بيروت ـ غنوة دريان
لا شكّ أنّ الدراما اللبنانية قد استطاعت بتنوعها أن تغزو الشاشات الرمضانية. وبات المشاهد اللبناني عموما يجلس طيلة الشهر الفضيل أمام شاشة التلفاز بهدف متابعة أحد الأعمال التي تستهويه بين باقة معروضة وهي "لآخر نفس، أدهم بيك، الهيبة، كراميل، ورد جوري، وين كنتي، زوجتي أنا، وبلحظة". دون أن يفوته أيّ مشهد أو خطأ ومع أنّ هذه الدراما حملت تجميلاً لتجار المخدرات، وللعلاقات المحرمة وللخيانات إلا أنّها دخلت بيوتنا وصفقنا لها حتى تحوّل الجلاد إلى ضحية وبطلاً، لتسقط في بحر الخيبة.
فإن انطلقنا من مسلسل "الهيبة" الذي عرضته قناة الـ mtv وقام ببطولته كل من النجم السوري تيم حسن والنجمة اللبنانية نادين نجيم، نلاحظ أنّ هذا المسلسل قد استطاع أن يخطف الأنظار بعوامل كثيرة ومنها الواقع الذي يمكن إسقاطه إلى البيئة اللبنانية. فمسلسل "الهيبة" تدور قصته حول شخصية جبل تاجر السلاح والمخدرات والمحبوب من قبل أهالي قريته، هذه الشخصية التي تشبه إلى حد بعيد شخصية تاجر المخدرات اللبناني نوح زعيتر المطلوب للعدالة بعشرات مذكرات التوقيف، هذا المسلسل نال الكثير من الانتقادات من ناحية المحتوى بحيث رأى به البعض أنّه يشجع على التعاطف مع شخصيات خارجة عن القانون، ويحرض على تحدي السلطة اللبنانية بالإضافة إلى كونه مقتبسًا ببعض خطوطه الدرامية من مسلسل: أبو هيبة "جبل الحلال" للرحل الكبير محمود عبد العزيز.
هذا ورصد المتابعون الكثير من الأخطاء التي وقع بها المسلسل، منها تعدد اللهجات وعدم مطابقتها للبيئة، إضافة لأخطاء إخراجية أخرى مثل "الواتس آب" على هاتف نوكيا". ولا يمكن اعتبار هذا المسلسل من مصنفات الدراما اللبنانية مائة في المائة حتى لوكانت جهة الإنتاج لبنانية، فهذه الخلطة السورية اللبنانية أو المسلسلات الأخرى التي تحمل الخلطة السورية اللبنانية المصرية، لم تعد تنطلي على أي مشاهد مهما كانت جنسيته ، وهذه المسلسلات في طريقها إلى الانحدار شيئا فشيئا بعد أن اثبتت التجربة أنها مجرد مسلسلات تحمل شعار املأ الفراغ حتى يحين موعد مسلسلات شهر رمضان.
هذا من جهة الأعمال غير المشروعة، أنا من جهة الخيانة والعلاقة المحرمة، فيتصدر المشهد الدرامي مسلسلس "لاخر نفس" و"وين كنتي2"، فالمسلسل الأوّل والذي تقوم ببطولته الممثلة كارين رزق الله، يصوّر واقع امرأة تعيش صراعاً بين ولائها لزوجها من جهة وبين الروتين والمشاعر التي تجتاحها ازاء عشقها لرجل آخر من جهة أخرى. ومما لا شكّ فيه أنّ العشيق هو البطل الشهم الذي يتعلق فيه المشاهد.
إلا أنّه يسجل للمسلسل طرحه لقضية الفلسطينيين وما يعانوه، فـ"غدي" هو شخصية تجسد واقع شاب فلسطيني في لبنان، إذ أنّ هذا الشاب قد تخصّص في الطب لكنّه لم يتمكّن من مزاولة المهنة بسبب جنسيته، دون أن يحاول الكاتب إيجاد حل لهذه المعضلة لأن الإصرار و العزيمة لدى شعب كافح وناضل سوف يؤدي بلا أدنى شك إلى إيجاد حل، بخاصة وأن هناك الكثيرمن الأمثلة الحية على ذلك.
في حين أنّ مسلسل "وين كنتي"، كسر التابوهات، إذ يدور حول قصة عشق محرّم تتأجج بين كل من "جاد" وزوجة أبيه "نسرين"، ويؤدي الشخصيتين كل من الممثل اللبناني كارلوس عازار والممثلة اللبنانية "ريتا حايك". هذا العشق غير المسموح والذي يجسد خيانة الابن لأبيه والتي لا يتقبلها المجتمع اللبناني ولا العربي بكل أطيافه قدّم لنا مادة دسمة.
على المقلب الآخر ظهرت مسلسلات طرحت قضايا، أو ذهبت نحو الكوميديا، منها مسلسل "ورد جوري" الذي قامت ببطولته النجمة نادين الراسي مع باقة من كبار الممثلين، هذا المسلسل قد طرح قضية الاغتصاب بكل واقعية مع نقل منطقي لردود الفعل التي يمكن أن تتكرر في كل بيت لبناني محافظ. وكان يمكن أن يكون أكثر عمقا، لو أن المخرج تبحر اكثر في هذا العالم الذي تعيش فيه الكثيرات في صمت قاتل.
فيما مسلسل "كراميل" كان المادة الطريفة لهذا الموسم، فقراءة الأفكار والحب الذي يبدأ بين بطليه ظافر العابدين وماغي بو غصن جذب الكثير من المشاهدين، ولكنه مر مرور الكرام ولم يسجل علامة فارقة لا في مسيرة ماغي بو غصن ولا ظافر عابدين الذي كان أكثر حظا منها بسبب النجاح الكبير الذي حققه مسلسله "حلاوة الدنيا" مع هند صبري، ويُذكر أنّ بعض المسلسلات قد ظلمها السباق الرمضاني ومنها "قناديل العشاق" للنجمة سيرين عبد النور والذي انعكس عليه سلباً حظر قناة الجديد في بعض المناطق اللبنانية.
والمشكلة الدائمة في الدراما اللبنانية أنه ليس هناك ما يسمى بجلسة الطاولة، أي أن مجموعة العمل لا تجلس مع بعضها البعض وتتناقش مع المخرج وكاتب السيناريو قبل أشهر من العمل، وإنما يحصل كل ذلك في البلاتوه، وهذا هو اخطر ما تعانيه الدراما اللبنانية, وهناك قول للمخرج الكبير خالد يوسف يشاطره فيه الكاتب اللبناني الكبير شكري انيس فاخوري، وهو أن على المخرج ان يحب ممثليه ليستطيع إخراج أجمل ما في مكنونانهم, وهذه هي المعضلة الحقيقية في الدراما اللبنانية، أن القليل من المخرجين يحبون ممثليهم والحب هنا, بمعنى إيمان المخرج بأنه يستطيع أن يجعل الممثل يعيش الشخصية بكل تفاصيلها ويؤديها على نحو جيد.