دبي - صوت الإمارات
تسيطر ظاهرة الشراء المفرط للسلع الفاخرة باهظة الثمن على سلوكيات المستهلكين في الدولة، لا سيما المواطنين، الذين يتسابقون في اقتناء الأحدث والأغلى من السلع والبضائع، بغض النظر عن جودتها أو حاجتهم إليها، وفق خبراء اقتصاديين واجتماعيين ونفسيين، أكدوا ضرورة مواجهتها نظرا إلى آثارها السلبية على الفرد والمجتمع على حد سواء.
وبلغت مبيعات السلع الفاخرة، والإكسسوارات، والأزياء العالمية في الإمارات نحو 23 مليار درهم "6,2 مليار دولار" في نهاية العام الماضي، في حين تبلغ قيمة العلامات الفاخرة والأزياء والتصميم الداخلي في سوق دول مجلس التعاون الخليجي 54 مليار درهم "14,6 مليار دولار".
وأكد الخبراء أن الرغبة في المحاكاة والتقليد تدفع شريحة كبيرة من المستهلكين الشباب إلى شراء هذه السلع التي تفوق قدراتهم المادية، ما يدخلهم في دوامة لا تنتهي من الديون بما يؤثر سلبا على استقرارهم المالي والأسري.
وشدد الخبراء على أهمية تضافر جهود المدارس، والجامعات، ووسائل الإعلام، لرفع الوعي العام لدى المواطنين لتبني سلوكيات استهلاكية رشيدة، بحيث تتم عملية شراء السلعة وفق الاحتياجات الفعلية للفرد وإمكاناته المادية.
وأوضح مدير إدارة حماية المستهلك في وزارة الاقتصاد الدكتور هاشم النعيمي " إن الوزارة تعمل بالتنسيق مع الجهات المعنية على نشر الوعي الاستهلاكي حول جميع السلع والخدمات"، لافتا إلى أن الاستهلاك المفرط للسلع والخدمات لا يضر بالمستهلك وحده، ولكن يطال جميع أفراد المجتمع، حيث تمتد الآثار السلبية للاستهلاك غير الرشيد على تحفيز نسب التضخم وانحسار المدخرات.
وأضاف أن وزارة الاقتصاد تكثف حملات التوعية لتثقيف المستهلكين وتعريفهم بأهمية التخطيط المالي السليم، واتباع سلوكيات استهلاكية رشيدة تحفظ مدخراتهم ومواردهم المالية، منوها إلى شروع الوزارة في بث رسائل توعوية بهذا الخصوص عبر التطبيقات الذكية للمراسلة مثل «واتس آب".
ومن جانبه، أشار رئيس الهيئة الاستشارية في الأمانة العامة لدول مجلس التعاون الخليجي الخبير الاقتصادي الدكتور نجيب الشامسي، إن اتجاه جميع شرائح المجتمع في الإمارات إلى شراء السلع الفاخرة يعد جزءا لا يتجزأ من ثقافة الاستهلاك المفرط التي تسود دول الخليج بشكل عام.
وأضاف أن النزعة الاستهلاكية تقود الأفراد، لا سيما من فئة الشباب إلى إنفاق كثير من الأموال على السلع الفاخرة، الأمر الذي يستنزف مواردهم على نحو واضح، ويؤثر على مستقبلهم وقدرتهم على الادخار والاستثمار.
وأكد أن المحاكاة والرغبة في التميز تدفعان الكثير من الشباب إلى التسابق في اقتناء السلع الفاخرة حتى وإن لم يكن لديهم القدرة المالية على شرائها، ما يدفعهم للاستدانة أو الاقتراض دون الانتباه إلى العواقب الكارثية للاندفاع حول شراء هذه السلع على هذا النحو.
وأكد الشامسي أن التداعيات الاقتصادية للإفراط في شراء السلع الفاخرة من قبل المستهلكين في الدولة تنقسم إلى شقين رئيسيين، أولهما يتعلق بتأثير هذا الاتجاه على الاقتصاد الكلي الذي يستفيد ظاهريا بزيادة إنفاق المستهلكين، حيث يسهم ذلك في نمو المبيعات، وانتعاش الأسواق، ومضاعفة دخول أصحاب المحال التجارية، فيما يتعلق الشق الثاني بالاقتصاد الفردي للمستهلك نفسه الذي يضار على نحو بالغ.
وأعلن نظرا إلى أن أكثر من 99% من السلع الفاخرة في الدولة مستوردة، وليست من الإنتاج المحلي؛ لذا فإن الشق الأكبر من ثمنها يذهب إلى بلد المنشأ وتحديدا للشركة المصنعة للعلامة التجارية، فيما تقتصر استفادة الأسواق على تدوير هامش الأرباح النهائي على السلعة".
وأشار إلى أن الإفراط في شراء السلع الفاخرة من قبل المستهلكين في الدول يضاعف حجم القروض الشخصية، ويقلص المدخرات، ما يؤثر سلبياً على قدرة المجتمع على الاستثمار في المشاريع الإنتاجية.
وفيما يتعلق بالشق الثاني والمتعلق بالمستهلك، قال الشامسي، إن الإفراط في شراء السلع الفاخرة له تداعيات سلبية مباشرة على المستهلك الذي غالباً ما يغرق في سيل من الديون نتيجة النمط الاستهلاكي غير القويم، لافتا إلى أن الأمر ينتهي بعديد من الشباب إلى التعثر في السداد، ومن ثم التعرض للسجن.
وأضاف الشامسي " إن ظاهرة الاستهلاك المفرط والاندفاع إلى شراء السلع الفاخرة التي لا تتناسب مع مداخيل الفرد وإمكانياته مسألة تحتاج إلى تضافر الجهود المجتمعية لمواجهتها"، مشيرا في ذلك إلى أهمية دور المدارس والجامعات في رفع الوعي بضرورة اتباع أنماط إنفاق قويمة تسهم في الارتقاء بالفرد والمجتمع على حد سواء.
ونوّه بأن البدء في معالجة المشكلة وتصحيح المسار الاستهلاكي سيكون له تأثيرات بالغة الإيجابية، حيث يحفز الاستهلاك الرشيد للسلع والبضائع المستهلكين، لا سيما من الشباب على زيادة مدخراتهم، ومن ثم توجيهها إلى الاستثمار فيما بعد بما يسهم في تحولهم إلى رواد ورجال أعمال المستقبل.
ومن جانبه، بين رئيس مجلس إدارة مركز القادة الدولي للتدريب، والخبير الدولي في شؤون المستهلك الدكتور جمال السعيدي " إن انسياق شريحة كبيرة من المستهلكين في الإمارات وراء الدعاية التي تروّج للسلع الفاخرة باهظة الثمن يعود إلى أسباب اقتصادية واجتماعية عدة"، منوها بأنه على الجانب الاقتصادي فإن توافر السيولة والقدرة الشرائية للمستهلكين في السوق الإماراتية مقارنةً ببقية الأسواق تعد من بين أهم العوامل التي تسهم في تعزيز الشعور الاستهلاكي والرغبة في الشراء، فضلا عن سهولة الاقتراض، حيث تتسابق البنوك والمؤسسات التمويلية في توفير السيولة اللازمة للأفراد غير القادرين على شراء هذه السلع من جيوبهم.
وأكد " إن توافر بطاقات الشراء الإلكترونية (كريديت كارد) بأسقف ائتمانية مرتفعة للغاية لا تتناسب مع دخول المستهلكين يعد من بين العوامل الرئيسية المغذية للانسياق وراء كل ما هو جديد وحديث»، مشيراً إلى أن الدراسات أثبتت أن الشراء ببطاقات الائتمان يزيد من معدل الاستهلاك بخلاف الشراء النقدي الذي يشعر معه المستهلك بقيمة المبلغ الذي يتم إنفاقه.
وعلى الصعيد الاجتماعي، يعتقد كثير من المستهلكين أن شراءهم السلع الفاخرة باهظة السعر مثل الساعات، والأقلام، والنظارات، والسيارات، أيضا يمنحهم أفضلية عن الآخرين، وهو أمر خاطئ حيث إن الأفضلية من حق الأكثر وعيا وثقافة واطلاعاً.
واستكمل أن اندفاع شريحة من المستهلكين لشراء هذه السلع ينطلق من دوافع نفسية أخرى مثل الخجل من الأقران والأصحاب الذين يبنون ثقافة الاستهلاك المفرط للسلع الفاخرة، الأمر الذي يزيد من رقعة العدوى وانتشار هذه الظاهرة التي تضر بالفرد والمجتمع على حد سواء.
ونوه بأن جميع الدراسات الاستطلاعية حول أنماط المستهلكين، أكدت أن شريحة الشباب هم الأكثر ميلاً لشراء السلع الأحدث والأفخم وهي مؤشرات تنضوي على مخاطر جسيمة، لا سيما أن الشريحة الأكبر من هؤلاء الشباب تفتقر إلى القدرة المالية لشراء مثل هذه السلع.
وأشار إلى أهمية تكاتف جهود الأسرة والمؤسسات التعليمية، ووسائل الإعلام، للارتقاء بالثقافة الاستهلاكية لدى المجتمع، كما يجب أن يعمل الجميع على تنشئة أطفالنا بالمفهوم الصحيح للاستهلاك لحمايتهم من إغواء الشركات العالمية التي تروج لهذه السلع بكل الطرق والوسائل.