القاهرة / شيماء مكاوي
خالد يوسف هو ليس مخرجًا أو فنانًا أو مجرد شخص قرر الاشتراك في الثورة، ثم الترشح للانتخابات، ولكنه حكاية وقصة في حد ذاتها تعكس مدى عشقه للفن والسياسة وتبرز وطنيته الشديدة وحبه لمصر الشديد.
ولد يوسف في إحدى قري دلتا مصر (كفر شكر) عام 1964 من أب يشغل منصب العمدة بجانب عمله لموقع أمين الاتحاد الاشتراكي في مركز كفر شكر (التنظيم السياسي الوحيد ابان حكم الرئيس جمال عبد الناصر) وأتاح له الأب تربية ثقافية لها ابعاد اجتماعية وسياسية نظرا لانحياز الأب لأفكار الاشتراكية العربية (الناصرية) وكان لعلاقة والده بعضو مجلس قيادة ثورة 23 يوليو وأحد أهم رموز اليسار والاشتراكية في العالم العربي خالد محى الدين أثرًا كبيرًا عليه إذ أخذ من اهتمامه ورعايته في صباه قسطًا وافرًا جعله يطلع على منافذ معرفة واسعة وخبرة كبيرة اضافت له وساهمت في تشكيل وعيه ووجدانه.
أحد القيادات البارزة للحركة الطلابية في الثمانينات انتخب رئيسًا لاتحاد طلاب كليته (كلية الهندسة في شبرا) ثم (جامعة "الزقازيق" – فرع بنها) وشكل مع اتحاد طلاب الجامعات المصرية ونشطاء الطلاب حركة طلابية فاعلة وقفت ضد ممارسات نظام مبارك الاجتماعية والسياسية، وقاد العديد من المظاهرات والاعتصامات الطلابية التي أدت إلى صدور قرار باعتقاله في العديد من المرات.
بعد تخرجه عام 1990 واشتغاله في السينما واصل دوره في معارضة نظام مبارك ضمن القوى والحركات الوطنية والأحزاب السياسية التي أدت دورا هاما في الانحياز للقضايا الوطنية والقومية مثل التضامن الفاعل مع الشعب الفلسطيني في تصديه للعدوان "الإسرائيلي" المستمر أو الحصار الأميركي الظالم على الشعب العراقي.
وعندما بدأ النظام السياسي المصري في إتباع سياسات اغنت الأغنياء وأفقرت الفقراء وأهدرت الحريات كان في مقدمة الصفوف مع بقية القوى الوطنية في التصدي لذلك وحماه من بطش النظام كونه فنانا كان القبض عليه يمثل فضيحة عالمية للنظام.
وعندما بدأ مشواره السينمائي بصنع أفلام تحمل توقيعه كانت في مجملها منحازة للفقراء والمهمشين فاضحة لمعاناتهم وكاشفة للقهر الذي يمارس عليهم دالة على حجم امتهان الحريات والكرامة الإنسانية، فأدت هذه الافلام إلى تكريس روح التمرد والثورة في نفوس المصريين بل واستشرفت وتنبأت بالثورة التي حدثت بعدها بأكثر من ثلاثة أعوام بكل مشاهدها والتي يصعب التفريق بين ما صنعه في الأفلام قبلها وما صنعه المصريون في ثورة 25 يناير.
وعندما اندلعت شرارة ثورة 25 يناير بالفعل كان في مقدمة صفوف المتظاهرين ومن اكثرهم اصرارا ان الثورة لابد ان تنتصر وعندما استغل البعض أثناء هذه الأحداث غياب الشرطة والدولة وحاولوا السطو على المتحف المصري بادر بعد دقائق بتوجيه نداء عبر القنوات الفضائية للشعب المصري للتوجه إلى المتحف لحمايته وكان لذلك اثرا كبيرا في نفوس المصريين الذين توافدوا بالآلاف وتمكنوا وهو معهم في حماية المتحف من اعمال النهب التي كانت ستطال أهم كنوز الحضارة الإنسانية.
وبقي في الميدان مع ملايين المصريين حتى رحل مبارك عن الحكم وظل متمسكا بعدها بتحقيق أهداف هذه الثورة فعندما سطا تنظيم "الاخوان" المسلمين عليها وتمكن من اعتلاء سُدة الحكم ظل مواصلا دوره في فضح أن هذا التنظيم يعد من أعداء هذه الثورة وتنبأ بسقوطه في اقل من عام وظل مصرا على هذه البشارة مروجا لها متصديا لهم في كل المحافل. وكان له نصيب من اعتداءاتهم الاجرامية أمام مدينة الإنتاج الإعلامي وتم تكسير سيارته، وأنقذت حياته بصعوبة ولم يردعه ذلك من مواصلة النضال ضدهم.
وعندما تم تعيين وزير "ثقافة" ينتمي لحركة "الإخوان" المسلمين خطط مع رفاق قليلين احتلال الوزارة والاعتصام بها ومنع الوزير من دخول الوزارة كيلا يحاول أخونة الثقافة أو طمس الهوية المصرية، وتم بالفعل الاحتلال واعتصموا في مقر الوزارة وتم منع الوزير من دخول الوزارة لأكثر من شهر حتى جاء تاريخ 30 حزيران/يونيو وانضم ومعه كل المعتصمين في الوزارة لجموع الشعب المصري في ثورته التي ازاحت نظام "الاخوان" عندما بدأ المصريون رسم خارطة مستقبلهم وأولها صياغة دستور جديد للبلاد اختير ضمن خمسين مصريًا لصياغته.
وبالفعل تم إنجاز هذا الدستور والذي وافق عليه المصريون بأغلبية كاسحة، وعندما بدأت الانتخابات الرئاسية اختاره المشير عبد الفتاح السيسي ضمن اللجنة الاستشارية له ومعه أربعة من القامات الوطنية. وفى ثالث استحقاق لخارطة المصريين وهو الانتخابات البرلمانية شرع في الترشح كعضو لمجلس النواب عن الدائرة التي بها مسقط رأسه (كفر شكر).
وأنجز المخرج خالد يوسف في العام 2000 أول أفلامه "العاصفة" تأليفا وإخراجا وحصل على الجائزة الكبرى للجنة التحكيم الدولية في مهرجان القاهرة السينمائي الدولي (الهرم الفضي)، وجائزة أحسن فيلم عربي، وحصل على أحسن مخرج (عمل أول) في المهرجان القومي للسينما المصرية، وشارك في العديد من المهرجانات الدولية مثل مهرجان سان فرانسيسكو في أميركا.
وفي العام 2001 كان شريطه السينمائي الثاني "جواز بقرار جمهوري" الذي حصل على جائزة أحسن مخرج (عمل أول) في المهرجان القومي للسينما المصرية. وفي العام 2004 أنجز فيلم "أنت عمري" حيث مثل مصر في مهرجان القاهرة السينمائي الدولي، حيث حصل الفيلم على جائزة أحسن ممثلة. بينما في العام 2005-2006 قدم فيلمي "ويجا" و"خيانة مشروعة" من تأليفه وإخراجه وقد ظهر في هذين الفيلمين مدى التجاوب الجماهيري مع أفلامه.
وشارك المخرج "يوسف شاهين" في العام 2007 في إخراج فيلم "هي فوضى" في سابقة نادرة في تاريخ السينما المصرية، حيث مثل الفيلم مصر في مهرجان فينيسيا السينمائي الدولي في مسابقته الرسمية. وفي العام نفسه قدم فيلم "حين ميسرة" الذي أثار جدلًا ليس في مصر وحدها ولكن حول العالم، وحقق نجاحًا كبيرًا على المستويين النقدي والجماهيري، حيث حصد معظم جوائز المهرجان القومي للسينما المصرية مثل (أحسن فيلم، أحسن مخرج، أحسن ديكور، أحسن تمثيل).
وقدم شاهين فيلم "الريس عمر حرب" في العام 2008 وحصل على جائزة أحسن مخرج من المهرجان القومي للسينما المصرية للعام الثاني على التوالي. وفي في العام 2009 أنجز شريطه السينمائي التاسع "دكان شحاتة" بعد أن أصبح من أبرز مخرجي السينما العربية وأكثرهم إثارة للجدل بما يقدمه من إشكاليات تستحق المناقشة بأسلوب سينمائي يتميز بإمتاع بصري وقدرة على أسلوب مميز في الحكي المرئي. بينما في عام 2010 قدم فيلمه العاشر "كلمني شكرًا" والذي طرح من خلاله رؤيته الخاصة لتأثير ثورة الاتصالات على تغير منظومة القيم في المجتمع العربي. وفى نفس العام أنجز شريطه السينمائي الحادي عشر "كف القمر" والذي لم يتمكن من عرضه إلا في نهاية عام 2011 بسبب ظروف ثورة 25 يناير.
واعتبرت ثلاثيته "هي فوضى"، "حين ميسرة"، "دكان شحاته" من الأفلام الت ساهمت بشكل كبير في كشف حجم الواقع المتردي بما فيه من مظاهر للفقر والقهر والظلم الذى يعيشه المصريين مما أدى إلى تأصيل روح التمرد التي قادت إلى ثورة 25 يناير، وعندما كان المشهد التاريخي للشعب المصري في ثورته الثانية على نظام "الاخوان" المسلمين في 30 يونيو اختارته القوات المسلحة لتصوير هذا المشهد بطائرات عسكرية وكان هو السينمائي الوحيد الذى استطاع تصوير هذا المشهد وطاف بالطائرة العسكرية كل ربوع مصر لتصوير أكبر تجمعات بشرية عرفها التاريخ وكانت لهذه المشاهد المصورة اثرا بالغا في اقناع العالم بأن ما حدث في 30 يونيو ثورة شعبية وليس انقلابًا عسكريًا كما روج تنظيم "الاخوان" لذلك.
وطبقا لاستفتاء مهرجان دبي عام 2013 دخلت أفلام خالد يوسف "هي فوضى" و "حين ميسرة" قائمة أهم 100 فيلم عربي.
أما عن حياته الشخصية فقد تزوج يوسف من الفنانة التشكيلية السعودية شاليمار شربتلي وأعلن عن الزواج بشكل مفاجئ وعقد حفل زفافه في المملكة العربية السعودية.
وبعد أن تعرفنا على خالد يوسف الإنسان والفنان والسياسي أصبحنا متأكدين أنه الأصلح لمنصب النائب فهو ابن مصر.