بيروت ـ غنوة دريان
تنطلق في 14 أيلول/سبتمبر الجاري في الصالات السينمائية اللبنانية، عروض فيلم المخرج اللبناني زياد دويري "قضية رقم 23" (The Insult) الذي يضم نخبة من الممثلين اللبنانيين، في مقدمهم عادل كرم وريتا حايك وكميل سلامة وديامان أبوعبود، إضافة إلى جوليا قصّار وطلال الجردي ورفعت طربيه وكارلوس شاهين وكريستين شويري، والممثل الفلسطيني كامل الباشا.
وتجري أحداث الفيلم في أحد أحياء بيروت، حيث تحصل مشادة بين طوني، وهو مسيحي لبناني، وياسر، وهو لاجىء فلسطيني، وتأخذ الشتيمة أبعادًا أكبر من حجمها، مما يقود الرجلين إلى مواجهة في المحكمة، وفيما تنكأ وقائع المحاكمة جراح الرجلين وتكشف الصدمات التي تعرضا لها، يؤدي التضخيم الإعلامي للقضية إلى وضع لبنان على شفير انفجار اجتماعي، مما يدفع بطوني وياسر إلى إعادة النظر في أفكارهما المسبقة ومسيرة حياتهما.
واستلهَمَ دويري قصة الفيلم التي كتبَها مع جويل توما، من "حادثة صغيرة" حصلت معه قبل بضعة أعوام، ويقول: "صحيح أن الموضوع يعبّر عن نظرتنا إلى المجتمع، ولكن الهدف الأساسي أن نخبر قصة (...). أنا لا أزال من المؤمنين بأن هدف أي فيلم هو إخبار قصة، لا التعبير فقط عن موقف أو وضع سياسي، إنها قصة عن شخصيات الفيلم"، مضيفًا: "في فيلمي أطرح أسئلة على المستوى الفني والدرامي وليس على المستوى السياسي والاجتماعي، ولكن لا شك في أن الأبعاد السياسية والاجتماعية تتداخل مع البعد الدرامي، على صورة مجتمعنا اللبناني، والقصة التي يتمحور عليها الفيلم ليست مفتعلة وليست غريبة عن هذا المجتمع، فلا شك في أن ماضينا ترك أثرًا عميقًا".
وشدد دويري على أن الفيلم "يتضمن جرعة كبيرة من الأمل والمشاعر الإيجابية"، وهو "يطرح مسألة العدالة، ففي نهاية المطاف، ما يطلبه طوني وياسر هو العدالة، وهي مفهوم مطلق وكبير، وفي طلب العدالة بحث عن الكرامة"، ولا ينفي المخرج أن فيلمه "قد يثير بعض الجدل"، فهو "لا يطرح مسألة محسومة سلفًا، بل يدفع إلى التفكير"، لكنه يقول: "ما يهمني أن يحضر الناس الفيلم، ولا مشكلة إذا شجع الفيلم النقاش، حق الناس أن يحبوه أو لا يحبوه. كما في أفلامي، قد يحبه بعضهم، وقد يقوم البعض الآخر ضده، وقد يطرح آخرون أسئلة. هذا جزء من مسؤولية المخرج، إذ عليه أن يتقبل كل الآراء، ويكون مستعدًا لها".
وتابع دويري: "جويل وأنا كتبنا ما في عقلينا، لا يمكن أن نقوم برقابة ذاتية سلفًا، ولا يجوز أن نبتر القصة قبل أن تولد لأنها مسألة حساسة سياسيًا، ثمة من يتصرف هكذا، أما أنا فلا. أقول ما علي أن اقوله وبعدهها أتلقى النتيجة"، ويرى أن "ما يجب أن يناقَش في أي فيلم هو تركيبة القصة، أيًا كان الموضوع. في نظري، الأهم هو كيف نُخبِر القصة".
ويُعتبّر "قضية رقم 23" أول فيلم لبناني من نوع أفلام المحاكم، ويؤكد دويري: "وجَدْتُ أن قاعة المحكمة تجمع الشخصيات المتنازعة في الغرفة نفسها، وهناك تحصل المواجهة (...) وثمة مضمون درامي غني وكثيف في المحاكم، ووجدت أنها أرضية ممتازة وملائمة للقصة التي أخبرها".
وكشف دويري أنه أجرى اختبارات (casting) لما بين 400 و500 ممثل، قبل أن يختار الممثلين الذين أسند إليهم أدوار الفيلم، ويقول في هذا الصدد: " التجربة كانت ممتازة وتعلقت كثيرًا بأداء الممثلين الذين تولوا أدوارًا في الفيلم، ولمست موهبتهم ودرجة احترافيتهم، وتبيّن لي أن ثمة طاقة ممتازة عند الممثلين االلبنانيين ولكن ينقصهم أحيانًا السيناريو الجيد والإدارة الجيدة للممثلين. مَن عَمِلتُ معهم كانوا متعطشين للعمل وأعطوني 110 في المئة، وأعتبر أنها أجمل تجربة مررت فيها وأرعب في أن أكررها".
ويؤدي الممثل عادل كرم شخصية طوني حنّا، ويرى في تولّيه بطولة الفيلم "نقلة نوعيّة" ستُبرِز طاقاته "كممثّل درامي وليس فقط كوميدي"، قائلًا: "لقد مرّ زمن طويل لم نر فيه فيلمًل بهذا الحجم وهذا المستوى من الاتقان، فهو حسّاس جدًا، ولذلك سيخلق جدلًا لدى الجمهور وآمل أن يكون جدلًا إيجابيًا، لأنّه ينادي الأشياء بأسمائها"، مضيفًا المتآلف مع دور طوني بحكم كونه إبن منطقة فسّوح في الأشرفية: "أعتقد أن معظم من سيشاهد الفيلم سيستقي العبر من تاريخنا، وتحديدًا منهم الذين يشبهون طوني وياسر"، متابعًا: "الفيلم أشبه بضربة سوط لنا كي نستفيق أو ندرك الواقع الذي نعيش فيه"، ولا يستبعد "أن يتعاطف البعض الذين يشبهون طوني مع ياسر، والعكس صحيح أيضًا".
ويتوقع الممثل الفلسطيني كامل الباشا، هو الآخر، "أنْ يثير الفيلم جدلًا عميقًا بشأن طبيعة العلاقة اللبنانية الفلسطينية عمومًا"، ويرى أن "البعض سيهاجم الفيلم بحجة أنه لا ينصف القضية الفلسطينية، فيما سيهاجمه آخرون بحجة أنه انحياز للفلسطيني، ولكنه في المحصلة سيستفز الجميع وسيدفعهم إلى التفكير والتحليل".
وأوضح الباشا الذي يؤدي في الفيلم دور ياسر سلامة: "لم أعش تجربة الفلسطينيّين في لبنان، فأنا وُلدت في القدس وأعيش فيها حيث أعمل كممثل منذ العام 1987، وخبرتي في تقمّص الأدوار على مر الأعوام ساعدتني دون شك، لكنها ليست المصدر الوحيد الذي اعتمدت عليه لأداء دور ياسر سلامة، فعلى المستوى الإنساني في الحياة اليومية للفرد أنا أعيش كما يعيش الفلسطيني في لبنان وأشعر كما يشعر".
أما الممثلة ريتا حايك، الآتية من تجربتي المسرح والتلفزيون، فتؤكد أنها "متعلّقة بكل ما يخصّ بهذا الفيلم" الذي تولّت فيه أول دور سينمائي لها، وتضيف: "كل شخص في الفيلم من دون أيّ استثناء أعطى من صميم قلبه ومن كل كيانه "، مردفة "الطاقة التي يتمتّع بها زياد معدية بحيث أنّ الممثّل أمامه لا يمكنه إلا أن يعطي كل ما عنده ويتخطّى حتى كل حدوده وطاقته، هو يعلم جيّدًا ماذا يريد ولكنّه يتحاور في الوقت ذاته مع الممثّل ليؤلّف معه نوعًا من رقصة، وفي الوقت ذاته لديه ثقة كبيرة بنفسه وبالممثّلين وهذه الثقة دافع للجميع كي يتجاوز حدود طاقاته في التمثيل".
وواصلت حايك التي أدت في هذا الفيلم دور شيرين، زوجة طوني: "هي كانت المرّة الأولى أعمل مع عادل كرم، وبرزت بيننا كيمياء من المشهد الأوّل في موقع التصوير وشعر بها الجميع، إذ بدونا فعلًا وكأنّنا شيرين وطوني ومتزوّجان منذ أعوام".
ومن جانبه، يعتبر الممثل كميل سلامة أن "كل عمل فني يثير نقاشًا ويُولّد لدى المشاهد أفكارًا تجعله لا ينسى ما شاهد، يكون عملًا ناجحًا"، مضيفًا: "هذا ما أتطلّع إليه بالنسبة إلى الفيلم"، مواصلًا الذي يؤدي دور المحامي وجدي وهبة: "منذ بداية تعلقي بالسينما كمشاهد، كانت تجذبني الأفلام التي تتضمّن محاكمات (...) وشخصية وجدي وهبة في الفيلم هي شخصية مغرية لأي ممثّل يعرف أين تكمُن لذّة التحدّي".
ويَصف سلامة زياد دويري بأنه "حالة خاصة، وعدوى متنقلة تحمل معها الحماسة والشغف والسعي إلى تحقيق الأفضل من الأفضل"، متابعًا: "الممثلون عملوا انطلاقًا من الاحتراف الكامل المبني على الاقتناع بأنّ نجاح الفرد ينطلق من نجاح المجموعة".
وترى الممثلة ديامان أبو عبود التي أدّت دور المحامية نادين، أن "قضية رقم 23 ليس فيلمًا يمرّ عليه الشخص مرور الكرام، بل سيترك أثرًا عند أيّ مشاهد"، متوقعة "أن يختلف الاستنتاج الذي سيخرج به كل شخص، وفق خلفيّته الثقافيّة والاجتماعيّة واقتناعاته الفكريّة، ولكنّ الجميع سيتماهى معه بطريقة أو بأخرى وسيتفاعل معه"، مضيفة: "برأيي أنّ الاستنتاج المشترك الذي يجب أن نخرج فيه هو أننا جميعًا نتساوى في الإنسان ".
وتُبدي أبو عبود إعجابها "بالاهتمام الذي يعطيه زياد لكل شخصيّة، فهو يمنحها حقّها ويقلق مع الممثّل ويبني معه ويضعه على السكّة الصحيحة، ولكونه هو الكاتب مع جويل توما، فهو يعرف كل شخصيّة من أوّلها إلى آخرها مع كل تفصيل في النص وكل كلمة تلفظ وحتى الصمت عندما يجب أن يسود، أي أنّه يعرف ديناميّة الشخصيّة وكيفيّة مساعدة الممثّل لكي يصل إليها".
بينما أشارت الممثلة جوليا قصّار التي أدّت دور القاضية كوليت منصور، إلى أن "الفيلم سيكون مادة تفكير للجمهور اللبناني، فشخصيّاته تتواجه وتتعارك ومن يشاهد الفيلم سيفكّر بشكل مُمتِع ويُنضج الفكرة في رأسه"، وتُلاحِظ أن "النص مكتوب بطريقة رائعة ومشوّقة حيث تنتظرنا مفاجأة في كل لحظة منه، وعناصر التشويق هذه مع الأسماء الكبيرة التي تؤدي الأدوار، تشكّل عوامل إيجابيّة جدًا في الفيلم"، مضيفة: "شخصيّتي في الفيلم مختلفة عن الشخصيات التي مثّلتها قبلًا، كما إن موضوع الفيلم يمسّنا جميعًا"، وتلاحظت أن دويري "دينامو يخلق طاقة في محيطه تشبه التيّار الكهربائي الذي يصعق، وأعتقد أنّ نتيجة الفيلم ستكون على هذا النحو".
أما الممثل طلال الجردي، الذي يتولى دور طلال، مسؤول الشركة المتعهدة، فيقول: "من خلال الشخصية التي أؤديها يفهم المشاهد منطق الخطّين الرئيسيّين في الفيلم، أي طوني وياسر، ويكتشف كم أن هذين الخطين متباعدان مع أن المشكلة لا تستحق كل ذلك، وكم أن التاريخ والأحداث حفرت في كل من الرجلين"، موضحًا: "لا شك في أن الفيلم سيثير جدلًا، والجمهور سيكون طرفين، والموقف الذي سيخرج به كل مشاهد يتوقف بدرجة عالية على خلفيته وأفكاره، وسيكون للغريزة والعاطفة دور في تحديد الإنطباع النهائي".
ومن ناحيتها، تتوقّع الممثلة كريستين شويري "في شخصية منال، زوجة ياسر"، "أنْ يحصل جدل لدى المشاهدين بشأن موضوع الفيلم، قد يبدأ بين اللبنانيّين لجهة سبب تناولنا إيّاه اليوم"، متابعة: "في الواقع، هذه المسألة لم تعالَج في السينما من قبل، في حين أنّها مسألة يجب أن يتم بحثها وتظهيرها إلى العلن. وأرى أنّ المشاهدين سيكونون متحمّسين لهذا الموضوع الذي سيثير فضولهم في الوقت ذاته".
ويظهر الممثل رفعت طربيه في الفيلم في دور رئيس حزب القوات اللبنانية الدكتور سمير جعجع، وعن ذلك يقول: "لم أسع إلى أن أقلّد الدكتور سمير جعجع في أدائي للشخصيّة، ولا حتى حاولت أن أشبهه بواسطة الماكياج، بل ظهرت في الدور كما أنا، وتناولت الشخصيّة كما أرى أنها يجب أن تؤدّى، وبالتالي لا تصلح مقارنة أدائي بالأداء الفعلي للدكتور جعجع"، مبينًا: "أخذت كلام جعجع وأعطيته بُعدًا دراميًا يدفع الناس إلى التفاعل معه، ووقفت في أحد المشهدين أمام جمهور ليس من الممثّلين، وهو جمهور من قواتيي البترون، جاء إلى معراب للمشاركة في احتفال، وألقيت الكلمة فيهم، وتفاعل الجمهور مع الكلمة، مع أني أديتها على طريقتي".
وتجدر الإشارة إلى أن "قضية رقم 23" هو الفيلم االروائي الرابع لدويري بعد "بيروت الغربية" (1998) و"ليلا تقول" (Lila says) عام 2004 و"الصدمة" (The Attack) عام 2012، وتولى أيضًا إخراج سلسلة Sleeper Cell التلفزيونية لصالح شبكة Showtime عام 2005 وسلسلة Baron Noir لصالح محطة Canal Plus الفرنسية عام 2016، وهو عاكف حاليًا على تصوير حلقات الموسم الثاني من Baron Noir.