"الكومبارس" فنان مظلوم وتحولات وأمل

صدرت حديثاً رواية "الكومبارس"، للروائي والإعلامي المصري ناصر عراق، عن الدار المصرية اللبنانية. يتناول عراق في الرواية السابعة بمشواره الإبداعي، عالم السينما والمسرح والدراما التلفزيونية، إذ يستعرض في "الكومبارس" شخصية الممثل عبدالمؤمن السعيد، الذي تخرج في معهد الفنون المسرحية في مطلع الثمانينات من القرن الماضي، وحقق نجاحاً لافتاً في أثناء الدراسة جراء موهبته الكبيرة، لكن الحظ كان عنيداً، فلم يستطع أن يحقق الشهرة والمجد والحضور في الوسط الفني كما كان يأمل.

وتسير "الكومبارس" في خطين متوازيين، تتفرع عنهما خطوط متداخلة ومتفاعلة بعضها مع بعض، بحيث تتوحد هذه الخطوط وتتلاقى مع نهايات الرواية المترعة بالشجن والأسى، جنباً إلى جنب الإصرار على معانقة الحياة والتبشير بالسعادة والحرية.

وتبحر في حياة الممثل الموهوب عبدالمؤمن السعيد الذي يكابد أوضاعاً نفسية صعبة منذ صغره، فوالده الفقير قتل أمه أمام عينيه عندما اكتشف سوء سلوكها، الأمر الذي دفعه للانزواء في ذاته، وحرمه من التواصل الطبيعي مع مجتمعه، أما موهبته المتدفقة فلم تشفع له في الحصول على المكانة والشهرة والمجد الذي يحلم به كل ممثل، وهكذا انطفأ في أدوار صغيرة غير مؤثرة، كما أنه لم يستطع الاحتفاظ بالفتاة التي عشقها حد الجنون أيام دراسته في معهد الفنون المسرحية، إذ هجرته وتزوجت زميلهما قليل الموهبة ابن الأثرياء.

ورغم زواجه بفتاة أخرى وإنجابه ابنتين غير أنه ظل مكتئباً سابحاً في الظل، فقد تابع صعود حبيبته السابقة وزوجها في سماء النجومية المدوية، بينما لم يستمتع هو بنور الشهرة ولو ليوم واحد، الأمر الذي جعله ناقماً ساخطاً على كل شيء.

وتتناسل أحداث "الكومبارس" في مشاهد قصيرة متواترة، تنهض على الربط بين زمنين الأول يمتد من عام 1966، والثاني من عام 2008، ليلتقي الزمنان في زمن واحد هو ثورة يناير وما بعدها بقليل. واعتمد ناصر عراق منطق اللقطات السريعة الإيقاع، حتى يستطيع أن يخطف أنفاس القارئ منذ السطر الأول ليتابع حكاية فنان موهوب ظلمه مجتمعه من جهة، وتحولات مصر منذ ستينات القرن الماضي حتى أعقاب ثورة يناير 2011 من جهة أخرى.

"الكومبارس" رواية ترصد أزمة الإنسان المعاصر عندما يشعر بالضيم والظلم الشديدين في مجتمعه رغم موهبته، فتضغط على عقله الأسئلة الوجودية الكبرى دون أن يجد لها إجابة مقنعة من جهة، ومن جهة ثانية يفوح من أحداثها المتلاحقة اللاهثة أريج الأمل في مستقبل أكثر عدلاً وحرية وجمالاً.