مهرجان برلين السينمائي

أن تكون في مهرجان برلين السينمائي هي فرصة لمشاهدة حكايات من العالم عبر شريط سينمائي، يتم عرضها في أقسام مختلفة، بين أفلام المسابقة الرسمية، وأفلام البانوراما والفورم، هذه الحكايات التي تعرف الثقافات المختلفة على بعضها بعضًا، ما هي إلا نتاج تاريخ وحاضر تلك البلدان الآتية عبر فيلم يريد أن يحظى بمشاهدة على أقل تقدير وعلى دب ذهبي على أكثر تقدير، الأفلام القوية في الثلث الأول من العروض السينمائية معدودة، على الرغم من تجاوزها الـ10 أفلام مقابل 18 فيلمًا تنافس على الدب الذهبي، وليس من المبالغ أن نقر أن الفيلم التونسي "نحبك هادي"، للمخرج محمد بن عطية، يعتبر من المنافسين الأشداء، ومن المتوقع حصوله على جائزة واحدة على الأقل، فمستوى الأفلام حسب متابعين من نقاد وصحافيين لم يكن على القدر المتوقع لمهرجان عريق، ناهيك عن أن العودة إلى العام الفائت، وحصول الفيلم الإيراني "تاكسي"، لجعفر بناهي، على جائزة الدب الذهبي، جعل التفكير في أن منحى الجوائز يمر عبر اعتبارات ليست فنية فحسب، بل سياسية أيضًا.

ومن الأفلام التي من المتوقع حصولها على جوائز في فئة المسابقة الرسمية، سواء من ناحية التمثيل أو كأفضل فيلم هو فيلم "المستقبل"، الذي من المتوقع حصول بطلته ايزابيل أوبير على جائزة أحسن ممثلة، في غياب واضح لممثلات في أفلام مختلفة في ترك أثرهن على الجمهور مثل ما فعلت أوبير، الفيلم الفرنسي وهو من إخراج ميا هانسن لوف.

ويظهر الفيلم البرتغالي "رسائل من الحرب"، للمخرج ايفو م. فيرارا، الذي من المتوقع له أيضًا الحصول على إحدى الجوائز. الفيلم المصور كاملًا بالأبيض والأسود، تدور أحداثه عام 1971، أثناء حرب الاستقلال في انغولا ضد الاحتلال البرتغالي، التي انتهت عام 1974، لكن الفيلم لم يركز على الحرب ودمويتها، بقدر تركيزه على رسائل الضابط الطبيب في الميدان، انطونيو، إلى زوجته التي لم يذكر اسمها طوال الفيلم، بل كانت تحمل جميع الألقاب والصفات.

أما من ناحية التصنيف سياسيًا، فمن المتوقع حصول الفيلم البوسني "موت في سراييفو" على إحدى الجوائز أيضًا، وهو للمخرج دانيس تاتوفيتش، فهو يتناول الحرب الأهلية التي من الممكن إشعالها إذا ما تعارضت مصالح أصحاب رؤوس الأموال والساسة في سراييفو، من خلال فندق كبير يستعد لاستقبال قمة الاتحاد الأوروبي، التي تجعل مدير الفندق "عمر" متربصًا لكل تفاصيل الفندق، من مراقبة الضيوف في غرفهم إلى مراقبة الموظفين في المطبخ، هذا التوتر كان باديًا منذ اللحظة الأولى في الفيلم مع ظهور شخصيات متعددة من خلال برنامج وطني يتناول هذه القمة المرتقبة، من خلال لقاءات متعددة من عدم تسلمهم رواتبهم، وتكون في النهاية المخرج واضحًا، كي لا يخسر الفندق سمعته، وفي الوقت نفسه لفت الانتباه له ولرؤوس الأموال فيه الموجودة في الطابق السفلي، وهي عملية هجوم وهمية، لكنها تصبح الحدث الأبرز في عناوين الأخبار، وتذهب معها مطالبات العمال بحقوقهم، ويذهب ضحيتها أحد ضيوف البرنامج الوطني الذي يصبح هو المخطط للعملية.

وفي الوقت الذي يركز موضوع المهرجان هذا العام على لفت انتباه العالم نحو قضية اللاجئين، قدم المخرج جيانفرانكو روسي، من خلال الفيلم الوثائقي "فوكماري"، قضية اللاجئين السوريين وغيرهم، الذين توفوا بالعشرات اختناقًا، بعد خمس ساعات من الإبحار في البحر المتوسط، وهذا الفيلم حظوظه كبيرة في الحصول على جائزة الدب الذهبي، وليس فقط إحدى جوائز المهرجان، لأنه تناول مادة حدثية، تعتبر أوروبا هي البطلة فيه، حيث المقصد للهاربين من الموت بسبب الدكتاتورية والتطرف إلى أراضيها أملًا في حياة عادلة. الفيلم يحكي حياة من يسكن الجزر التي يقصدها اللاجئون، ومحاولاتهم التي تعنون بالموت بنسبة عالية، ضمن مشاهد غاية في الصعوبة والألم، على أمل أن يدرك من خلالها المشاهد مسؤوليته الإنسانية تجاه من يريد الحياة، واختار الموت الذي يناسبه بعيدًا عن الرصاص والصواريخ وقطع الرقاب.