشجع تلك الأقل خطورة على الانتشار والتكاثر .
وأضاف الدكتور غولدر "قبل 20 عاما كانت الفترة الزمنية التي تفصل العدوى بالفيروس عن إظهار أعراض الإيدز 10 سنوات، ولكن في السنوات العشر الأخيرة في بوتسوانا، زادت هذه المدة إلى 5,12 سنة . قد تبدو هذه الزيادة قليلة، ولكنها تمثل تغييراً سريعاً جداً" .
ولكن فريق البحث كان حريصا على تأكيد أن الشكل "المخفف" من فيروس HIV ما زال خطرا وله القدرة على التسبب بمرض الإيدز .