المطربة ذكرى

لا تزال مجموعة من أغانيها محفورة في وجداننا حتى الآن، فلا يمكن أن ننسى صوتها عندما تشدو وتغني "وحياتي عندك"، "والله غالب"، "بحلم بلقاك"، "الأسامي"، وغيرها من الأغاني، فمهما تعاقب علينا من أصوات لا يمكن لصوتها أن يتكرّر، أو يأتي مثله، إنّها المطربة التونسيّة ذكرى التي فقدناها سريعًا من دون أن نصل إلى حالة من الاكتفاء من أغانيها التي كانت تقدّمها لنا.

وفي ذكرى وفاتها الـ13 نتذكر معًا ما قدّمته من مشوار ذخير بالأعمال، على الرغم من أنه قصير للغاية.

فقد ولدت ذكرى في منطقة وادي الليل في تونس، وهي أصغر أشقائها الثمانية وهم توفيق، محسن، السيدة، سلوى، الحبيب، هاجر، كوثر ووداد. وكانت معروفة بحنانها، ممّا جعلها أقرب فرد إلى جميع أفراد عائلتها وأقربائها وحتى جيرانها. كانت متعلقة بأبيها، والتحقت بالمدرسة الإبتدائيّة في وادي الليل، وبعدها انتقلت إلى ابتدائية الخزندار وأكملت تعليمها.

بدأت الغناء أثناء وجودها في المدرسة، وكان والدها يشجعها على الغناء، بينما لم تتقبل والدتها ذلك، وكانت لها القدرة على أداء جميع أنواع الأغاني بغض النظر عن صعوبتها، بعد وفاة والدها بدأت والدتها بدعمها كما فعل جميع أشقائها.

وفي عام 1980 شاركت في برنامج المسابقات "بين المعاهد" بأغنية "أسأل عليا" لليلى مراد، وهي نفس الأغنية التي شاركت بها بعد ذلك ببرنامج الهواة "فن ومواهب" وأحبّ الحكام صوتها وفازت بالجائزة الكبرى في النهائي يوم 23 تموز/ يوليو 1983 بأداء مبهر ورائع لأغنية "الرضى والنور" لأم كلثوم.
فانتبه إلى ذلك عز الدين العياشي، وذلك كان تذكرة دخولها إلى كورال البرنامج، وفي عام 1983 سجّلت أول أغنية تمّ تلحينها خصيصًا لها من العياشي "يا هوايا"، وأدّت أول حفلة في مهرجان قرطاج بتونس.

بعدها انضمت إلى فرقة الإذاعة والتلفزة التونسيّة في قسم الأصوات، وهناك قابلت السيد عبد الرحمن العيادي، الذي لحّن معظم أغانيها فيما بعد. وفي حينها كانت ذكرى معروفة بقوّة صوتها وإمكانيتها لأداء جميع أنواع الأغاني بما فيها القصائد والموشّحات والأغاني الطربيّة.

خلال العشرة أعوام في تونس، قبل انتقالها إلى مصر، صدر لها 30 أغنية، 28 منها من تلحين عبد الرحمن العيادي.

وفي عام 1987 شاركت في مهرجان الأغنية التونسيّة وحصلت على الجائزة الثالثة بأغنية "حبيبي طمّن فؤادي"، وفي عام 1990 حصل خلاف بينها وبين عبد الرحمن العيادي، الذي كان خطيبها في حينه بسبب احتكاره لصوتها، ورفضه أن يقوم شخص آخر غيره بالتلحين لها، لذلك تركته وانضمّت إلى مجموعة زخارف عربيّة، وكانت هذه آخر محطاتها في تونس، قبل أن تهاجر.
في عام 1986 ذهبت ذكرى إلى سورية لتتعلّم أصول الغناء والموسيقى برفقة الملحن عبد الرحمن العيادي، الذي رافقها بآلة العود، وفي يوم وعلى أنغام أغاني كوكب الشرق، عند تواجد الملحن خليفة الزليطني، الذي كان يبحث عن صوت لأداء أعماله الغنائيّة وكانت ومن كلمات الأستاذ عبد لله منصور، و عرض عليها أربعة أغاني، من أشهرها "حبي النقي، وابحرت" .

وتمّ تسجيلها في استوديو دمشق، وسرعان ما تمّ تصوير الأعمال من بعدها انطلقت في السوق الليبيّة، وتواردت عليها الأعمال والتسجيلات .

في عام 1990 وأثناء تواجدها في المغرب، وافقت على تسجيل عمل غنائيّ للملحن محمد حسن، الذي كان يعدّ لسهرة مغاربيّة في الخيمة الغنائيّة.

لم تنتقل إلى مصر مباشرة، بل انتقلت إلى ليبيا لفترة وخلالها تعاملت مع كبار عمالقة الفن الليبيّ مثل محمد حسن، وعلي الكيلاني، وعبد الله محمد منصور، وسليمان الترهوني، ورمضان كازوز، وخليفة الزليطني، وعمر رمضان، وغيرهم.

واختيرت أجمل من غنّى الليبي من فنانات العالم العربيّ، وهي الفنانة الوحيدة التي تملك أكثر الألبومات الليبيّة إلى ألبوم، وغنّت ألوان الغناء التراثيّ الصعب، فأتقنته بجدارة، حتى أنّها كانت من مؤسسي سلسلة رفاقة عمر التراثية الرمضانية لمدة 16 عامًا متتالية، ويقال أن آخر عمل قامت بتسجيله كان في ليبيا، قبل ذهابها إلى مصر، لتلقى حتفها هناك وليس كما يقول البعض أنه ألبوم يوم عليك.

فألبوم "نفسي عزيزة" كان آخر ألبوم ليبيّ صدر لها في 2003 وهو كلمات عبد الله منصور، وقد ربحت أغنية "نفسي عزيزة" جائزة أفضل أداء وكلمات في مهرجان شرم الشيخ في مصر، بالإضافة إلى مشاركتها في نفس العام في برنامج رفاقة عمر.

بعد مشوارها الغنائيّ في ليبيا انتقلت ذكرى إلى تونس، وبعدها هاجرت إلى مصر، لتبدأ منها شهرتها في الوطن العربيّ،  هناك التقت الموسيقار هاني مهنا، الذي أنتج لها ألبومين، وهما وحياتي عندك في عام 1995 والذي كان ألبومًا ناجحًا في الوطن العربيّ، بعدها أنتج لها ألبوم أسهر مع سيرتك في عام 1996 لم يلاق النجاح المطلوب بسبب عدم توفير الدعاية اللازمة.
وعام 1997 صدر لها ألبوم من إنتاج ميغاستار يحمل إسم "الأسامي"، وفي عام 2000 أصدرت ألبوم "يانا"، من إنتاج فنون الجزيرة، وصدر آخر ألبوماتها باللهجة المصريّة عام 2003 تحت إسم "يوم عليك" حيث سبق موعد صدوره وفاتها بثلاثة أيام فقط.

وجعلت قوّة صوتها العديد من كبار ملحنين مصر، يسعون إلى التعاون معها، منهم صلاح الشرنوبي وحلمي بكر .وأشهر أعمالها باللهجة المصريّة هي: وحياتي عندك، مش كلّ حب، الأسامي، الله غالب، يا عزيز عيني، يوم عليك، بحلم بلقاك.

كما أدّت ذكرى أغنيات بأكثر من لهجة منها الخليجيّة، بل وغالبًا ما يقع اعتبارها أفضل صوت عربيّ غنيّ باللهجة الخليجيّة، وقد وقع اختيارها مرّات عديدة كأفضل مطربة خليجيّة، رغم أنها تونسيّة الأصل.

وقد تسبب نجاحها الخليجيّ في توجه العديد من المطربين والمطربات العرب إلى إنتاج أعمال غنائيّة خليجيّة. وأصدرت العديد من الألبومات الخليجيّة قامت أيضًا بغناء العديد من الديوهات مع العديد من الفنانين الخليجيّين، مثل طلال مداح في أغنية ابتعد عني، أبو بكر سالم في أغنية يا مشغل التفكير، ومحمد عبده في أغنية حلمنا الوردي في عام2003 ، وديو مع الفنان عبد الله الرويشد في أغنية ما فقدتك، صدر بعد وفاتها أواخر2003.

وكانت أول مطربة تقدّم ديو مع محمد عبده حلمنا الوردي، والذي استبدلها بالمطربة نوال الكويتية، فقد طلبت نوال التغيير في طبقة اللحن، فلم يستجب المطرب محمد عبده لطلبها، فأعتذر واختار ذكرى بدلًا عنها.

وأشهر أعمالها في الخليج هي إلين اليوم، ما فيني شي، أحبك موت، أجيلك شوق، وش أخباري، وينك أنت، هذا أنت، علمني الحب، ابتعد عني، غايب، المسافر، لا تفكر.

وفي ليلة 28 نوفمبر/ تشرين الأول 2003 تمّت إذاعة خبر مقتلها على يد زوجها أيمن السويدي، وفي الليلة الموعودة اجتمع الأصدقاء للسهر، أيمن السويدي وزوجته ذكرى، ومدير أعمالها وزوجته، وصديقة مغربيّة تقرأ الفنجان تدعى سوسن رمزي، كانت هذه آخر معالم سهرة الوداع التي انتهت بطرد الأخيرة وقتل الجميع، ربما باحت الفناجين بما أسرَّته القلوب، لكن المؤكد أن الغيرة والشك كانا أقوى من الحب فى تلك اللحظة، التي أنهت حياة ذكرى بـ20 رصاصة في أنحاء متفرقة من جسدها، و16 أخرى لمدير أعمالها، و4 لزوجته ورصاصة واحدة أطلقها أيمن السويدي في فمه، لتنهي حياته ويسدل الستار على قصة الحب والموت. 

وبعد إغلاق المحضر، أكدت الممثلة المغمورة سوسن رمزي أن السويدي هو الذي أطلق النار على زوجته، ولكن الأقوال بدأت تتردد من هنا ومن هناك بأن القضية أكبر من ذلك، حيث تتواجد أجهزة مخابرات عربيّة وراء مقتلها لسببين، الأول أنها شبّهت هجرتها من وطنها الأم إلى ليبيا للغناء هناك بهجرة الرسول، والسبب الثاني تناولها لإحدى البلدان العربيّة من خلال أغنية أدّتها في إحدى الجلسات الخاصة، والتي انتقدت خلالها تلك الدولة، وقد تمّ تسريب الأغنية عن طريق أحد الحاضرين في تلك الجلسة، وما عزز هذه المقولة أن زوجها الذي من المفترض أنه قتلها وانتحر، قد أصيب برصاصتين الأولى في العنق، والثانية في الرأس، فكيف لمنتحر أن يصوب رصاصتين تكفي واحدة في أن تصبيه بمقتل.

كما أن الحملة العنيفة التي شنتها شقيقتها وداد، أكدت خلالها أن ذكرى لم تقتل بهذه الطريقة، وإنما هناك حقيقة أخرى وراء مقتلها، والجدير ذكره أن أيمن السويدي هو ابن عائلة معروفة ومالكة لمجموعة كابلات السويدي، وسبق له أن عقد قرانه على الممثلة المعتزلة حنان ترك، وتزوّج من سيدة مغربيّة تدعى نادية، وعندما قتلت ذكرى لم يكن زواجها قد وثّق بعد، بل كان لا يزال زواجًا عرفيًا.