باريس - صوت الإمارات
منذ أسابيع قليلة وعلى هامش مهرجان الجونة السينمائي، احتفلت الممثلة التونسية درة زروق بزفافها على المهندس المصري هاني سعد. لم يمر سوى أسبوع فقط حتى تصدرت صور الممثلة هنادي مهنا وعريسها الممثل أحمد خالد صالح أخبار المجلات و«السوشيال ميديا». في كلتا الحالتين كان من الممكن أن يفكر البعض أن المناسبتين مجرد حفلين أحياهما باقة من النجوم بمناسبة عيد ميلاد، لولا فستاني الزفاف الفخمين. درة ارتدت فستاناً من توقيع اللبناني زهير مراد، وهنادي مهنا ارتدت فستاناً من توقيع المصري هاني البحيري، فيما لا يُترك شك أن المناسبة كانت حفل زفاف رغم القيود المفروضة على التجمعات الكبيرة.
الصور تؤكد أرقام المبيعات بأن فستان الزفاف اكتسب أهمية أكبر من ذي قبل في زمن كورونا. فهو الأكثر تأثيراً وبقاءً في ألبوم الذكريات للدلالة على فرحة ليلة العمر. ففيروس كورونا غير أشياء كثيرة في حياتنا، بل يمكن القول إنه قلب حياتنا رأساً على عقب. كان من السهل عليه أن يُجهض فرحة العديد من العرائس اللاتي «برمجن» أن يكون زواجهن هذا العام، لولا رفضهن للخضوع لقيوده. وحتى لا يتنازلن عن ليلة العمر في عام 2020، كان لزاماً عليهن التنازل عن أشياء أخرى مثل التخفيف من عدد الحضور ومساحة القاعة والفرق الموسيقية وغيرها. ما لم يستغنَ عنه كان الورود وفستان الزفاف، لأنهما التوثيق الوحيد للمناسبة من خلال الصور والفيديوهات.
ما لا يختلف عليه كل المصممين أن صغر حفلات الزفاف في زمن كورونا خفف بعض العبء على الميزانية المخصصة لعرس فخم، مضيفين أن النسبة الأكبر من هذه الميزانية ذهبت إلى فستان الزفاف المفصل على المقاس. فحتى العروس التي لم تكن تحلم بفستان من «هوت كوتور» أتيحت لها الفرصة هذا العام. المصممان قزي وأسطا أكدا أن سوق فساتين الزفاف منتعشة على غير العادة رغم الجائحة. بل وأكدا أن خط فساتين الزفاف كان بمثابة طوق النجاة بالنسبة لمصممي منطقة الشرق الأوسط، إذ زاد الإقبال على تصاميمها الفخمة والمصنوعة باليد. فـ«العروس الآن تعرف أن الصورة التي رسمتها لعرس ضخم لم تعد ممكنة بسبب القيود المفروضة على عدد الحضور، لهذا عوضت على هذا النقص بتخصيص ميزانية لا بأس بها لفستان زفافها. فهو الذكرى التي ستبقى معها طوال العمر».
المصمم العالمي إيلي صعب أكد هذا الأمر أيضاً بقوله: «بالنسبة لنا كورونا لم تؤثر على خط (هوت كوتور) عموماً وفساتين الزفاف خصوصاً. بالعكس فإن زبونة الشرق الأوسط تحديداً لا تتنازل عن هذه المناسبة بأي شكل من الأشكال، لأن هناك صوراً وذكريات ستبقى معها إلى آخر العمر». وتابع في لقاء عبر الهاتف: «ما لاحظته أن تقلص عدد المدعوين ربما أثر على التصاميم التي تخلصت من التفاصيل المبالغ فيها لتركز على الأهم، مثل الخطوط العصرية التي تعكس متطلبات عصر جديد من دون أن تتنازل عن فخامته، بل العكس تماماً. فرغم أنها لم تعد تريده بحجم كبير وأمتار طويلة من الأقمشة أو كميات سخية من التطريزات، فإنها تريده أن يكون مميزاً بتفاصيله الدقيقة، وهو ما يتطلب كثيراً من الابتكار والإبداع».
وأضاف إيلي أن هذا الفستان يمثل فرحة ليلة العمر التي حلمت بها العروس لسنوات، لهذا لم يكن ممكناً أن يتأثر أو يتراجع بسبب جائحة كورونا. أما بالنسبة للعروس الأجنبية التي أدمنت على تصاميمه في العقود الأخيرة، فإن تصاميمه لم تتغير كثيراً، بحكم أنها كانت دائماً تميل إلى الخطوط البسيطة والتفاصيل الهادئة. لكن وبحسب رأي إيلي صعب، «فإنه ورغم اختلاف الثقافات والأذواق يبقى أكبر معبر عن فرحة العمر، ولا تزال العديد من الفتيات يحلمن به وتتصورن شكله وجماله منذ الطفولة، الأمر الذي لن يُزحزحه عن مكانته».
أهمية فستان الزفاف لا تختلف في منطقة الشرق الأوسط عن غيرها في أنحاء العالم. فموسم الأعراس في الهند مثلاً، يعد من أهم المواسم لتسويق أزياء السهرة المطرزة بسخاء، ويقدر سوق الأعراس فيها بـ50 مليار دولار. مثل الشرق الأوسط، لا تقتصر الأعراس فيه على يوم واحد يُقام فيه حفل ضخم يحضره مئات إن لم نقل آلاف من المدعوين من كل أنحاء العالم، بل هو احتفالية تدوم لعدة أيام يظهر فيه العرسان والضيوف على حد سواء بأزياء مختلفة. وتشير كل الدلائل إلى أنه لم يتأثر بشكل كبير. كذلك الأمر في الولايات المتحدة الأميركية. فحين افتتحت دار «أوسكار دي لارونتا» أبوابها في شهر مايو (أيار) الماضي، لاحظت أن فساتين الزفاف، التي لا تشكل سوى من 10 إلى 15 في المائة من مبيعاتها، كانت الأكثر حيوية وحركة، سواءً تعلق الأمر بفساتين تقدر بـ4 آلاف دولار أو أخرى بـ25 ألف دولار. أما في بريطانيا، حيث تقدر صناعة فساتين الزفاف بنحو 10 مليارات جنيه إسترليني، فإن تأجيل نحو 74 ألف حفل قران منذ شهر مارس (آذار) الماضي لم يؤثر على رغبة العرائس في المضي قدماً بإتمام مراسيمه ولو في نطاق ضيق.
ورغم أهمية فساتين الزفاف هنا أيضاً كأهم سلاح يعكس السعادة ويقاوم سحابة كورونا، فإن تصاميمها اختلفت عن مثيلاتها في الشرق الأوسط، حيث لوحظ إقبال متزايد عن فساتين متوارثة من الجدات والأمهات وأخرى جاهزة بأسعار مقبولة. ولا يتعلق الأمر بالميزانية فحسب، بل أيضاً بالمبادئ والقناعات الشخصية، بدليل الفستان الذي اختارته الأميرة بياتريس بمناسبة زواجها في شهر يوليو (تموز) الماضي، وكان لجدتها الملكة إليزابيث الثانية. في المقابل، اختارت المغنية البريطانية ليلي آلن فستاناً من الحرير بلون عاجي بتصميم يعود إلى فترة الستينات بطول لا يتعدى الركبة، يعكس لشخصيتها وكان من تشكيلة دار «ديور» للأزياء الجاهزة لربيع وصيف هذا العام.
موقع «ماتشزفاشن» الذي يوجد له مقر رئيسي وسط لندن في «كارلوس بلايس» صرح بأنه شهد ما بين شهري أبريل (نيسان) ويوليو الماضي ارتفاعاً في مبيعات فساتين الزفاف الجاهزة بنسبة 23 في المائة. السبب حسب رأي خبيرات الأزياء يعود إلى أن العروس الأوروبية تريده أن يكون استثماراً طويل المدى. فحتى عندما تصرف عليه نحو 3 آلاف أو 4 آلاف جنيه إسترليني فقط، فهي تريده متميزاً ومرناً يمكنها استعماله في مناسبات مختلفة عوض اقتصاره على يوم زفافها فقط. وهذا ما أكده موقع «نيت أبورتيه» الذي قام بدراسة لسلوكيات التسوق الجديدة في زمن كورونا، أفادت بأن عروس هذا العام تبحث عن فستان تتألق فيه بليلة العمر، وتستفيد منه في مناسبات أخرى، وهذا يعني عزوفها عن التطريزات الكثيرة والتفاصيل المعقدة.
وباعترافات العديد من عرائس عام كورونا، فإن المناسبة لم تكن سيئة بالكامل. صحيح أنها تفتقد إلى الأصدقاء، وأحياناً الأهل، إذا كانوا في بلدان بعيدة، فإنها عوضت عن ذلك بكثير من الحميمية والحب. حب شمل التفكير في الآخر أيضاً والتفكير في الاستدامة. فمن المشاهد التي أنعشتها الجائحة انتعاش مواقع تأجير فساتين الزفاف، حيث سجل موقع «روتارو» مثلاً ارتفاعاً بنسبة 200 في المائة في الأشهر الأربع الأخيرة، وأيضاً ظهور مبادرات إنسانية مثل مبادرة «برايدز دو غود» (Brides Do Good) التي أطلقتها اللبنانية شانتال خويري في عام 2016 بالتعاون مع «بيستر فيلاج». فقد استغلت شانتال علاقاتها الجيدة مع العديد من سيدات المجتمع المخملي والنجمات، وطلبت منهن التبرع بفساتين زفافهن لدعم حملة تستهدف محاربة تزويج الفتيات القاصرات وتوفير فرص التعليم لهن. تقول شانتال إن «المبادرة فرصة لزيادة التوعية بوضع الكثير من الفتيات اللاتي يرغمن على الزواج في سن جد مبكرة ويحرمهن من عيش طفولتهن ومن التعليم، وفي الوقت ذاته للتقليل من الاستهلاك بإعادة تدوير هذه الفساتين ومنحها فرصة ثانية أو ثالثة لإدخال السعادة؛ ليس على العروس وحدها بل أيضاً على فتيات محرومات في كل أنحاء العالم، وهو ما يعطي هذا الفستان بُعداً إنسانياً يتعدى المناسبة نفسها ويجعله باعثاً لسعادة حقيقية».
قد يهمك أيضا